انتهت قمة العشرين التي استضافتها مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل، ومنها توجه يوم الخميس الماضي الرئيس الصيني شي جينبينغ مباشرة إلى المغرب، حيث كان في استقباله ولي العهد الأمير مولاي الحسن في مطار محمد الخامس الدولي في الدار البيضاء.
زيارة الرئيس الصيني إلى المغرب وعلى الرغم من أنها كانت قصيرة، لكنها تعكس روابط الصداقة والتعاون بين الدولتين، لاسيما في السنوات الماضية مع تكثيف بكين لاستثماراتها في قطاع البنية التحتية وسكك الحديد.
ومن المهم الإشارة إلى أن المغرب، الذي يحتل موقعاً جغرافياً استراتيجياً مهمّاً، يشكّل صلة وصل بين القارات الثلاث أميركا وأفريقيا وأوروبا. وبالتالي يشكل نقطة جذب للمستثمرين من حول العالم.
وبناء على ذلك، وبفضل موقعه الجغرافي واتفاقياته للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، جرى تشييد معمل لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية بالتعاون مع الصين، وتحديداً "جوشن هاي تك" بتكلفة إجمالية تبلغ 1.3 مليار دولار.
وخلال الزيارة الأولى من نوعها أكّد شي على رغبة بلاده في تعزيز التعاون المشترك في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، وبالتالي تطوير الشراكة الإستراتيجية الثنائية، ما يعكس اهتمام الرباط بجذب المزيد من الاستثمارات الصينية لتعزيز التنمية الاقتصادية في البلاد.
في هذا السياق، يقول المحلل السياسي والاقتصادي المغربي الدكتور إدريس عيسوي، إنّ "المملكة المغربية منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني ومع الملك محمد السادس اختارت تطوير العلاقات الجيوسياسية مع الصين، ومع أن المغرب ليس دولة شيوعية لكن هذا لا يمنع من التعاون والتعامل بشكل قويم مع الصين الشعبية".
ويضيف الباحث المغربي في حديثه مع "النهار" أن حضور الرئيس الصيني شكل حدثاً مهماً بالنسبة إلى المغاربة خصوصاً أنّ "عدداً منهم يتعامل مع الصين عبر غرف التجارة والصناعة. وهم كذلك من الفاعلين الاقتصاديين ويسافرون الى الصين نظراً لكونها طورت سلعاً مهمة على مستويات عدة".
وكانت وكالة "بلومبيرغ" قد كشفت أن شركة "تشجيانغ هايليانغ" الصينية، المنتجة لأنابيب وقضبان النحاس، لديها خطط لبناء مصنع جديد في المغرب باستثمار يقدر بـ 288 مليون دولار لإنتاج مواد طاقة جديدة تشمل رقائق بطاريات الليثيوم، استجابة للطلب العالمي المتزايد.
ويشير في هذا السياق وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى أن "الشراكة الإستراتيجية بين البلدين أثمرت نتائج ملموسة من خلال تضاعف حجم الاستثمار الصيني 5 مرات بين الأعوام 2016 و 2023، بينما تضاعف حجم التبادل التجاري مرتين في الفترة نفسها".
الدكتور عيسوي، يشرح في هذا الإطار أن "الحلقة المباشرة مع الصين جاءت في إطار العلاقة المميزة التي تحاول أن تكون في الصدارة وتنويع شركائها. فهناك علاقة مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والمغرب لا يُبعد نفسه عن أيّ إمكانية لجعل اقتصاده قادراً على التعامل مع هذه الدول كافة". ويتابع في حديثه لـ"النهار" أن هذا الانفتاح "أعطى الاقتصاد المغربي انفتاحاً أكبر على مستوى المشرق العربي وأوروبا، خصوصاً وأن المملكة تتمتع بشراكة مهمة وخاصة مع الاتحاد الأوروبي".
شراكة عابرة للأطلسي
العلاقة المميزة مع الصين، لا تمنع المغرب من أن تكون لديه علاقات أكثر تميّزاً مع الولايات المتحدة الأميركية، وهنا يُمكن الإشارة إلى أن المغرب بات قبلة للإنتاج السينمائي العالمي وأقام بالفعل مشاريع ضخمة لتصوير كل أنواع الأفلام.
أكثر من ذلك، هناك برامج تنموية مهمة مع الولايات المتحدة "تؤمن الرساميل التي وضعت رهن اشارة المملكة المغربية من خلال millennium challenge corporation وهي مؤسسة وضعت بتصرف المغرب ما يقارب من 470 مليون دولار وكانت كافية لحل عدد من المشاكل" بحسب ما يؤكد عيسوي، الذي ينوّه إلى نقطة أخرى تعكس عمق هذه العلاقة مع واشنطن من خلال الاشارة إلى "أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب كانت له الجرأة لأن يعترف بمغربية الأقاليم الصحراوية وهذه مسألة مهمة".
ويعود بالتاريخ إلى زمن استقلال الولايات المتحدة الأميركية، ويقول إن "المملكة كانت من أوائل الدول في العالم التي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة، والأميركيون يعترفون بذلك".
المغرب بوابة أفريقيا
بين حزيران (يونيو) 2020، وأيلول (سبتمبر) 2021 أعلنت كل من الشركة الفرنسية "سيتروين" تصنيع أول سيارة كهربائية بمصنعها في مدينة القنيطرة المغربية، كما أعلنت شركة "رينو" إنتاج أول سيارة من هذا النوع في مصنع طنجة.
وأعلن رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش أن بلاده تتقدم الدول الأفريقية في إنتاج السيارات بتصدير 700 ألف سيارة سنويا لأكثر من 70 دولة، بعائدات تجاوزت 11.5 مليار دولار حتى تشرين الأول (أكتوبر) 2024.
والمغرب الذي يحظى بعلاقات جيدة جداً مع الدول الأفريقية ويسعى لاتمام مشروع نقل الغاز إلى أوروبا، مهر هذه العلاقة مع القارة السمراء بعدد من الاتفاقيات. وهنا يشرح الباحث المغربي إدريس عيسوي أن المغرب استطاع أن يكرّس نفسه على المستوى الإستراتيجي، و"الصين اليوم من الفاعلين بالقارة الأفريقية وتوفر المملكة المغربية حضوراً مهماً جداً في القارة من خلال الدولة والملك محمد السادس الذي وقّع أكثر من ألف اتفاقية تعاون مع الدول الأفريقية، وبالتالي المغرب هو باب مفتوح على أفريقيا بكلّ أريحية".
رواج اللغة الصينية
المملكة المغربية من بين الدول التي تُعلّم الصينية على مستوى كليات الآداب في عدد من المدن المغربية مثل الرباط في الدار البيضاء وغيرها، بحسب المحلل السياسي والاقتصادي المغربي الدكتور إدريس عيسوي.
ويقول لـ"النهار" إن المملكة إضافة إلى تطوير مراكز تعلّم اللغة الصينية، أرسلت عدداً من الطلاب للالتحاق بالجامعات الصينية للدراسة، وأخذوا درجات عالية في التكوين الأكاديمي.