النهار

بين الانتفاضات والحروب والمفاوضات... مسار وعر للاعتراف بالدولة الفلسطينية
باسل العريضي
المصدر: النهار
بعد هزيمة عام 1967 التي سُميت بالـ"نكسة" العربية تخفيفاً لوقعها وآثارها، ولحسابات سياسية تتعلق بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، بدأ الحديث عن دولة فلسطينية.
بين الانتفاضات والحروب والمفاوضات... مسار وعر للاعتراف بالدولة الفلسطينية
عرفات ورابين يتصافحان وبينهما الرئيس بيل كلينتون عقب توقيع اتفاق أوسلو في حديقة البيت الأبيض، 1993. (أ ف ب)
A+   A-

بعد هزيمة عام 1967 التي سُميت بـ"النكسة" العربية تخفيفاً لوقعها وآثارها، ولحسابات سياسية تتعلق بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، بدأ الحديث عن دولة فلسطينية.

فـ"حرب 67" لم تكن أقلّ وقعاً من "النكبة الأولى"، لكن معها انتقل النقاش ليدور بين حدّين: دولة فلسطينية من النهر إلى البحر أو دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. ومن تداعيات هذه الحرب أن منظمة التحرير الفلسطينية التي تأسست عام 1964، كرّست نفسها ممثلاً للشعب الفلسطيني، وتحديداً عقب معركة الكرامة عام 1968 داخل الأراضي الأردنية.

بعد ذلك جاءت القمة العربية في العاصمة المغربية الرباط عام 1974 لتشكل منعطفاً تاريخياً لمنظمة التحرير من خلال إصدار قرار يؤكد أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهو ما أهّلها في العام نفسه لأن تأخذ مقعداً بصفة "مراقب" في الأمم المتحدة والتحدث باسم الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية.

وبعد انطلاقة الانتفاضة الأولى عام 1987، أعلن زعيم منظمة التحرير ياسر عرفات "قيام دولة فلسطين" وعاصمتها القدس، وذلك خلال انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في المنفى بالجزائر في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1988، وخلال الجلسة اعترفت الجزائر رسمياً بالدولة الفلسطينية المستقلة.

بعدها بدأت تتطور المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية وإن ببطء شديد. ففي كانون الأول (ديسمبر) عام 1988، أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة "إعلان الاستقلال الفلسطيني" واستبدال "منظمة التحرير الفلسطينية" باسم فلسطين، لتكرّ السبحة من بعدها وتصل إلى اعتراف أربعين دولة، من بينها الصين والهند وتركيا ومعظم الدول العربية، ومن ثم تبعتها جميع دول القارة الأفريقية والكتلة السوفياتية السابقة، ليبلغ مجموع هذه الدول ما يزيد عن 80 دولة.

 اتفاق أوسلو
مواقف منظمة التحرير تقلبت بين تحرير كلّ فلسطين والاعتراف بالدولة الإسرائيلية وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 67. وتكرس النهج الثاني بعد اتفاق أوسلو عام 1993 الذي نصّ على قيام حكم ذاتي فلسطيني في غزة وأريحا أولاً، ومن ثم يشمل الضفة الغربية، لكن فعلياً أيّاً من هذا لم يحدث، إذ بقيت السيطرة الأمنية للجيش الإسرائيلي ولحكومته من خلال الأموال التي تُحوّل إلى السلطة الفلسطينية وغيرها من الأمور التي رهنت السيادة الفلسطينية بيد الحكومات الإسرائيلية. خصوصاً أن  الاتفاق لم ينهِ النقاش حول مسائل أساسية مثل القدس وعودة اللاجئين.

وفي عام 2000 كانت الانتفاضة الثانية التي اندلعت بعد زيارة استفزازية قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي حينذاك آرييل شارون إلى المسجد الأقصى، واستمرت إلى ما بعد قمة بيروت 2002 التي أقرت الخطة العربية للسلام والتي تتمثل في "الأرض مقابل السلام"، أي أن إسرائيل تنال اعتراف الدول العربية بوجودها شرط إعادة الأراضي المحتلة عام 1967 وقيام دولة فلسطينية. لكنّ المبادرة العربية للسلام بدورها بقيت على طاولة المفاوضات منذ ذلك الوقت من دون أن يقرّ بها أي من الأطراف الدولية أو إسرائيل، بل على العكس كانت هناك صولات وجولات من القتال والحروب تنقلت بين لبنان وغزة إلى جانب المداهمات والاعتقالات وبناء مستوطنات في الضفة الغربية رغماً عن القانون الدولي والإدانة الدولية لها.

