النهار

إقليم كردستان يعزّز تحوّله الصّناعي بمصنع للهواتف المحمولة
رستم محمود
المصدر: النهار
إقليم كردستان يعزّز تحوّله الصّناعي بمصنع للهواتف المحمولة
مصنع انتاج الحديد في اربيل
A+   A-

بسبب منع الحكومة الاتحادية العراقية إقليم كردستان من تصدير النفط المستخرج من أراضيه، يتجه الإقليم إلى إعادة هيكلة اقتصاده المحلي، ليكون اقتصاداً إنتاجياً، صناعياً بالذات، للتقليل من اعتماده على الصادرات النفطية، أسوة بالكثير من دول المنطقة، الخليجية منها تحديداً.

فقد أعلنت هيئة الاستثمار في إقليم كردستان الأسبوع الماضي انطلاق مصنع للوحات والهواتف المحمولة/الذكية، هو الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، ويعمل تحت مظلة العلامة التجارية "إنفنيكس" (Infinix) العالمية المختصة في صناعة الهواتف الذكية وباقي أنواع الأجهزة الإلكترونية، وينتشر نشاطها في مختلف مناطق أفريقيا وآسيا. 

  أعلن المصنع أنه يخطط لإنتاج 30 ألف هاتف محمول شهرياً، مؤكداً أن نسبة العمال والفنيين والتكنولوجيين المحليين ضمن كادره تتجاوز 97 في المئة، فيما لا يشغل الخبراء الأجانب إلا 3 في المئة، ومن المتوقع أن يكون الفريق العامل محلياً بالكامل خلال فترة قصيرة، متعهداً أن يفسح المجال لكل الطاقات والطلاب المحليين لتقديم برامجهم وتجاربهم لتطوير أعمال المصنع.

وكان رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني قد افتتح أوائل الشهر الجاري مجمعاً صناعياً ضخماً خاصاً بتدوير النحاس وتصنيع الكابلات الكهربائية، بحسب أحدث التكنولوجيات الحديثة. المجمع الصناعي الذي بلغت تكلفته قرابة 100 مليون دولار، يضم ستة معامل ضخمة تُنتج كل أنواع الأسلاك الكهربائية والإلكترونية، وهو مُراقب لأغراض الجودة من  مؤسسات عالمية رائدة في هذا المجال.  

المصنعان الحديثان يضافان إلى قرابة 977 مصنعاً عاملاً في إقليم كردستان، تنشط في مختلف قطاعات الإنتاج الصناعي، من الحديد الصلب والصناعات البتروكيماوية، إلى الصناعات الدوائية والغذائية والإنشائية. فالخطة الاستراتيجية لإقليم كردستان تتوخى التقليل من استيراد المواد النصف مصنعة والسهلة التصنيع في المرحلة الأولى، الغذائية والخدمية والمنظفات والملابس والمستلزمات المنزلية والمدرسية. وتبلغ قيمة ما يستورده الإقليم من تركيا وإيران أكثر من 10 مليارات دولار، ويستورد عموم العراق أضعاف ذلك، ويسعى الإقليم لأن يكون بديلاً محلياً لمعظم ما يتم استيراده.

في مرحلة لاحقة، حسبما حصلت "النهار " على معلومات من هيئة الاستثمار،  يسعى الإقليم ليكون مركزاً صناعياً قادراً على تصدير معظم المواد إلى الخارج، مستفيداً من تنوع مستخرجاته الباطنية وتراكم رساميله المحلية والاستقرار السياسي والأمني داخله.

وبحسب الرؤية الاقتصادية الاستراتيجية للإقليم، سيكون ثمة عمل دؤوب على ثلاثة مستويات من العمل الحكومي والبرلماني، لتكون رافدة وداعمة لتلك الرؤية لإعادة هيكلة الاقتصاد المحلي. فإقليم كردستان يسعى جاهداً لتمتين البنية التحتية الخاصة بمختلف مدنه وأريافه، في مجالات التعليم والصحة والنقل العام والخدمات الحكومية. كذلك يعمل على تشجيع المبادرات الاقتصادية، خصوصاً التي تقدمها الرساميل المحلية، من خلال إعطائها الحق بإنتاج الطاقة الكهربائية بشكل مستقل عن الشبكة الكهربائية العامة، بل شراء فائض ما يُنتج من الطاقة الكهربائية. كذلك يتم إعفاء المبادرات الصناعية من الكثير الضرائب العامة والجمركية، بما في ذلك حاجات بعض المصانع لأكثر عشر سنوات. 
لكن الأهم بالنسبة إلى الإقليم هو تشريعه مجموعة من القوانين الخاصة بالصناعة، تخرج صناعة الإقليم فعلياً من سلطة القوانين المفروضة عليها من سلطة القوانين الاتحادية، التي لا يزال معظمها خاضعاً لتركة النظام السابق، من حيث المركزية والاقتصاد الموجه. 

الباحث الاقتصادي جدعان آلي شرح في حديث إلى "النهار " ما أسماه "الفرصة الاستثنائية" التي دفعت إقليم كردستان للانخراط في هذا النوع من الاقتصاد الإنتاجي المكثف، قائلاً: "طوال أكثر من عقد كامل 2003-2014، كان إقليم كردستان يتلهف إلى تحديث مدنه وبناه التعليمية والطرقية، بفضل فائض الأموال التي كانت تتدفق عليه من الحكومة الاتحادية في ذلك الوقت، بعد عقود كثيرة كان الإقليم فيها غارقاً في الإهمال وحروب حركات التحرر ضد الأنظمة العراقية. لكن الحكومة الاتحادية منذ أن امتنعت عن إرسال حصة الإقليم من الموازنة المركزية خلال عام 2014، لأسباب مختلقة، منها إصرار الإقليم على تصدير النفط المستخرج من أراضيه، بحسب المادة 110 من الدستور العراقي، فإن السياسة الاقتصادية للإقليم توجهت إلى بناء اقتصاد ذاتي مستقل تماماً عما للحكومة الاتحادية". 

يضيف الباحث آلي: "لكن منذ عامين تقريباً، منعت السلطة الاتحادية إقليم كردستان من تصدير نفطه الخاص، وصارت تستخدم الورقة الاقتصادية كرأس حربة لإعادة المركزية فعلياً، لأجل ذلك، تبلور إجماع سياسي/اقتصادي يعتقد أن الحل الوحيد هو في زيادة قيمة الاقتصاد المحلي، بالذات عبر المجالات الثلاثة الرئيسية، الزراعة والسياحة والخدمات، لكنها جميعاً ستكون من دون قيمة مضافة دون إنتاج صناعي، داعم لكل ذلك". 
وتنتظر الأوساط الصناعية في إقليم كردستان الانتهاء من مجمع كاني سبي للصناعات الزراعية (Kani Spi Agro-industrial Park) في محافظة دهوك، وهو ما يشبه المدينة الصناعية، لكنه مختص باستضافة مئات المرافق الصناعية والمستودعات ومراكز المعالجة الخاصة بالمواد الغذائية.
 

اقرأ في النهار Premium