يسود في الجزائر نقاش مُحتدم حول الارتفاع "الجنوني" و"غير المسبوق" في سعر اليورو في السوق الموازية، حيث تخطت قيمة العملة الأوروبية الموحدة 260 ديناراً في ساحة بور سعيد، وسط العاصمة الجزائرية والمعروفة بـ "السكوار"، وهُو ما أثار تساؤلات عميقة حول الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا الارتفاع المفاجئ والندرة الحادة في العملة الصعبة والحلول الناجعة الممكن اتخاذها لتجاوز هذه المرحلة التي ستكون لها تداعيات سلبية.
ما القصة؟
يلفت الباحث الجزائري في مجال المصارف والاقتصاد الإسلامي الدكتور سليمان ناصر إلى أن هناك أسباباً عدة للارتفاع الحاد في سعر اليورو، ولتعقيدات سوق الصرف، أهمها "قضية العرض والطلب. ففي ظل ندرة العملة الصعبة في البنوك بالسعر الرسمي، وفي ظل منحة سياحية هزيلة، ومع تزايد استيراد السيارات لأقل من 3 سنوات بالأموال الصعبة، في مقابل ندرة حادة في السيارات الجديدة وغلاء المستعملة، يصبح من الطبيعي أن يكون هناك طلب مستمر مقابل عرض محدود".
لكن الأمر الذي رفع الطلب فوق كل هذه العوامل، وفق ناصر، هو "إشاعة حذف الصفر من فئة 10 دج، أي تحويل 10 دج إلى 1 دج، وهو ما يسمّى علمياً بـ "تصفير العملة". وقد لجأ العديد من الدول إلى هذه السياسية للخروج من مأزق ما كإيران وفنزويلا وتركيا والأرجنتين والبرازيل. ويرجّح ناصر أن "هذه الإشاعة جعلت بارونات السوق السوداء للعملة أو حتى كبار التجار والمتعاملين الاقتصاديين الذين يُخزنون مبالغ كبيرة من العملة الوطنية يلجأون إلى إخراجها، ثم تحويلها إلى عملة صعبة (خاصة اليورو) لسببين رئيسيين: الأول يتعلق بالاعتقاد السائد بأن تغيير العملة وطباعتها من جديد سيؤديان إلى تدهور أكبر في قيمة العملة المحلية (الدينار)، فيما الذين يمتلكون مبالغ مالية كبيرة مجبرون على التخلص منها بالبيع حتى لا يتعرضوا إلى المساءلة (من أين لك هذا؟) عند دفع العملة القديمة لدى البنك لتحويلها إلى العملة الجديدة".
ما المطلوب اليوم؟
يجمعُ خبراء في الاقتصاد والجباية على أنه لا مناص أمام الجهات الرسمية (البنك المركزي ووزارة المالية) سوى تسريع اعتماد مكاتب الصرف باعتبارها خطوة ضرورية لكبح جماح السوق الموازية وتلبية احتياجات جميع المتعاملين من العملة الصعبة. ويشدّد ناصر في هذا المضمار على ضرورة "تحرير سوق الصرف، والإسراع في فتح مكاتب الصرف، لا سيما بعد صدور المرسوم التنفيذي الذي ينظمها؛ وهو ما صرّح به سابقاً وزير المالية، إذ قال إنه في صدد دراسة طلبات فتح المكاتب، مع ضرورة تصحيح الأخطاء التي وقعت مع هذه المكاتب في التسعينيات من القرن الماضي، مع ضرورة تدخّل عاجل من السلطات المعنية لتأكيد الإشاعة المذكورة سابقاً، أو تفنيدها، حتى لا تضرّ السوق أكثر، لأن هذه الإشاعة أدّت وستزيد من اتساع الهوة بين السعر الرسمي في البنوك وسعر السوق السوداء للعملة الوطنية، وهو ما لا يصبّ في مصلحة الاقتصاد الوطني إطلاقاً؛ ويكفي أنه يعطي مؤشراً أسود عن الاقتصاد الوطني أمام المستثمر الأجنبي الذي نسعى إلى استقطابه، إضافة إلى تداعيات سلبية كثيرة".
ويُؤيده في هذا الطرح الخبير في الجباية محمد حمران، الذي يشدد لـ "النهار" على "ضرورة الإسراع في فتح المكاتب المعتمدة لبيع العملات الصعبة بهدف الإسراع في إصلاح المنظومة المصرفية، لا سيما في ظل الطلب المتزايد عليها بالموازاة مع تسجيل ندرة حادة فيها".
ما الذي يعيق فتح هذه القنوات الرسمية؟
تربط السلطات الرسمية في البلاد مسألة التخلص من سوق الصرف غير الرسمية بـ"التوجه نحو التحرير الكلي للدينار الجزائري، الذي يفسح للجميع مجال استبدال العملة المحلية بحرية تامة". لكنها ترى أن هذا الحل ستكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد المحلي، وهو ما ورد في ردّ وزير المالية الجزائري لعزيز فايد على مساءلة برلمانية مكتوبة، قال فيها إن "التحرير الكلي للدينار سيطرح مشاكل كبيرة للاقتصاد الوطني وحتى لسير سياسة الصرف؛ فالظروف الحالية، وطبيعة الاقتصاد الوطني، لا تتيح اعتماده"، ومن بين التداعيات التي استعرضها الوزير "هروب رؤوس الأموال، وبالتالي انخفاض احتياطات الصرف".