الطفلة زهراء بين ذراعي والدتها التي هربت مع زوجها وابنتها الثانية من لبنان إلى النجف بسبب القصف الإسرائيلي. (رويترز)
أثارت قصة نزوح آلاف اللبنانيين من الضاحية الجنوبية لبيروت ومن مناطق أخرى تتعرض للغارات الاسرائيلية إلى العراق، تلميحات مقلقة عن تهجير شيعة لبنان و"توطينهم" في أماكن معدة مسبقاً داخل العراق.
وطبقاً لإحصائيات رسمية وغير رسمية، فإن عدد النازحين من لبنان الى العراق وصل الى قرابة 10 آلاف، غالبيتهم من العائلات الشيعية، ويُتوقع أن يشهد هذا العدد ارتفاعاً في الأيام المقبلة.
وبدأ الحديث عن مشاريع التوطين منذ اندلاع حرب غزة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، اذ جرى ترويج العديد من الروايات عن توطين الفلسطينيين الفارين من حرب الإبادة الإسرائيلية، في غرب العراق (صحراء محافظة الأنبار)، لكن تلك الروايات أثارت رفضاً عراقياً شعبياً وسياسياً، قبل أن يعود الحديث مرة أخرى عن مشروع توطين جديد لشيعة لبنان في العراق أيضاً.
وخصصت الحكومة العراقية 3 مليارات دينار (نحو مليونين و291 ألف دولار) لـ"إغاثة اللاجئين اللبنانيين وتقديم الخدمات لهم". ووجه رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني بتسمية اللبنانيين الفارين من الحرب الدائرة في بلدهم إلى العراق بـ"الضيوف" وليس بـ"النازحين".
الهجرة العراقية تنفي "التوطين"
وقال المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين علي عباس جيهانكير، إن "الاشاعات التي تتحدث عن مخطط لتوطين اللبنانيين الهاربين من الحرب، مجرد مزاعم غير حقيقية، تهدف الى إرباك الوضع العام في لبنان والعراق".
ودعا جيهانكير اللبنانيين الوافدين الى العراق إلى التواصل مع وزارة الهجرة والمهجرين، بغية تسجيلهم ضمن قاعدة بيانات الوزارة، وتأمين حاجاتهم الضرورية.
وقدر جيهانكير في تصريح لـ"النهار" أعداد "الضيوف" اللبنانيين في العراق بـ"قرابة 8 آلاف"، عدا المتوجهين الى إقليم كردستان، مشيراً إلى أنهم "يتوزعون بين محافظات كربلاء، النجف، بغداد، السماوة، البصرة، ديالى وصلاح الدين".
وأضاف أن وزارته، وبالتنسيق والتعاون مع منظمات الهلال الأحمر العراقي والسوري والصليب الأحمر اللبناني، قدمت المساعدات والتسهيلات اللازمة للوافدين اللبنانيين عبر المنافذ الجوية والبرية. وأكد أن "العتبات المقدسة تكفلت إغاثة الضيوف اللبنانيين وإسكانهم".
العتبات المقدسة تتكفل المهمة
وقال مصدر من داخل العتبة العباسية إن الأخيرة خصصت أماكن في مدن الزائرين وعدداً من الفنادق في محافظة كربلاء للعائلات اللبنانية، مؤكداً أن العتبتين الحسينية والعلوية تشتركان في المهمة ذاتها، بالتنسيق مع جهات دينية في لبنان.
وأضاف المصدر في حديث لـ"النهار"، أن العتبة العباسية توفر سلات غذائية ودوائية للضيوف اللبنانيين، كما أنها قررت فتح بعض مشاريع الدور المنخفضة التكلفة المخصصة لعوائل الأيتام والشهداء العراقيين أمام العائلات اللبنانية.
المنظمات تكتفي بالتبرعات المالية
الناشطة في مجال حقوق الإنسان هناء حمود، أكدت أن عدداً من منظمات الإغاثة الإنسانية أنجزت أخيراً الحملة الأولى لجمع التبرعات المالية والإغاثية للشعب اللبناني في محنته الإنسانية.
وقالت حمود لـ"النهار"، ان العتبات الدينية تكفلت مهمة إغاثة النازحين اللبنانيين وليست هناك أي مخيمات نزوح حكومية كي تتمكن المنظمات الحقوقية من تقديم المساعدة اللازمة لهم.
وطبقاً لحمود، هناك تحالف جمعيات وحقوقيين ينظم تلك الحملات، ويستعد لإطلاق حملته الثانية لإغاثة اللبنانيين في لبنان.
الى ذلك، أعلن مدير الإعلام والاتصال في وزارة النقل العراقية ميثم الصافي، أن وزارته "أمّنت حافلاتها الخاصة بالوفود والمسافرين لنقل الوافدين اللبنانيين الى العراق عبر المنافذ الحدودية، فيما تواصل إدارة المطارات والملاحة الجوية تقديم خدماتها لهم في مطاري بغداد والنجف الدوليين".
وأضاف الصافي لـ"النهار"، أن توجيهات وزير النقل نصت على استنفار كل الجهود لخدمة الضيوف اللبنانيين في العراق، مؤكداً أن بعض التشكيلات دشنت حملات عديدة شملت جمع التبرعات المالية والإغاثة الغذائية.
حساسية أمنية عالية
وطبقاً لمصدر مطلع من داخل مطار بغداد الدولي فإن العتبات الدينية ترفض التنسيق والتعاون مع أي جهة، حتى الحكومية منها، في ملف إغاثة اللبنانيين لديها، مؤكدة أنها تتولى نقل العائلات اللبنانية من المطارات والمنافذ الحدودية حتى محافظتي كربلاء والنجف، من دون أي تنسيق أو تدخل حكومي.
وأكد المصدر في حديث لـ"النهار"، أن أي جهة حكومية لا تعرف أعداد العائلات اللبنانية الواصلة الى العراق، مؤكداً أن غالبية تلك العائلات ترتبط بعناصر "حزب الله" وقادته، وبالتالي فإن الجانب العراقي يتعامل بحذر شديد في تأمين وصولها الى أماكن استقرارها.