تعمل فئة كبيرة من الأردنيين مقابل الحدّ الأدنى للأجور البالغ 260 ديناراً (نحو 370 دولاراً)، وهو راتب شهري لا يكاد يكفي، وفق ما يقول الشاب العشريني أنس القيسي، لتغطية كلفة مواصلاته إلى العمل وعلبة سجائر مع وجبة طعام "أحياناً"، لا سيما أنه يتمّ أيضاً اقتطاع جزء من الراتب لاشتراك الضمان الاجتماعي وآخر للتأمين الصحي.
لكن القيسي الذي يعمل في أحد مصانع إنتاج الأغذية، يؤكّد أنه ككثيرين غيره، يضطر للقبول بهكذا أجر ، لأن لا بديل متاحاً أمامه، مشيراً إلى أن "جميع من يعملون بهذا الأجر لا سيما من الشباب، لن يحلموا يوماً بإدخار دينار واحد، وسيكون موضوع الزواج وتكوين أسرة بالنسبة إليهم بمثابة حلم صعب المنال، فمن يعيش بأجر كهذا سيبقى تحت سطوة الفقر والحرمان".
لا زيادة منذ 4 أعوام...
ولم تزد الحكومة الحدّ الأدنى للأجور منذ 4 أعوام، بعد أن كانت رفعته من 200 دينار (نحو 315 دولاراً) إلى 260 ديناراً، بينما من المرتقب أن يتمّ رفعه مطلع العام المقبل، بعد التشاور مع مختلف الأطراف المعنيين.
وفي واحدة من أحدث دراسات البنك الدولي، فإن ما يفوق 100 بلد من بينها الأردن، تواجه عقبات خطيرة يمكن أن تعوق جهودها لتصبح من البلدان المرتفعة الدخل في العقود القليلة المقبلة، خصوصاً في ظل تعقّد الظروف الجيوسياسية في المنطقة، والتحدّيات الداخلية التي تحوط بالاقتصاد الوطني، من ارتفاع حجم الدين العام وضعف معدلات النمو الاقتصادي.
وثبّت البنك الدولي تصنيف الأردن للعام الثاني على التوالي في شريحة الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض، بعدما تمكن من البقاء خلال الفترة الزمنية الممتدة من 2017 إلى 2022 على تصنيفه في شريحة الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع، إذ تصنّف أي دولة على أنها ذات معدل دخل متوسط منخفض إذا كان نصيب الفرد من الدخل القومي بين 1146 دولاراً و 4515 دولاراً، ويقدّر نصيب الفرد في الأردن من الناتج المحلي بنحو 4400 دولار.
وبحسب أرقام رسمية، بلغ نصيب الفرد في الأردن من الدين العام في نهاية الربع الأول من العام الجاري ما يقارب 3600 دينار (نحو 5150 دولاراً).
توازنات صعبة...
وفي حديث إلى "النهار العربي"، يؤكّد وزير الدولة السابق للشؤون الاقتصادية الدكتور يوسف منصور، ضرورة دراسة أي قرار اقتصادي قبل تنفيذه، مشيراً إلى أن "قرار رفع الحدّ الأدنى للأجور يجب أن يُدرس بعناية، مع الأخذ في الاعتبار آثاره على جميع الأطراف المعنيين، سواء العاملين، أم أصحاب العمل، أم الحكومة".
ويوضح منصور، أن رفع الحدّ الأدنى للأجور "هو مطلب عمالي تطالب به النقابات، لكن من المهم النظر إلى الآثار الاقتصادية لهذا القرار، ذلك أن نسبة التضخم في الأردن خلال السنوات الخمس الماضية بلغت 8%، وهي نسبة لا تبرّر رفع الحدّ الأدنى للأجور إلى المستويات المقترحة".
ويشير إلى أن التحدّيات الاقتصادية التي يواجهها القطاع الخاص، مثل ارتفاع أسعار الطاقة والفوائد المصرفية، تؤثر بشكل كبير على الشركات الصغيرة والمتوسطة، قائلًا: "القطاع الخاص يواجه تحدّيات كبيرة، ورفع الحدّ الأدنى للأجور في ظل هذه الظروف قد يؤدي إلى إغلاق المزيد من الشركات".
كما يحذّر منصور من أن "رفع الحدّ الأدنى للأجور سيؤثر سلباً على الفئات الأكثر ضعفاً اقتصادياً، مثل الشباب والنساء"، مشيراً إلى أن نسب البطالة مرتفعة بين هذه الفئات، وعند رفع الأجور، قد يلجأ أصحاب العمل إلى تسريح العاملين أو استغلالهم بأجور منخفضة من دون ضمانات اجتماعية أو صحية".
ويختتم منصور حديثه بالقول إن "الحكومة يجب أن تركز على تنشيط الاقتصاد ورفع معدلات النمو بدلاً من اتخاذ قرارات شعبوية سريعة قد تفاقم الأزمات الاقتصادية".
الاعتماد على بيانات دقيقة...
ومن وجهة نظر الخبير الاقتصادي المهندس موسى الساكت، فإن تحليل تأثير رفع الحدّ الأدنى للأجور على الاقتصاد الأردني يتطلب الاعتماد على بيانات دقيقة من مؤسسة الضمان الاجتماعي، مشيراً إلى أن معظم العاملين في القطاع الرسمي الأردني يتقاضون رواتب تفوق الحدّ الأدنى، إذ يتراوح راتب 22% إلى 23% من الأردنيين حول 300 دينار (نحو 430 دولاراً) أو أقل، بينما يتقاضى 60% إلى 70% منهم رواتب أعلى من 300 دينار شهرياً.
وبالنسبة الى العمالة غير الأردنية، يقول الساكت لـ"النهار العربي" إن 79% من العمال المسجلين في الضمان الاجتماعي يحصلون على رواتب تفوق الحدّ الأدنى أو تقترب منه، بينما تتجاوز رواتب 16% منهم الحدّ الأدنى فقط.
ورغم أن تعديل الحدّ الأدنى للأجور سيكون له تأثير إيجابي على تلك الفئة، إلّا أن الساكت يحذّر من أن هذا القرار يمثل تحدّياً رئيسياً للاقتصاد الأردني، خصوصاً في قطاع صناعة المحيكات الذي يعتمد بنسبة 75% على العمالة الأجنبية، فذلك سيؤثر سلباً على تنافسية هذا القطاع، الذي يصدّر حوالى 1.8 مليار دولار سنوياً إلى الولايات المتحدة.
وفي سياق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي، التي تهدف إلى زيادة صادرات المحيكات إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2033، يشير الساكت إلى أن رفع الحدّ الأدنى للأجور قد يعوق تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، موضحاً أن الشركات الصغيرة هي الأكثر عرضة لهذه التحدّيات، ما يستدعي إجراء دراسة شاملة لتقييم الأثر الاقتصادي لهذا القرار.
ورغم التحدّيات، يشدّد الساكت على أن حقوق العمال الذين يتقاضون الحدّ الأدنى للأجور تتطلّب زيادات تتناسب مع معدلات التضخم، لافتاً إلى أن اللجنة الثلاثية المسؤولة عن مراجعة الأجور، أكّدت أن التعديل المقبل سيبدأ في عام 2025 وفقاً لمعدل التضخم.