في 2 أيلول أحبطت السلطات التركية عملية تهريب كمية ضخمة ومتنوعة من المخدرات كانت قادمة من لبنان عن طريق سوريا. وبالرغم من إلقاء القبض على 26 شخصاً ومصادرة نحو 621 ألف حبة كبتاغون و50 كليوغراماً من الحشيش و208 غرامات من مادة الميثامفيتامين، فإن هذه الحادثة تفتح الباب مجدداً على عمليات تجارة الكبتاغون الناشطة بين الحين والآخر ومسارها من لبنان وسوريا إلى الأردن والعراق، وصولاً إلى دول الخليج وبعض الدول الأوروبية.
سبقها بأشهر إحباط أكبر عملية تهريب ملايين من أقراص مادة الكبتاغون المخدرة خلال أعوام من قبل السلطات الأردنية التي تواجه حرباً من نوع آخر عنوانها العريض "حرب الكبتاغون" بكل الابتكارات والأساليب.
ضوء أخضر
اتُخِذ القرار السياسي في ملاحقة تجارة المخدرات وتحديداً تصنيع وتصدير الكبتاغون في منطقة الشرق الأوسط. ويعتبر إقرار قانون "كبتاغون 2" أكبر دليل على اعطاء الضوء الأخضر لوقف الأموال غير الشرعية التي تُدرها هذه التجارة على دول عدة وعلى رأسها سوريا، التي تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى المُصدّر رقم واحد لهذه المادة المخدرة نحو العالم.
لم تفلح العقوبات التي فرضتها واشنطن على بعض الشخصيات في النظام السوري أو المرتبطين به من القضاء على ظاهرة تجارة الكبتاغون. ففي عام 2023، فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على اثنين من أبناء عميّ الأسد، سامر كمال الأسد ووسيم بادي الأسد، بسبب الاتجار بـ"الكبتاغون"، كما شملت العقوبات اللبنانيين نوح زعيتر وحسن دقو المعروف بــ"ملك الكبتاغون".
ولأن العقوبات شيء والواقع شيء آخر، قررت الإدارة الأميركية الانتقال من قانون "كبتاغون 1" الذي ينص على "تطوير استراتيجية لتعطيل شبكات تهريب المخدر، وبناء شراكات لإنفاذ القانون في الشرق الأوسط" إلى قانون "كبتاغون 2" الذي يعطي صلاحيات أوسع لمحاسبة مباشرة لسوريا و"حزب الله" والعشائر وكل الشبكات المرتبطة بتجارة "الكبتاغون" في المنطقة.
من دول مصنعة كسوريا والحدود اللبنانية– السورية إلى دول تعتبر محطة عبور مثل الأردن والعراق وتركيا، التي غالباً ما تستخدم لإيصال الشحنات إلى الواجهة الأساسية في الخليج العربي حيث تعتبر السعودية المستهلك الأول لهذه الحبوب المخدرة.
في شباط 2023، تأسست "خلية اتصال" مشتركة بين سوريا ولبنان والأردن والعراق بهدف كبح تجارة الكبتاغون وملاحقة المتورطين بعد أن تسببت بمشاكل دبلوماسية وسياسية في دول الجوار. لكن هذه الخلية التي رأى فيها كثيرون أنها ستكون بداية لحملة تنظيف ورفع الغطاء عن الرؤوس الكبيرة، لم تنجح في تحقيق الكثير.
لا يُخفي سعود الشرفات، وهو عميد متقاعد من المخابرات الأردنية، ومؤسس ومدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب، في حديثه لـ"النهار"، أن اللجنة الرباعية التي تشكّلت (وضمت لبنان وسوريا والأردن والعراق) لم تأتِ بأي نتائج ولا أحد يعرف أين أصبحت اليوم وبقيت الوعود حبراً على ورق. هذه الحقيقة هي نتيجة تجارب سابقة للجان مختلفة تشكلّت لقضايا مهمة، إلا أنها بقيت من دون متابعة، وهذه اللجنة الرباعية هي واحدة من هذه اللجان التي لم نعد نسمع عنها شيئاً".
عوامل متداخلة
عوامل كثيرة متداخلة تؤثر بطريقة أو بأخرى على واقع تهريب وتجارة الكبتاغون في المنطقة. وهذا ما يؤكده الشرفات في حديثه، برأيه أننا "نشهد على تداخل عوامل عدة منها اقتصادية وسياسية واجتماعية ولكن يبقى العامل السياسي الطاغي الأكبر والمتحكم الأول في هذا الملف والذي يحول دون نجاح مثل هذه المبادرات في مكافحة المخدرات.
هذا الواقع يؤكده رئيس الهيئة العربية لمكافحة المخدرات محمد عثمان بقوله إنها "لم تتوصل إلى حل ونجحت فقط في عمليات محدودة جداً وعلى رأسها شن الطيران الأردني قصفاً على بعض أوكار اكبر تجار المخدرات في سوريا وتوقفت عند هذا الحد. في حين أننا نأمل ان تستكمل هذه العمليات لتقضي على كل معاقل المخدرات الموجودة".
