عادت محادثات وقف إطلاق النار في غزّة إلى صدارة العناوين الإخبارية، بعدما أرسلت حركة "حماس" وفداً إلى القاهرة برئاسة القيادي خليل الحيّة لبحث استئناف المفاوضات، وترحيب إسرائيل على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الذي أصدر تعليماته لرئيس "الموساد" دافيد برنياع للتوجه إلى الدوحة، وحشد الدعم للمبادرات المطروحة.
لكن لا آمال معقودة على هذه المباحثات في ظل التشكيك بالجدّية الإسرائيلية لجهة إحداث تقدّم ملحوظ، إذ إن التجارب السابقة طيلة عام ونيّف من الحرب أثبتت أن إسرائيل كانت تُناور خلال المفاوضات وتعرقل كل تقدّم يتحقق، انطلاقاً من أنها لا تُريد انتهاء الحرب قبل تحقيق مكاسب استراتيجية في غزّة وضد "حماس" تصب في صالحها وصالح نتنياهو.
عضو المجلس الثوري في حركة "فتح" والصحافي الفلسطيني محمد اللحام يصف جولة المحادثات الجديدة بـ"المسرحية"، وبرأيه، فإن نتنياهو ليس جدّياً ولا يُريد انتهاء الحرب، علماً أن قضية الأسرى لا تحتل رأس ترتيب أولوياته، لا بل على العكس، فإن نتنياهو يُريد بقاءهم في غزّة لاستخدام قضيتهم كذريعة للاستمرار في الحرب.
واسترداد إسرائيل أسراها يضغط باتجاه إنهاء الحرب كونهم حجّة استكمالها لتحقيق أهداف استراتيجية غير مُعلنة يلمح إليها سياسيون متطرفون كبتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، والتي تقوم على احتلال غزّة وبناء المستوطنات هذا ما يُشير إليه اللحام الذي يقول إن تكتيك نتنياهو يقوم على "الخداع" والإيحاء بأنّه إيجابي تجاه هذه المفاوضات ليُحقق الأهداف المذكورة ويتهرّب من المحاسبة القضائية بعد انتهاء الحرب.
ويرى اللحام في إيجابية نتنياهو "تمويهاً" يحرف من خلاله الأنظار عن التصعيد مع إيران، بعدما توافرت كل المؤشرات التي تشي باقتراب موعد الرد، وهي وصول نظام الدفاعات الجوية الأميركية "ثاد" إلى إسرائيل، زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن، انتهاء فترة الأعياد اليهودية، وإعلان إسرائيل شبه انتهاء العمليات في غزّة.
إلى ذلك، كان السؤال عن سبب إيجابية نتنياهو قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، مع العلم أن أي تهدئة أو وقف لإطلاق النار في غزّة سيُسجّل كإنجاز لصالح الإدارة الديموقراطية التي لا يريد نتنياهو فوزها بولاية جديدة، لكن في هذا السياق، يرى اللحام أن المعادلة معكوسة، فإسرائيل كيان "وظيفي" للولايات المتحدة، وهذه الجزئية لا تؤثّر على الانتخابات الأميركية.
وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن قضية غزّة وحربها لا تحتل مراتب متقدّمة عند الناخب الأميركي لتقرير مرشّحه، والكثير من القضايا تسبقها، كالاقتصاد والهجرة والإجهاض، وبالتالي فإن موقف نتنياهو الحالي من المفاوضات لا يؤثّر سلباً أو إيجاباً، وفق ما يقول مراقبون.
ومع العلم أن "حماس" اختبرت تكتيكات إسرائيل في المفاوضات ومراوغاتها، كون كل المحادثات السابقة وأطر الاتفاقات التي طُرحت ووافقت عليها الحركة عرقل خواتيمها نتنياهو، فإن السؤال عن سبب استمرار الحركة بالقبول بمحادثات تحقق لتل أبيب مبتغاها في المماطلة وحرف الأنظار، مطروح أيضاً.
يعزو اللحام مشاركة "حماس" في كل المحادثات إلى ظروف موضعية تحكم مواقف الحركة التي باتت أمام خيارات محدودة وتُريد وقفاً لإطلاق النار، كما تلعب الإرادة الخارجية دوراً في هذا السياق، فالتأثير القطري والتركي كبير على "حماس"، ومصر صاحبة أدوار إقليمية تاريخية مرتبطة بالقضية الفلسطينية. ومع العلم أنّ لقطر ومصر دوراً محورياً في المفاوضات، فإن "حماس" محكومة بهذا الخيار.
في المحصّلة، لا خروقات جدّية مرتقبة بعد جولة محادثات جديدة منتظرة لوقف إطلاق النار، بل تمويه ومراوغة تكسب فيهما إسرائيل بعض الوقت الإضافي للاستمرار بحربها وتطبيق مشاريعها الاستراتيجية في غزّة، وحرف الأنظار عن تصعيد مقلق للأمن الإقليمي لا ترغب به القوى العالمية.