النهار

سويسرا ستوطّد علاقتها مع الناتو؟
بعد فنلندا والسويد... سويسرا قد تعيد النظر في تفسير حيادها
سويسرا ستوطّد علاقتها مع الناتو؟
A+   A-

بعد موافقة فنلندا والسويد على الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، يبدو أنّ سويسرا قد تخطف الأنظار مع خطوات يمكن أن تقرّبها من الحلف. ثمّة تشابه في وضع السياسة الخارجية للدول الثلاث مع تبنّيها "الحياد" على مدى عقود أو حتى قرون كما هي الحال مع السويد وسويسرا. يختلف مفهوم "الحياد" إلى حدّ معيّن بين الدول. يرى المؤرّخ في جامعة أمستردام صمويل كرويزينغا في حديث إلى وكالة "أسوشييتد برس" أنّ هنالك "أمراً جوهرياً حيال الحياد: هو يعني أشياء مختلفة لشعوب مختلفة".

تبنّت فنلندا الحياد بعد نزاعين خاضتهما مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية، بينما كانت السويد ترى في عدم الانحياز وسيلة لتقديم نفسها كوسيط فاعل على المستوى الدولي. تبنّت سويسرا الحياد منذ بدايات القرن التاسع عشر. ولم تنضم إلى الأمم المتحدة حتى سنة 2002. بينما انضمت السويد وفنلندا إلى المنظمة الأممية نفسها في 1946 و 1955. وبعكس السويد وفنلندا، لا تزال سويسرا حتى اليوم خارج الاتحاد الأوروبي.

كان الغزو الروسي لأوكرانيا عاملاً رئيسياً في دفع ستوكهولم وهلسينكي لطلب الانضمام إلى الناتو، وهكذا على ما يبدو، سيكون الدافع الرئيسي كي تعيد سويسرا التفكير في طبيعة حيادها. بالتأكيد، لن تعمد سويسرا إلى اتخاذ خطوة راديكالية بالانضمام إلى الحلف الأطلسي، على الأقل ليس في المدى المنظور. لكنّ نظرتها إلى التعاون العسكري مع الناتو قد تبدأ بالتغيّر قريباً.

 

ما تدرسه وزارة الدفاع

ذكرت "رويترز" منذ يومين أنّ وزارة الدفاع السويسرية تعدّ تقريراً عن خيارات أمنية من بينها الانضمام إلى تدريبات عسكرية مشتركة مع الدول الأطلسية وشراء ذخائر منها كما قال رئيس السياسة الأمنية في الوزارة بالفي بولي للوكالة. أوضح بولي أنّه يمكن أن تحدث "تغييرات في الطريقة التي يتم بها تفسير الحياد". فالأخير لم يكن غاية بنفسها بل وسيلة لزيادة أمن سويسرا. وستساهم وزارة الدفاع في سياسة أوسع تعدّها وزارة الخارجية ستنظر في سياسة العقوبات وصادرات الأسلحة والذخائر والعلاقة مع الناتو من جانب محايد. كذلك، ثمّة نقاش حول ما إذا كان بالإمكان إرسال أسلحة إلى دول ثالثة قبل إعادة نقلها إلى أوكرانيا، لكنّ تحقيق ذلك قد يكون ضئيل الاحتمال. وشاركت سويسرا الأوروبيين في فرض عقوبات عدة على روسيا بسبب اجتياحها أوكرانيا.

على عكس السويد وفنلندا، لم تنخرط سويسرا في تدريبات مشتركة مع جيوش الدول الأطلسية. وهذا ما يجعلها أبعد منهما عن الانضمام إلى الحلف. لكنّ المشاركة المحتملة في هكذا تدريبات تؤشّر إلى تغيير أساسيّ في السياسة السويسرية. ثمّة فارق آخر بين هاتين المجموعتين. سويسرا بعيدة جداً من روسيا بما يجعل الأسباب التي تدفعها إلى التقرب من الناتو أقلّ إلحاحاً. في الوقت نفسه، وإلى جانب العاملين الجغرافي والطوبوغرافي اللذين يلعبان دوراً طبيعياً في حمايتها، تبدو سويسرا أيضاً محاطة بدول أطلسية ممّا يؤمّن دفاعاً عسكرياً إضافياً لتلك الدولة. يتحقّق ذلك من دون تحمّل عبء الانضمام إلى الناتو وتعريض علاقاتها مع روسيا للتوتر. لكنّ سويسرا تعبّر عن رغبة بتحمّل بعض المسؤولية في الهيكلية الأمنية الأوروبية كما ذكرت مجلة "فورين بوليسي".

