النهار

رحلة الهروب إلى "هرمجدون"... أين منها اليمين المتطرف؟
تطرق "هرمجدون" أبواب التاريخ الحديث مثل فعل قنبلة نووية موقوتة. تفعّل تارة في شرق أوروبا، ثم تظهر في شرق آسيا وأخيراً تلوح بهيئة "شبح الموت" في أفق الشرق الأوسط، مهدّدة بنسف معالم منطقة بأكملها. فهل تكون بالفعل المعركة الأخيرة؟
رحلة الهروب إلى "هرمجدون"... أين منها اليمين المتطرف؟
تعبيرية
A+   A-

تطرق "هرمجدون" أبواب التاريخ الحديث مثل فعل قنبلة نووية موقوتة. تفعّل تارة في شرق أوروبا، ثم تظهر في شرق آسيا وأخيراً تلوح بهيئة "شبح الموت" في أفق الشرق الأوسط، مهدّدة بنسف معالم منطقة بأكملها. فهل تكون بالفعل المعركة الأخيرة؟

تكاد تجمع الأديان الابراهيمية الثلاثة أن ثمة معركة بين الأخيار والأشرار في نهاية الزمان. تختلف التفاصيل لكن السلام يسود في المحصلة، خلافاً لما تعتقد به فئة متشدّدة من اليهود بضرورة سفك أكبر قدر من الدماء في الأرض، وإن استدعت الحاجة لاستخدام النووي في سبيل بلوغ يوم القيامة المنتظر (لدى تلك الفئة تحديداً) بأسرع وقت، والذي في اعتقادها يقضي على "الأشرار" في وادي الموت (من أعلى جبل مجدو شمالي فلسطين)  وينصّب أتباعها أسياد الأرض. من تلك الفئة؟ وما حجم أتباعها؟ وما مدى ارتباطها بمجازر الإبادة في غزة وكل الدماء المسفوكة في لبنان؟ إليكم الحكاية.

"هرمجدون"


تعتقد فئة متشدّدة من اليهود أنّه في آخر الزمان، ووفقاً لما جاء في سفر الرؤيا، تتجمع جيوش الأرض على جبل مجدو (وسط إسرائيل) حيث تندلع معركة تُسفك فيها الدماء والأرواح مثل جريان الأنهر. وتقع مجدو على الطريق التجاري القديم بين مصر وبلاد ما بين النهرين (العراق وسوريا حالياً)، وكانت موقعاً لعدد من المعارك، وورد ذكرها في العهد القديم. إلّا أن المفارقة أن ليس في تلك المدينة جبالاً، وإنما "تل مجدو" الذي يرتفع نحو 20 متراً عن الأرض، وشيّدته تلك الفئة المتشدّدة لاستقطاب السياح ممن يؤمنون بنشوب حرب نهاية الزمان. ووفقاً لصحيفة "تلغراف" البريطانية، باتت تلك النقطة مهجورة واختفت مظاهر السياحة وأصبح الزوار يخشون القدوم خوفاً من تزامنها مع نشوب المعركة الأخيرة.

من يؤمن بها؟

جمعت غرفة قيادة الاستعداد للمعركة الكبرى "هرمجدون" أسماء وازنة من السياسيين على مرّ عقود، وفق الفيلم الوثائقي "صلاة من أجل هرمجدون" للمخرجة النرويجية تونيه هسن شي، والتي تنقل من خلال شهادات رهبان وناشطين في "تجمّع المسيحيين من أجل إسرائيل"، الدور الذي لعبه اليمين السياسي في المجتمع الأميركي لجهة الترويج لخطاب "حرب يوم القيامة"، وبالتالي ضرورة دعم إسرائيل للحاق بركب "سفينة نوح جديدة".

وتكشف المخرجة من خلال عرض مقاطع من مواعظ التجمع الأميركي المذكور ، أنه كان بين أنصار هذا الفريق كل من الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون الذي حكم الولايات المتحدة عام 1969، وكان معروفاً بانتمائه لأسرة متدينة. تبعه رؤساء أميركا رونالد ريغان وجورج بوش الإبن وربما دونالد ترامب. 

وفي كتاب الصحافي الفرنسي جان كلود موريس "لو كرّرت ذلك على مسامعي فلن أصدقه"، ينقل محادثة بين الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك: "أخبرني شيراك أنه تلقّى ذات يوم  مكالمة هاتفية من بوش الإبن مطلع عام 2003،  يطلب منه الموافقة على ضمّ الجيش الفرنسي للقوات المتحالفة ضدّ العراق، مبرراً ذلك بتدمير آخر أوكار "يأجوج ومأجوج"، مدّعياً أنهما مختبئان الآن في الشرق الأوسط، إما في محيط مدينة بابل القديمة أو في محيط قطاع غزة. وأصرّ بوش الإبن على الاشتراك معه في الحملة الإيمانية المباركة، ومؤازرته في تنفيذ الواجب الإلهي المقدّس الذي أكّدت عليه نبوءات التوراة والإنجيل". ويضيف شيراك من خلال مقابلة مسجّلة مع الصحافي الذي كان مراسلاً في حينها لصحيفة "لو جورنال دو ديمانش": "هذه ليست مزحة، فقد كنت متحيراً جداً بعد أن صعقتني هذه المرويات التي يؤمن بها رئيس أعظم دولة في العالم، والتي من شأنها أن تحرق الشرق الأوسط وتدمّر مهد الحضارات الإنسانية".