أما بالنسبة إلى مشروع قرار "الكبتاغون 2" فبرأي عثمان أن المسألة سياسية أمنية تخص أميركا فقط. الاهداف الأميركية في منطقة الشرق الأوسط ومن بينها "الكبتاغون 2" تظهر جلياً أن الهدف منه سياسياً وليس هدفاً اجتماعياً، خصوصاً أن الأموال التي تُدرها هذه التجارة تستخدم عادة لتمويل العمليات الإرهابية، والحرب على تجارة المخدرات تعتبر في المرتبة الثالثة على جدول الحروب في العالم بعد البترول والسلاح. نحن نتحدث عن إثراء غير مشروع الذي يفتح الباب أمام جرائم تصنيع المخدرات والتجارة بها بهدف قتل الشعوب التي لا ترضى عنها الرؤوس الكبيرة في العالم.
من جهته، يعرف الشرفات تماماً كما باقي المتابعين للملف أن الأرباح الخيالية التي تدرها تجارة المخدرات تجعل من هذه الظاهرة متمددة ومنتشرة وفي مسار تصاعدي بالرغم من كبحها في السنتين الماضيتين. ومع ذلك يقول الشرفات إن "المستفيدين من هذه التجارة هي الجهات القائمة على هذه العمليات، والإصرار الذي يرافق عمليات التهريب يظهر بشكل واضح الأرباح الناتجة من عمليات التهريب بالرغم من عمليات المكافحة الواسعة التي تقودها القوات الأردنية على الحدود السورية – الأدرنية.
وهذا يدل على أن الأثر الإيجابي الذي تحقق الجهات المستفيدة أكبر بكثير من الأثر السلبي، وهذا ما يدفع المستفيدين بالإستمرار في هذه العمليات.
وفقاً لتقرير ممول من الاتحاد الأوروبي صادر عن "مركز التحليل والبحوث العملياتية، وصلت صادرات الكبتاغون من سوريا إلى قيمة سوقية لا تقل عن 3.46 مليار دولار في عام 2020.
لا ضبط كامل للحدود
في المقابل، على الحدود السورية – الأردنية، تواصل القوات الأردنية عملياتها العسكرية لمكافحة تهريب المخدرات، والتي تعتبر أحياناً قاسية جداً، من خلال اصدار قرار إطلاق النار بهدف القتل لأي شخص يدخل إلى الأراضي الأردنية على خلاف ما كان يحصل سابقاً من تحذيرات واطلاق نار بهدف الترهيب والتحذير.
وهذا الواقع يدفع بالشرفات إلى الاعتراف بأنه "لا يوجد ضبط بنسبة مئة في المئة على الحدود، وهذا يؤثر سلباً على الأردن الذي يواجه حرباً قاسية مع تجار الكبتاغون. لا يوجد أي دولة بالعالم يمكنها الإدعاء بأنها قادرة على ضبط حدودها بالكامل، ويتمثل الخوف اليوم من الخروقات التي تحصل وعمليات التهريب الناجحة، حتى لو كانت ضئيلة، لأننا ببساطة نجهل محتوى التهريب أكانت أسلحة أو متفجرات أو كبتاغون.
ويمكن العودة إلى التهديدات الإسرائيلية الأخيرة التي اتهمت فيها الأردن بإدخال أسلحة مهربة من لبنان وسوريا إلى الحدود الأردنية، ويرى الشرفات أن "هذا الأمر مزعج جداً للطبقة السياسية والأمنية في الأردن وأثره سلبي جداً على مختلف القطاعات وعلى رأسها الأمنية".
ونتيجة ذلك، يؤكد العميد المتقاعد الأردني أنه "في ظل عدم تطور في الملف الإيراني – الأميركي، ستستمر عمليات التهريب وانما بوتيرة متقطعة والتي ترتبط بدورها بوتيرة تقدم المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران".
ابقاء القوات منشغلة
بحسب " فورين أفيرز"، بدأ انتشار تجارة الكبتاغون في العقد الأول من القرن الحالي من قبل التجار اللبنانيين والأتراك، قبل أن ينتقل الإنتاج إلى سوريا في عام 2014". في حين يقدر معهد "نيو لاينز" في واشنطن أن "ما يصل إلى 5.7 مليارات دولار حصل عليها نظام الأسد من بيع الكبتاغون في عام 2021، وهو مصدر دخل كبير لبلد يبلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي فيه حوالي 20 مليار دولار".
ويعتبر الكبتاغون، وهو التسمية التجاربة لعقار نال براءة اختراع في ألمانيا في أوائل الستينات بهدف معالجة الإضطرابات النفسية مثل نقص الانتباه والأرق، المادة المخدرة الأولى في الانتاج والاستهلاك في منطقة الشرق الأوسط. وبينما يعتبر الأردن إلى حد كبير طريق عبور إلى أكبر سوق للمخدرات، تعتبر دول الخليج الوجهة الأولى والرئيسية لهذه الحبوب المخدرة.
