حقل نفط في كردستان
تزداد المؤشرات لاقتراب تصدير نفط إقليم كردستان العراق عبر ميناء جيهان التركي في وقت قريب، بفضل التغييرات في جدول الموازنة العراقية العامة، والتفاهمات السياسية والاقتصادية بين الحكومة الاتحادية ونظيرتها الكردية، وإعلان الشركات العاملة في هذا القطاع استعدادها للعمل المكثف خلال الأسابيع المقبلة.
وأعلن كمال صالح، وزير الثروات الطبيعية في حكومة كردستان بالوكالة، رسمياً عن استعدادات تتخذها حكومته، تذهب إلى الاعتقاد بأن بداية العام المقبل ستكون موعداً لتصدير نفط الإقليم عبر ميناء جيهان التركي.
وأوضح الوزير أن الحكومتين الاتحادية والإقليمية وقعتا في الفترة الماضية عدداً من الاتفاقيات الثنائية لتصدير النفط، لكن بنود الموازنة العامة العراقية كانت تحول دون ذلك، ليتم حالياً تجاوز هذه العقدة بتعديل بنود الموازنة الاتحادية.
وبحسب معلومات تفصيلية اطلعت عليها "النهار"، اتفق الطرفان على تعديل الفقرة الثانية من البند 12 من الموازنة العامة العراقية، "لتستطيع حكومة بغداد رفع قيمة إنتاج النفط المستخرج من حقول إقليم كردستان من 6 دولارات إلى 16 دولاراً للبرميل الواحد، تدفعها الحكومة الاتحادية لكل شركة عاملة في حقول الإقليم، على أن ترفعه مستقبلاً إلى 20.6 دولاراً للبرميل".
لكن الاتفاق الثنائي ينص أيضاً على تدقيق شركات محاسبة ومراقبة عالمية ومحايدة في كل تفاصيل عمليات الإنتاج والاستخراج، على أن تُقدم تقارير وافية خلال مدة لا تتجاوز 60 يوماً، وأن يكون تقريرها مرجعاً لتحديد تكلفة الإنتاج التي ستدفعها الحكومة الاتحادية للشركات العاملة في الإقليم.
"غير شرعي"
وكانت الأزمة قد اندلعت في آذار (مارس) 2023، حين أقرت محكمة التحكيم التجاري العالمية، ومقرها في العاصمة الفرنسية باريس، بأن تصدير حكومة إقليم كردستان النفط من دون الرجوع إلى الحكومة الاتحادية أمر "غير شرعي"، ما أوقف عمليات التصدير. وغرقت الحكومتان الاتحادية والإقليمية في تفصيل مدى قبول الاتحادية بالاتفاقات التي وقعها إقليم كردستان مع الشركات العالمية العاملة في الإقليم، متهمة هذه الاتفاقات بعدم تلبية الشروط التي تضعها الحكومة الاتحادية. وأفقد توقف النفط منذ ذلك الوقت الموازنة العامة العراقية نحو 20 مليار دولار، لأن مُعدل تصدير نفط الإقليم كان بحدود 15 مليون برميل شهرياً، تقارب قيمتها مليار دولار، وهو ما توقف أكثر من 20 شهراً.
وأعلنت جمعية الصناعة النفطية في إقليم كردستان "أيبكور" ترحيبها بالتوافقات المالية - السياسية بين الطرفين، معتبرة في بيان رسمي أن "هذا المقترح يشكل فرصة لتلبية مطالبنا، وضمان سداد مستحقات صادرات النفط السابقة والمستقبلية عبر خط أنابيب العراق وتركيا"، ومؤكدة استعدادها إجراء مناقشات إيجابية مع المسؤولين في الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان، لمعرفة التفاصيل الرئيسية والنهائية المتعلقة بالاتفاقيات المكتوبة، قبل استئناف تصدير النفط.
في الأسبوع الماضي، زار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إقليم كردستان لإجراء محادثات مع كل المسؤولين والقادة السياسيين في الإقليم. وقالت مصادر إن المحادثات تركزت على هذا الملف الذي يريده السوداني رافعة مالية وسياسية لحكومته، ورداً غير مباشر على الضغوط التي يتعرض لها من قوى "الإطار التنسيقي" الشيعية التي لا تريد له أن يتحول إلى قطب سياسي داخل البلاد، متحالفاً مع قوى سياسية تتجاوز الحلقات الطائفية والقومية في العراق.
تراجع نفوذ طهران
يقول الباحث والكاتب شفان رسول لـ "النهار" إن هذا الأمر يسمى "التناغم الإيجابي بين الحكومتين الاتحادية والإقليمية، خلافاً لحالة الاستقطاب التي تسود أجواء القوى السياسية".
ويضيف: "منذ تجاوز حكومة السوداني ما يُمكن تسميته مطرقة البرلمان، بعد إقرار الموازنة العامة لثلاث سنوات، وهو ما يعني فعلياً عدم قدرة أحزاب الإطار التنسيقي على ضبط سعيه إلى التعامل الإيجابي مع إقليم كردستان، خصوصاً بعد قرار المحكمة الاتحادية دفع رواتب موظفي الإقليم بغض النظر عن الخلافات بين القوى السياسية، فإن السوداني وفريقه الحكومي تصرفوا إيجابياً في الملفات العالقة، وهذا أمر يتجاوز الحسابات الاقتصادية، وإن كانت مهمة، لكنها ذات بُعد سياسي أولاً".
وبحسب رسول، في العراق اليوم تناغم بين السوداني والتيار الصدري والأحزاب الكردية وزعيم حزب السيادة خميس الخنجر، "فهذه القوى تستشعر إمكاناً واضحاً لتراجع النفوذ الإيراني في العراق، وتالياً تحجيم قوى الإطار التنسيقي الشيعية التقليدية المقربة من طهران، والمتحالفة راهناً مع زعيم حزب تقدم محمد الحلبوسي".
ويختم: "يبدو نفط كردستان، الذي كان ملفاً معقداً ومرتبطاً بأجندات وتوافقات إقليمية كبرى، قابلاً للحلحلة والتفكيك ضمن هذا المسار السياسي، وهذا ما يحدث فعلياً في العراق راهناً".