الثلاثاء - 02 تموز 2024

إعلان

الانتخابات في لبنان: هل نشهد نهاية قيادة النظام التي أفلست البلاد؟

المصدر: "النهار"
مشهد من انتخابات الموظفين في الكرنتينا (حسام شبارو).
مشهد من انتخابات الموظفين في الكرنتينا (حسام شبارو).
A+ A-
*بولس مقدسي، أستاذ في الاقتصاد – جامعة أوتاوا
*ميرا يزبك، أستاذة في الاقتصاد – جامعة أوتاوا
*وليد مروش، أستاذ في الاقتصاد – الجامعة اللبنانية الأميركية
*علي فقيه، أستاذ في الاقتصاد – الجامعة اللبنانية الأميركية
*رامي تابري، أستاذ في الاقتصاد – جامعة سيدني
 
ستجري الانتخابات النيابية في لبنان يوم الأحد المقبل في 15 أيار/مايو 2022. يأتي هذا الاستحقاق بعد ثلاث سنوات من بداية أزمة اقتصادية ومالية كبرى لا تزال تضرب البلاد، وبعد أقل من عامين مرّا على انفجار مرفأ بيروت المدمّر الذي أودى بحياة 215 شخصاً وأدى إلى إصابة أكثر من 6500 آخرين، فضلاً عن خسائر ماديّة قُدِّرَت بنحو أربعة مليارات يورو من قبل البنك الدولي.
 
وفقاً للبنك الدولي، فإن هذه الأزمة المُتَعَمَّدة، وهي واحدة من أسوأ الأزمات التي شهدها العالم منذ خمسينيات القرن التاسع عشر، هي نتيجة للقرارات التي اتّخذتها النخبة السياسية في البلاد. وشكّلت طبيعتها المتَعَمَّدَة موضوع فيلم وثائقي للصحافية اللبنانية الأسترالية دايزي جدعون أتى بعنوان "كفى! أحلك ساعات لبنان".
 
نحن مجموعة من أساتذة الاقتصاد، جميعنا من أصل لبناني. بالإضافة إلى مناصبنا الأكاديمية في جامعة أوتاوا في كندا وجامعة سيدني في أستراليا والجامعة اللبنانية الأميركية في لبنان، عملنا مستشارين لمختلف الإدارات والوكالات الوطنية والمنظمات الدولية.
 
نودّ أن نشارككم تحليلنا المبني على نتائج عملنا البحثي وكذلك النتائج التي أنتجها اقتصاديون آخرون.
 
 
أصول نظام المحسوبية والوساطة
منذ الحرب الأهلية 1975-1990، سيطر على الحياة السياسية اللبنانية قادة ميليشياويون وسياسيون شديدو الفساد. في عام 1990، سهّل اتفاق نهاية الحرب (اتفاق الطائف) قبضة هذه النخبة السياسية على البلاد.
 
وقد أنشأ قادة الميليشيات هؤلاء وحلفاؤهم السياسيون، الذين ينتمون إلى الجماعات الدينية الرئيسية في لبنان، نظاماً اقتصادياً وسياسياً من حكم اللصوصية القائمة على إعادة التوزيع. ويتّسم نظام المحسوبية هذا بطبيعته المتطرفة حيث يقوم أعضاء النخبة السياسية الحاكمة باستخراج وتقاسم أكبر قدر ممكن من موارد الدولة اللبنانية التي لا يعيدون توزيع سوى جزءٍ صغيرٍ منها على قاعدتهم السياسية، وغالباً ما يكون ذلك على شكل وظائف في القطاع العام.
وبناءً على ذلك، فإن هذا النظام قد أنتج موازين القوى الحالية في لبنان ونظامه االاقتصادي السائد. فليس اليوم لأي فرد من أفراد هذه القاعدة السياسية مصلحة في التوقّف عن دعم زعيمه ما دام أفراد آخرون يدعمون النظام القائم. فخروج الفرد وحده عن هذه المنظومة هو بمثابة مخاطرة كبيرة تفقده نصيبه من القليل الذي يعاد توزيعه إليه، ممّا قد يؤدي إلى وقوعه في الفقر.
 
 
مخطط بونزي وطني
قُرابة نهاية عام 2015، بعدما كانت الدولة اللبنانية قد احتضنت هذه النخبة السياسية لعقود، كان مصرف لبنان المركزي يعاني بالفعل من عجز قدره 4.8 مليارات دولار أميركي في صافي احتياطياته.
 
وفي نيسان/أبريل 2016، حذّر صندوق النقد الدولي من هذه المسألة المقلقة في مذكّرة إلى السلطات اللبنانية. لكن رغم ذلك، لم يُكشف عن هذه المذكّرة علناً بناءً على طلب الحكومة اللبنانية التي كانت تواجه آنذاك معضلة كبيرة لقاء ثقة المواطنين تجاهها.
 
ففي إحدى دراساتنا، كنا قد قمنا بتحليل التقلّبات في مستوى ثقة اللبنانيين بالمؤسسات العامّة. وكانت نتائجنا قد أشارت إلى انخفاض كبير في ثقة الشعب بجميع تلك المؤسسات. وقد نجحت حينها السلطات اللبنانية في إقناع صندوق النقد الدولي بإزالة هذه المعلومات من تقريره الرسمي الصادر في كانون الثاني/يناير 2017 نظراً لوضعها السياسي غير المستقر وحقيقة أنه كان من المقرر إعادة انتخاب البرلمان في عام 2018.
 