ويشير الشرفات إلى أن عمليات التهريب التي نجحت في خرق الحدود، والتي تعتبر محدودة جداً عادة ما تكون وجهتها الأساسية دول الخليج أي السعودية والإمارات. إلا أن ما تخفيه هذه التجارة، إلى جانب المكاسب المادية الكبيرة، يتمثل بضغط الجهات مثل إيران وسوريا على الأردن وإبقائه مشغولاً على الحدود وانهاكه، ولا يمكن إغفال هذا الجانب والإصرار على عمليات التهريب و"دبلوماسية المخدرات" فما يجري هو ضمن الاستراتيجية الأساسية المتبعة في ملف التهريب والتجارة.
خوف من "الدرون"
وعن الأساليب المبتكرة اليوم في عمليات التهريب، يُبدي الشرفات قلقه من التطور الحاصل والذي يتمثل "بالدرون، " والذي يصفه بالأخطر والأكثر رواجاً اليوم. وكلما تطورت الطيارات من دون طيار واستخداماتها ازداد التحدي أكبر، سواء من حيث الدقة وطريقة تسييرها وقدرة الحمولة... وعليه أي تطور يحصل في تقنيات "الدرون" سيضعنا أمام تحد كبير في المستقبل وحقيقة ما سنواجه.
في مقلب آخر، نعود إلى عمليات التصنيع ونقاطه الأساسية، والتي لم تعد تعتمد على مصانع كبيرة كما كانت في السابق، بعد أن شهدت مصانع عديدة عمليات دهم في لبنان وعمليات قصف في بعض المناطق السورية، بل أصبحت أساليب التصنيع تعتمد على سيارات أو فانات متنقلة وغير ثابتة، والأهم داخل منطقة متداخلة بين الحدود اللبنانية – السورية حيث تكون غير خاضعة للدولة اللبنانية كما لا تكون خاصعة للدولة السورية.
تشهد عمليات تهريب وتجارة الكبتاغون مداً وجزراً، أسباب كثيرة تتداخل لتجعل هذه التجارة نشطة حيناً وهادئة حيناَ آخر. يُعيد الشرفات أحد الأسباب إلى عامل الطقس وجغرافية المنطقة، حيث نشهد حركة نشطة للتهريب في منطقة صحراوية شديدة الحرارة في الصيف وشديدة البرودة في الشتاء. وهذا يعني أننا نشهد حركة خفيفة في عمليات التهريب في الصيف نتيجة الحرارة المرتفعة التي تصل إلى 50 درجة، بالإضافة إلى أنها قاحلة وجافة وتفتقر إلى إمكانيات الحياة، في حين نشهد حركة نشطة في الخريف والشتاء مستغلين الحواجز الطبيعية للمنطقة كالضباب والأمطار ووعورة المنطقة.
أبرز عمليات التهريب المضبوطة
- أكبر عملية منذ أعوام: أحبطت إدارة مكافحة المخدرات الأردنية في العام 2024، تهريب نحو 10 ملايين حبة كبتاغون كانت في طريقها نحو السعودية، وتقف وراءها شبكات تهريب إقليمية مرتبطة بإيران في جنوب سوريا.
- إحباط عملية تهريب مخدرات من لبنان: في 2 أيلول 2024، أحبطت السلطات التركية عملية تهريب كميات كبيرة من المخدرات قادمة من لبنان عبر سوريا. وتمت مصادرة حوالي 621 ألف حبة كبتاغون، و50 كيلوغراما من الحشيش، و208 غرامات من مادة الميثامفيتامين.
- مليون حبة مخبأة في الشمام: في آذار 2024، أحبطت السلطات السعودية محاولة تهريب أكثر من مليون حبة كبتاغون في ميناء ضباء كانت مخبأة في شحنة شمام، وذلك بإخفاء الحبوب في تجويف الثمار ثم تغليفها.
- العراق يعود إلى خريطة المخدرات: في العام 2023 صادرت السلطات العراقية رقماً قياسياً بلغ 24 مليون قرص كبتاغون يفوق وزنها 4.1 أطنان، وتقدّر قيمتها بين 84 و144 مليون دولار، بحسب سعر الجملة.
- واحدة من أكبر عمليات التهريب: نجحت الإمارات في ضبط واحدة من أكبر عمليات تهريب الكبتاجون على مستوى العالم، وإحباط تهريب أكثر من 13 طناً من الأقراص المخدرة موزعة فى 5 حاويات في عام 2023 وتفوق قيمتها السوقية 3 مليارات درهم.
- أكبر كمية جرى ضبطها: في عام 2021، اكتشفت السلطات الماليزية وجود أكثر من 95 مليون قرص كبتاغون مخبأة داخل سفينة شحن. وكانت تلك أكبر كمية جرى ضبطها إذ تبلغ قيمتها السوقية 1,2 مليار دولار، وقد جرى إرسالها عبر ماليزيا لإخفاء وجهتها الحقيقية، ألا وهي المملكة العربية السعودية.
- إيطاليا تصادر أكبر شحنة "كبتاغون" على مستوى العالم: في العام 2020 أعلنت الشرطة الإيطالية أنها صادرت كمية قياسية من الأمفيتامين تبلغ 14 طنا بشكل 84 مليون حبة كبتاغون مصدرها سوريا، وقيمتها في السوق مليار يورو (1,12 مليار دولار).