النهار

استقطاب انتخابي حادّ في إقليم كردستان ومخاوف على الاستقرار
رستم محمود
المصدر: "النهار"
استقطاب انتخابي حادّ في إقليم كردستان ومخاوف على الاستقرار
كردستان العراق (أ ف ب).
A+   A-

قبل أيام من موعد إجراء الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق يوم 20 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، تتصاعد المواجهة الخطابية والسياسية بين الحزبين السياسيين الرئيسيين في الإقليم. يتبادلان الاتهامات بالتجهز لتزوير النتائج، ويتوعدان بعضهما بعضاً سياسياً وإدارياً، ما يُهدّد بإمكان حدوث استقطاب حاد في الإقليم يسمح بتدخّلات عراقية وإقليمية. 



الحزبان الرئيسيان المتنافسان في الإقليم هما "الديموقراطي الكردستاني" الذي يتزعمه الرئيس السابق للإقليم مسعود بارزاني، ويملك نفوذاً سياسياً وإدارياً وأمنياً في محافظتي أربيل ودهوك، و"الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي أسسه الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، ويتزعمه راهناً نجله بافل الطالباني، ويسيطر سياسياً وأمنياً على محافظتي السليمانية وحلبجة.


الانتخابات الراهنة مناسبة استثنائية للمزاحمة السياسية بين الطرفين، لأنها الأولى في ظل صعود القيادة الجديدة لـ"الاتحاد الوطني الكردستاني"، وبعدما تفكّك فعلياً أقوى أحزاب المعارضة الجذرية للحزبين الرئيسيين، "حركة التغيير الكردية" (كوران)، ولأنها أيضاً الأولى بإشراف المفوضية العراقية المستقلة للانتخابات، بعد تدخّلات المحكمة الاتحادية العراقية في قانون الانتخابات في الإقليم. 



ونشر "الحزب الديموقراطي الكردستاني"، وعبر  لجنته العليا المشرفة على الانتخابات، تسجيلاً صوتياً قال إنه لمحادثة هاتفية بين بافل الطالباني وأخيه نائب رئيس وزراء الإقليم قوباد الطالباني، يتحدثان فيها عن وعود إيرانية  بترتيب الأوضاع حتى يحصل الحزب على 30 مقعداً برلمانياً على الأقل (من أصل 100). وقالت اللجنة  في بيان رسمي عقب نشرها التسجيل: "كما تعلمون، نحن في الحزب الديموقراطي الكردستاني، أعربنا عن قلقنا بشأن إجراءات العملية الانتخابية في العديد من الأماكن بعد قرارات المحكمة الاتحادية العراقية، وبالطبع كانت مخاوفنا مبنية على معلومات، لكن في ذلك الوقت لم يكن لدينا أي دليل، والآن نحن نؤكد مخاوفنا بالأدلة". 



لكن "الاتحاد الوطني الكردستاني" نفى صحة التسجيل المنسوب إلى رئيسه ونائبه، وقال المتحدث باسم لائحة الحزب في الانتخابات الحالية كاروان كزنيي في بيان رسمي: "الصوت المسجل المنشور مزوّر وغير حقيقي، والحزب الديموقراطي الكردستاني أمام هزيمة ساحقة، لذا يريد اختلاق المشكلات أمام الانتخابات... ما نُشر تمّ صنعه بواسطة الذكاء الاصطناعي، ولكنه صُنع بشكل بدائي”، مضيفاً: “نحن نتفهم أن الحزب الديموقراطي الكردستاني في وضع لا يُحسد عليه، وتنتظره هزيمة ساحقة في الانتخابات، وما فعله اليوم هو التشبث بالقشة قبل الغرق". 