لكن مسيرة الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة لم تتوقف، إذ منحت الجمعية العامة فلسطين مركز دولة غير عضو لها صفة مراقب نهاية عام 2012، وعليه كان القرار بأن تستخدم الأمانة اسم دولة فلسطين في جميع وثائق الأمم المتحدة الرسمية. وهذا ما سمح للسلطة الفلسطينية بأن تنضم إلى المحكمة الجنائية الدولية في عام 2015، الأمر الذي خوّلها فتح تحقيقات في العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. كما نال الفلسطينيون العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو).

أول اعتراف أوروبي
المحطة التاريخية الثانية بعد الأمم المتحدة نحو الاعتراف بدولة فلسطينية كان في عام 2014 مع قرار اتخذته السويد بأن تكون أول دولة في الاتحاد الأوروبي تعترف بدولة فلسطين، وكان قد سبقها إلى ذلك عدد من الدول الأوروبية من خارج مجموعة الاتحاد، مثل جمهورية التشيك والمجر وبولندا وبلغاريا ورومانيا وقبرص، مع الإشارة إلى أن هذه الدول عادت وانضمت إلى الاتحاد الأوروبي. وأدى قرار استوكهولم إلى توتر العلاقات مع إسرائيل.

واستقر الوضع الأوروبي إلى ما هو عليه قرابة 10 سنوات، وصولاً إلى العام الجاري، الذي لا يزال يعيش تداعيات "طوفان الأقصى"، إذ شهد اعتراف دول وازنة من ضمن الاتحاد الأوروبي وهي إسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا بالدولة الفلسطينية، كذلك فعلت النروج من خارج مجموعة بروكسل.

وتربط باقي الدول مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية بالتوصل إلى حلّ سلمي للنزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل، يقوم على مبدأ حلّ الدولتين الذي كرسته قمة بيروت 2002.

 دلالات الاعتراف
الاعتراف بدولة فلسطين، وتحديداً من داخل أوروبا، يحمل دلالات مهمة باتجاه هذه القضية التي مضى عليها ما يقارب 8 عقود، فهو أولاً يؤكد حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وهي مسألة مرتبطة بأسس القانون الدولي، ويعطي السلطة الفلسطينية صفة قانونية ودبلوماسية أكبر على المسرح الدولي، وبالتالي يشكل ضغطاً على إسرائيل لقبول الحلّ السلمي والسير باتجاه حلّ الدولتين.

وفي هذا الإطار،  يعبر الاعتراف الدولي عن رفض هذه الدول السياسة التي تنفذها إسرائيل، سواء في قضم الضفة الغربية ببناء المستوطنات خلافاً للقانون الدولي، أم في حرب التدمير الشامل التي تشنها على قطاع غزة.

والأهم أنه كلما توسعت حلقة الدول الداعمة لقيام دولة فلسطينية، يكون قد أضيف مدماك آخر نحو قبولها كعضو كامل في الأمم المتحدة، ما يمنح السلطة الفلسطينية صوتاً أقوى على الساحة العالمية.

وهذا ما حدث بالفعل في أيار (مايو) الماضي مع إقرار الجمعية العامة للأُمَم المتحدة انضمام فلسطين بصفتها دولة في الأمم المتحدة. وفي المقابل، اعترفت 147 دولة من أصل 193 دولةً عضواً في الأُمم المتحدة بدولة فلسطين.

لكن هذا الاعتراف يبقى منقوصاً ما دام يخضع لحسابات التوازنات الجيوسياسية، خصوصاً عند الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية ذات الوزن السياسي والاقتصادي في العالم مثل فرنسا وألمانيا، وعدم ممارسة أي ضغط جديّ نحو استئناف المفاوضات والتوقف عن بناء المستوطنات في الضفة، أو بالحدّ الأدنى وقف الحرب الدائرة حالياً في غزة ولبنان والمرشحة للتوسع إلى دول أخرى في الشرق الأوسط. 

اقرأ في النهار Premium