 

علاقة قديمة

لسويسرا علاقة قديمة مع الناتو وإن لم تكن علاقة عسكريّة واسعة النطاق. بدأ التعاون بين الطرفين حين انضمّت سويسرا إلى "برنامج الشراكة من أجل السلام" سنة 1996 وأصبحت عضواً في "مجلس الشراكة الأورو-أطلسية" سنة 1997. وتشارك سويسرا خبرتها مع الحلف عبر تقديم التعليم والتدريب لحلفائه وشركائه إلى جانب عدد من البرامج. ويساعد "برنامج الشراكة من أجل السلام" القوات السويسرية المسلحة على المشاركة في مهمات حفظ السلام في الخارج تحت قيادة الناتو أو الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة. وهذا ما فعلته سويسرا في كوسوفو سنة 1999. ثمّة سبب مهمّ في دفع سويسرا إلى التفكير  بتعاون أوثق مع الحلف.

يعود ذلك إلى تغيّر الرأي العام السويسري تجاه الناتو. فضّل 56% من المستطلعين تعزيز الروابط مع الحلف الأطلسيّ بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. بلغت هذه النسبة 37% خلال السنوات الماضية كما قالت "رويترز". لكن في ما يخصّ فكرة الانضمام إلى الحلف، لا تزال الغالبية رافضة أو متردّدة تجاه الفكرة. أيّد 33% هذه الخطوة في نيسان، علماً أنّها كانت 21% في السنوات الماضية. (في السويد وفنلندا تتخطى هذه النسبة 53% و 75% على التوالي).

 

أسباب ترجّح عدم طلب عضوية الناتو

لن يكون انضمام سويسرا إلى الحلف قضيّة سهلة. إنّ مساراً كهذا لا يرتبط بقضيّة سياسيّة أو حتى استراتيجيّة. يقول رئيس قسم المخاطر العالمية والناشئة في "مركز جنيف للسياسة الأمنية" جان مارك ريكلي إنّ الهوية الوطنية في سويسرا مبنيّة على الفيديرالية والديموقراطية المباشرة والحياد. ويضيف في حديث إلى "فورين بوليسي" أنّ "الهوية السويسرية هي هوية سياسية. الانضمام إلى منظمة دولية سيدمّر ذلك".

بالمقابل، قد لا يكون للناتو رغبة قوية بضمّ سويسرا إلى صفوفه. هذا على الأقل ما أشارت إليه الباحثة في الشؤون الأمنية ليا شاد. ففي حديث إلى موقع "سويس إنفو" في آذار قالت شاد إنّ سويسرا دولة صغيرة والجيش السويسري منظّم وفقاً لنظام الميليشيات وهي "ليست بتلك الجاذبية الكبيرة" للناتو. وأضافت: "بالنسبة لهذا الحلف أيضاً، من المفيد أن تظل سويسرا مكاناً لممارسة الدبلوماسية. إن الدول الأخرى بحاجة إلى وجود دول محايدة لعقد الاجتماعات. إن جنيف ما كانت لتكون هذه المدينة الدولية المعروفة اليوم لو كانت سويسرا عضواً في أي حلف عسكري".

قلّة قليلة من المراقبين تصوّرت في السابق إمكانية طلب السويد وفنلندا إلى الناتو. لكنّ هذا ما حدث في نهاية المطاف. بالتأكيد ستكون سويسرا أكثر تردّداً بكثير إزاء الإقدام على خطوة كهذه. بطريقة غير مباشرة، شجّعت الجارتان فنلندا والسويد بعضهما البعض على التقدّم بهذا الطلب. كان متوقّعاً إلى حدّ بعيد أن تعلنا عن نيّة الانضمام بطريقة متزامنة وهذا ما حصل خلال الأيام القليلة الماضية. اليوم، لا تبدو النمسا، وهي جارة سويسرا، في وارد الانضمام إلى الحلف والتخلّي عن حيادها. لهذا السبب، من غير المتوقّع أن تتقدّم الدولتان بطلب الحصول على العضوية الأطلسية خلال السنوات القليلة المقبلة. مع ذلك، وعند الحديث عن الهيكليّة الأمنيّة الأوروبية بناء على التطورات الأخيرة، لا يمكن استبعاد المفاجآت بشكل كامل.

 

 

 

اقرأ في النهار Premium