وسائل إعلام مقرّبة من "الديموقراطي الكردستاني" نشرت أيضاً ما قالت إنها معلومات خاصة، تفيد بإدلاء عناصر قوات الشرطة والقوات الأمنية وعناصر البيشمركة في مناطق هيمنة "الاتحاد الوطني" بأصواتهم قبل الموعد المخصص لتصويت القوى الأمنية بخمسة أيام، عبر تسليم بطاقاتهم الانتخابية لكبار الضباط، الذين سيصوتون نيابة عنهم . 
وثمة عشرات المواد الإعلامية التي تُنشر يومياً في السياق نفسه، وتحتوي على فيض من الاتهامات المتبادلة. وقالت وسائل إعلام مُقرّبة من الحزب "الديموقراطي الكردستاني" قبل أيام، إن "مديرية مكافحة الإرهاب الكردستانية" ضبطت مصنعاً للمخدرات في منطقة دربنديخان في محافظة السليمانية يديره قادة من "الاتحاد الوطني"، وصادرت الأجهزة المستخدمة وطُنّين اثنين من حبوب الكبتاغون المخدّرة. ونقلت تلك الوسائل عن المديرية قولها: "بناءً على معلومات أمنية مسبقة، ضبطت الأجهزة الأمنية الاتحادية مصنعاً للمخدرات، بخاصة الكبتاغون، في قرية اوبار في ناحية ميدان في قضاء دربنيدخان، وتمّ ضبط الأجهزة المستخدمة في صناعة حبوب الكبتاغون وحوالى 2 طن من الحبوب".



في المقابل، صعّد "الاتحاد الوطني" خطابات قادته السياسيين أثناء الحملات الانتخابية، إذ توعد رئيسه بـ"إسقاط حُكم الديموقراطي الكردستاني"، على رغم كون حزبه شريكاً في التشكيلة الحكومية التاسعة الحالية. وصار الطالباني، خلال كل تجمع جماهيري، يعلن رفضه المشاريع الحكومية الحالية، بما في ذلك مشروع "حسابي" المالي البنكي، الذي ينظم العلاقات المالية لموظفي الإقليم، ويوجه انتقادات شخصية ومباشرة إلى رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني. 



وتوعّد قوباد الطالباني باستعادة منصب رئيس الوزراء من الحزب "الديموقراطي". وقال خلال تجمع جماهيري في ناحية خدران ضمن منطقة رابرين: "خلال السنوات الثلاث الماضية تمكن الرئيس بافل من إعادة تنظيم الاتحاد الوطني الكردستاني وكذلك مصالحة الجماهير، كما أغلق  باب التزوير أمام الحزب الديموقراطي، لذا يحدو المواطنين الأمل اليوم أكثر من أي وقت مضى بتغيير نمط الحكم". وقالت لجنة الحزب إن ملصقات مرشحيه تتعرض للتمزيق والتخريب في الكثير من المناطق، بالذات في العاصمة أربيل. 



الباحث والكاتب شورش دوشي شرح في حديث إلى "النهار" أن هذه المواجهة الصفرية، وإن كانت ضمن سياق الحملات الانتخابية، يُمكن أن تؤثر على الاستقرار السياسي والأمني في إقليم كردستان، وقال: "في المحصلة، إقليم كردستان منذ تأسيسه الأول والانتخابات البرلمانية الأولى التي أُجريت عام 1992، يقوم على نفوذ شبه متوازن بين الحزبين الرئيسيين، ولا تستطيع إلّا الصيغة التوافقية أن تحتوي ذلك التوازن في القوة والحضور والنفوذ في كل أشكال الحياة العامة ومستوياتها في الإقليم. حتى مشروع التنمية والتحديث الذي تميّز به الإقليم خلال السنوات الماضية، كان نتيجة للاتفاق الاستراتيجي بين الطرفين عام 2005". 



ورأى دوشي أن الحزبين "لا يملكان إلّا مساراً واحداً، هو التوافق في ما بينهما، لأنه طوال الانتخابات السابقة أثبتت النتائج إنه لا يُمكن لأي حزب أن يحصل على الأغلبية البرلمانية، وطبيعة النظام السياسي في الإقليم، لا تسمح إلّا بتشكيل حكومات ائتلافية. هذا غير الموانع والتوازنات العراقية، وحتى الإقليمية والدولية، وما يحصل راهناً من استقطاب سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في ما لو تطلع أي حزب إلى غير ذلك". 

 

اقرأ في النهار Premium