الصحافي نفسه يخلص في كتابه إلى النتيجة الآتية: "حروب المستقبل المدمّرة ستكون وراءها هرمجدون، وشرارتها إدراج مصطلحات بينها "الحرب الشاملة" و"القضاء على محور الشر" و"بؤر الكراهية" و"قوى الظلام" و"فرسان المعبد".

نتنياهو على رأس الجبل

يحذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ايهود أولمرت من النتائج العقيمة لإيمان حكومة بنيامين نتنياهو بأن الحرب المندلعة في غزة ولبنان هي "هرمجدون"، ولاسيما لجهة الدور الخطير الذي يلعبه كل من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش واليميني اتمار بن غفير . يقول في مقابلة نُشرت في آذار (مارس) الفائت: " نتنياهو يقفز في الظلام إلى حفرة يوم القيامة. نحن بحاجة إلى أن نعرف نهاية هذه الحرب والرؤية التي قد تكون لدى إسرائيل للمستقبل. علينا إعادة بناء فكرة الدولة من جديد لأننا لا نريد لهذا الجيل الشاب، أحفادي، أن يعتقدوا أن المستقبل لا يمكن أن يكون سوى مستقبل حروب".

الهروب إلى حروب مدمّرة


في عبث نتنياهو بعقارب الساعة، خوفاً من الملاحقة القانونية، يهرب إلى حرائق "هرمجدون" بكثير من سفك الدماء في غزة ولبنان. ولا يفوته أمام الكونغرس الأميركي أن يسترجع حكاية هامان: " في تاريخنا الذي يبلغ قرابة 4000 عام، حاول كثيرون مراراً وتكراراً تدمير الشعب اليهودي. غدًا في المساء، في عيد المساخر اليهودي، سنقرأ كتاب أستير. سنقرأ عن نائب فارسي قوي يدعى هامان الذي خطط لتدمير الشعب اليهودي قبل حوالي 2500 عام. لكن امرأة يهودية شجاعة، الملكة أستير، كشفت المؤامرة وحصلت للشعب اليهودي على الحق في الدفاع عن نفسه ضدّ أعدائه. تمّ إحباط المؤامرة. تمّ إنقاذ شعبنا. يواجه الشعب اليهودي اليوم محاولة أخرى من قبل حاكم فارسي آخر لتدميرنا".

"نووي"


في نبش أوراق حرب هرمجدون من وجهة نظر اليمين المتطرف، يمكن فهم أبعاد ما نادى به وزير الآثار الإسرائيلي عميحاي بن إلياهو بشأن: "إلقاء قنبلة نووية على غزة"، ذلك أن والد الأخير هو الحاخام شموئيل إلياهو، من اليهود الشرقيين "السفرديم" المشبع بالأفكار الدينية المتطرفة. وهو من المنظّرين لحرب الـ"هرمجدون" ونهاية العالم، ولن يحدث ذلك إلّا بـ"أنهر من الدماء تُسفك في محيط جبل مجدو".

ناخبو أميركا

بالعودة إلى وثائقي المخرجة النرويجية شي، يقول رجل دين أميركي: "هناك 100 مليون في الولايات المتحدة، يمثلون ما يقرب من 30 في المئة من مجموع الناخبين يؤمنون بهرمجدون . وتشمل هذه الشخصيات البارزة القس المعمداني روبرت جيمس جيفريس الإبن، الذي كان مستشاراً خاصاً لترامب، وتحدث عن العدّ التنازلي لنهاية العالم وكيف أن نهاية العالم ليست شيئاً مخيفاً. وهناك جنرالات الجيش مثل جيري بويكين، الذين زعموا علناً أن يسوع سيعود ببندقية AR-15، إلى جانب النفوذ الهائل لشخصيات مثل جون هاجي وعضويته التي يبلغ عددها 10 ملايين في منظمة المسيحيين المتحدين من أجل إسرائيل".

تقول شي: "كان ترامب يعلم أن نقل السفارة الأميركية إلى القدس يُنظر إليه على أنه عمل حربي من قبل الشعب الفلسطيني. الفيلم ليس معادياً للدين أو لإسرائيل. بل هو فيلم مؤيد للديموقراطية. أعتقد أن من المهم بالنسبة لنا أن ننظر بجدّية إلى الأصوليين الذين يتمتعون الآن بنفوذ سياسي حقيقي وأن نسأل: هل هذا ما نريده؟".










  

اقرأ في النهار Premium