وفي هذا السياق السياسي، سرّع المشرّعون خطة البونزي الوطنية التي كانوا قد بدأوا بتطبيقها سابقاً. كما صوّتوا لصالح سلسلة جديدة للرتب والرواتب العامة مع ارتفاع هائل في مستوى الإنفاق الحكومي. وقد مُوّلت السلسلة من خلال خطة البونزي هذه، التي تعتمد على جذب الودائع المصرفية بالدولار الأميركي إلى البنوك اللبنانية الخاصّة لكونها تقدّم أسعار فوائد عالية بشكل غير معقول، حتى تستخدم البنوك هذه الودائع لتمويل الدين العام. وقد سمح التزاوج الكبير بين القطاع المصرفي والنخبة السياسية بتسهيل التنسيق بين البنوك والطبقة الحاكمة حتى يصبح هذا المخطط ممكناً.
 
 
شراء الناخبين
تشير بعض الأدلة إلى أن الغرض من إقرار سلسلة الرتب والرواتب كان إرضاء الشعب حتى يقوم بإعادة انتخابهم في عام 2018. يوظف القطاع العام 14 في المئة من العمّال، وتشكل هذه النسبة الكبيرة من موظفي الخدمة المدنية جزءاً هاماً من القاعدة الانتخابية للأحزاب السياسية في ظلّ نظام المحسوبيات المُتقَن.
وتكتسي هذه القاعدة الانتخابية أهمية أكبر في السياق الانتخابي اللبناني حيث تقلّ نسبة إقبال الناخبين على التصويت عن 50 في المئة. فوفقاً لدراستنا، سمحت هذه الزيادات الهائلة في الأجور للنخبة السياسية بإبطاء معدّل انخفاض مستوى الثقة بالمؤسسات العامة بين عامي 2016 و2018.
 
 
تضخّم مالي بنسبة 154٪!
كيف يمكن تحليل تأثير كل هذه المناورات السياسية على رفاه الشعب اللبناني وإفقاره؟ لسوء الحظ، ينتج لبنان، مثل معظم البلدان العربية، عدداً قليلاً جداً من المسوحات والدراسات الاستقصائية لمداخيل الأسر. وعندما يحدث ذلك، يكون الوصول إلى البيانات التفصيلية مقيّداً للغاية.
 
الغرض من هذا التعتيم الإحصائي هو منع تقييم الخبراء لأداء البيروقراطيين على أسس علمية/رقمية صلبة، ما يحدّ أيضاً من إمكانية تطوير سياسات عامة عادلة وقائمة على الأدلّة. ووفقاً لدراسة حديثة أجراها البنك الدولي، فإن هذا التعتيم الإحصائي هو سبب في خسارة تراوح بين 7٪ و14٪ من نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العالم العربي.
 
من أجل التخفيف من وقع هذا الغموض الإحصائي، أصدرنا أخيراً دراسة أخرى نستخدم فيها مصادر بيانات بديلة لدراسة التغيّرات في توزيع الدخل في لبنان بين عامي 2016 و2021.
 
وقد توصّلنا إلى أنّ لبنان قد شهد انخفاضاً مصطنعاً في معدّل الفقر بين عامي 2016 و2018، إثر اقتران هذه الفترة باحتداد تمويل خطة البونزي. وقد اقترن هذا التراجع المصطنع في فترة ما قبل الانتخابات، سامحاً بإعادة انتخاب اللبنانيين لنفس الطبقة السياسية.
 
ولكن من المؤسف أن مستوى الإنفاق العام لم يكن يوماً مستداماً، فقد انهار هذا المخطط بعد فترة وجيزة من الانتخابات. وأدى ذلك إلى أزمة مصرفية كبرى أنتجت صعوبات كبيرة على المودعين الذين ليس لديهم علاقات سياسية تساعدهم في الوصول إلى أموال حساباتهم المصرفية.
 
بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى مدّخراتهم، واجه اللبنانيون معدلات تضخم مالي بلغت 84.9٪ في عام 2020 و154.8٪ في عام 2021 فيما بلغ متوسط التضخم المالي 3.1٪ على مدى السنوات العشر السابقة.
 
كذلك تأثرت أسعار المواد الغذائية، حيث ارتفعت بنسبة 1000٪ وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (أي ارتفعت بأحد عشر ضعفاً(. وتشير دراستنا الأخيرة إلى أن "استراتيجية شراء الأصوات" المكلفة التي تبنّتها السلطة أسهمت في ما بعد بزيادة الفقر بين عامي 2018 و2021، ليصل إلى مستوى أعلى مما كان عليه في عام 2016.
 
في مواجهة هذه التكلفة الاقتصادية-الاجتماعية الباهظة والمفتعلة، هل سيكون لدى اللبنانيين الشجاعة على إحداث تغيير حقيقي في انتخابات 15 أيار/مايو؟ أم سيبقون أسرى هذا التوازن السياسي والاجتماعي السيّئ الذي "يضع لبنان كلّه على جهاز تنفّس صناعي"؟ دعونا نأمل أن تكون الانتخابات المقبلة على الأقل خطوة أولى نحو خروج لبنان من نفقه المظلم.
 
*نُشِر على موقع The Conversation وتُرجم عن الفرنسية
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم