اتخذ إقليم كردستان مجموعة من الإجراءات الاحترازية بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل، وكشف مصدر سياسي كردي لـ"النهار" عن إصرار الإقليم على البقاء على الحياد في هذا الصراع الإقليمي، رافضاً التحوّل إلى ساحة لأذية الجيران، أو مكاناً لتصفية الحسابات الأمنية والعسكرية.
سلطات الطيران المدني في إقليم كردستان أعلنت إيقاف كل الرحلات إلى مطار أربيل، وأجّلت عشرات الرحلات التي كان من المفترض أن تنطلق أو تصل إلى الإقليم يومي الثلاثاء والأربعاء، فيما التزم الإقليم الإجراء الذي أعلنه وزير النقل العراقي رزاق السعداوي بإغلاق الأجواء العراقية، تزامناً مع انطلاق الهجمات الإيرانية.
في وقت لاحق من أمس الأربعاء، أعلن مدير مطار أربيل الدولي أحمد هوشيار فتح المجال الجوي في إقليم كردستان، منتظراً موافقات سلطات الطيران العراقية الاتحادية لاستئناف انطلاق الرحلات إلى الإقليم ومنه، فيما نقلت وكالة "رويترز" للأنباء عن شركة لوفتهانزا الألمانية إيقاف كل رحلاتها إلى مطار أربيل حتى إشعار آخر.
مصدر سياسي رفيع في إقليم كردستان قال، في حديث لـ"النهار"، إن الإقليم لا يود أن يكون جزءاً من أي محاور أو جهات في الصراع الإقليمي الحالي، وهو يتمتع بعلاقات حسنة واستراتيجية مع كل من إيران والولايات المتحدة، وأي مواجهة بينهما ستزيد من الضغوط على الإقليم الذي يرى في نفسه مركزاً إقليمياً وكياناً سياسياً يسعى للعيش في أكثر الظروف الإقليمية هدوءاً، بغية متابعة مشروعه التنموي الاستراتيجي.
وطوال عام كامل مضى على اندلاع المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحركة "حماس" في غزة، ومن بعدها مع "حزب الله"، حرص الإقليم على الدعوة إلى الهدوء والتزام القرارات الدولية واحترام حقوق الإنسان، من دون أن يعتبر نفسه جهة منخرطة في الصراع، متبايناً مع العديد من القوى السياسية والفصائل المسلحة العراقية التي أعلنت تأييدها لحركة "حماس" و"حزب الله".
وتقوم رؤية كردستان الاستراتيجية للمشهد السياسي والعسكري الإقليمي، كما يطرحها الزعماء السياسيون الأكراد على نظرائهم العراقيين أثناء اجتماعات قوى "إطار إدارة الدولة"، على ضرورة بقاء العراق مؤيداً للقضية الفلسطينية سياسياً وإنسانياً وقانونياً، من دون أن ينخرط في مواجهات مسلحة مع الدول والمحاور الإقليمية والعالمية، لأن ذلك قد يكون ذا تأثيرات كارثية على العراق واستقراره الداخلي، خصوصاً أن النظام السياسي في العراق قائم على أساس المكونات والتوافقية، ولا يمكن لأي تيار سياسي أو فصيل مسلح أن يحدد استراتيجيته الدفاعية أو موقعه الإقليمي، خصوصاً أثناء الصراعات المسلحة.
كانت رئاسة إقليم كردستان قد عزت باغتيال أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله على رغم الحساسية الشخصية تجاهه، بعد اتهامه زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني مسعود بارزاني بـ"الرعب" من مواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي عام 2014. وقالت رئاسة الإقليم في بيان رسمي: "نعبر عن قلقنا البالغ إزاء التطورات العسكرية المتسارعة التي تشهدها المنطقة، بما في ذلك استهداف السيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله اللبناني ورفاقه. نقدم تعازينا لعوائل الشهداء ومقربيهم، ونتضامن معهم في هذه الأوقات العصيبة".
وكان الحرس الثوري الإيراني، في أوائل السنة الجارية، استهدف إقليم كردستان بصواريخ بالستية دمرت منزل رجل الأعمال الكردي بيشرو دزيي، لكن الحرس الثوري قال إنه هاجم "مراكز تجسس وتجمعات لجماعات إرهابية مناهضة لإيران" في المدينة، وهو ما رفضه إقليم كردستان تماماً، ونفته لجنة التحقيق التي شكلها مجلس الأمن القومي العراقي.
الباحث المختص في الشؤون الأمنية جبار الراوي شرح، في حديث لـ"النهار"، أن الحياد الأمني والعسكري الذي يسعى إقليم كردستان لتحقيقه يحتاج للكثير من الجهد السياسي والدبلوماسي، ممزوجاً بتفهم ثنائي أميركي - إيراني لدور الإقليم ومكانته، وهي ظروف صعبة للغاية، لا تساعد المناخات العراقية على تحقيقها.
وأضاف الراوي: "يمكننا فهم القلق الاستراتيجي للإقليم بناءً على ثلاثة مؤثرات سياسية وأمنية عليه: فهو أولاً كيان على الحدود مع إيران، ولأكثر من 400 كيلومتر، وعادة ما تنطلق الهجمات الإيرانية من المحافظات الغربية على حدود إقليم كردستان، وتهدد إيران كردستان بالهجوم على أراضيه، لغايات وأسباب جوهرها إحساس إيران بوجود علاقات استراتيجية بين الإقليم والولايات المتحدة، وتسعى لتفكيكها بأي ثمن، بما في ذلك العمل على الساحة السياسية الداخلية في الإقليم. في الوقت نفسه يعتبر الإقليم نفسه محمياً استراتيجياً من الولايات المتحدة ونفوذها العسكري. مع الأمرين، فإنّ إقليم كردستان لا يستطيع أن ينأى بنفسه عن الرؤية والاستراتيجية العسكرية والسياسية من الحكومة الاتحادية، المتأثرة والخاضعة للأحزاب والفصائل المرتبطة بإيران. مجموع هذه العوامل يجعل من حياد الإقليم أمراً شبه مستحيل".
لم يسقط أي من الصواريخ الإيرانية خلال الهجوم الأخير ضمن إقليم كردستان، مثلما حدث خلال الهجمة الإيرانية السابقة، وإن كانت بعض الصواريخ قد مرت من أجوائه. لكن الإقليم يخشى من تبدّل ذلك مع توسع رقعة الصراع ونوعيته بين إيران وإسرائيل.