تونسيون أمام مركز إقتراع
محمد حسن بيضون
من أمام مركز اقتراع حي النجاح في مدينة منزل بورقيبة، رصدت "النهار" آراء التونسيين في الانتخابات الرئاسية، في وقت باتت فيه الثقة بالعملية الديموقراطية محلّ شكّ لدى العديد من المواطنين.
اعتاد حيّ النجاح أن يكون مسرحاً لحوارات عفوية بين الناخبين حول مستقبل البلاد، إذ كان التونسيون يتوافدون بحماسة إلى صناديق الاقتراع لمناقشة مرشّحيهم وآمالهم في التغيير. لكن هذه المرة، يبدو المشهد مختلفاً. فقد غابت الحماسة، وبدا الإقبال ضعيفاً مقارنة بالسنوات الماضية، ما يعكس ربما انطفاء الشعور بجدوى هذه العملية الانتخابية لدى شريحة واسعة من الشعب.
الأمل في التغيير
في مقدّمة هذا المشهد، كان منصف، وهو في منتصف الأربعينيات، يبدو متفائلاً رغم كلّ التحديات. قال وهو ينظر الى مركز الاقتراع: "صحيح أن تونس تمرّ بأزمة كبيرة، لكنني أرى أنّ الرئيس الحالي يحاول محاربة الفساد. أُقدّر جهوده في تحقيق التغيير، ولهذا سأصوّت له مرّة أخرى. على الأقل، هو يتمتع بالإرادة الصادقة، وما زلت أؤمن أنّ في إمكانه إحداث الفرق رغم العقبات."
الشعور بالخيبة
لكن في زاوية أخرى، بدا الموقف مختلفاً في عيني عمر، وهو شاب في أوائل الثلاثينات. قال بحسرة وهو يقف بعيداً عن طوابير الناخبين: "سئمت هذه المسرحية. منذ نجاح الثورة، ونحن ننتخب الرؤساء واحداً تلو الآخر، لكن لم يتغيّر شيء. في كلّ مرة، يخرج الفائز ليتحدّث عن مشاريع كبيرة، لكنّ الواقع يبقى على حاله أو يزداد سوءاً. جئت اليوم فقط لأرى إن كان هناك إقبال على التصويت، لكنني شخصياً لن أشارك."
انتظار وجوه جديدة
إلى جانبه، كانت يُسرى، الطالبة الجامعية، تعبّر عن موقف مختلف، يجمع بين الأمل والشعور بالضياع. قالت: "أعرف أنّ الكثيرين فقدوا الثقة، لكنني أريد انتخاب شخص آخر. أشعر أننا في حاجة إلى وجوه جديدة في السياسة، أشخاص لديهم رؤية واضحة لمستقبل تونس. لكن بصراحة، لا أعرف إن كان هذا ممكناً في ظلّ الوضع الحالي.".
دعوات إلى الإصلاح
من جهة أخرى، كانت سهام، وهي موظفة حكومية في أواخر الأربعينيات، أكثر حدّة في رأيها. قالت بنبرة حازمة: "نحن في حاجة إلى شخص قادر على إدارة الأمور بشكل أفضل، لكنّني لا أرى أيّ مرشّح يمتلك القدرة والكفاءة لتغيير هذا الواقع المرير. ربما سأصوّت، لكنني لست واثقة إن كان هذا سيحدث فرقاً حقيقياً.".
خيبة الأمل
وبينما تتنوّع الآراء وتتباين الأسباب، ظهر موقف أكثر تشاؤماً من جمال، وهو موظف متقاعد في أوائل الستينيات. قال وهو يهز رأسه بأسف: "هذه الانتخابات لا تختلف عن سابقاتها، أصبحت كما المسرحية التي تتكرر على مسرح ولم يعد أحد يقتنع بقصتها. لا أرى أنّ هناك أملاً كبيراً من وراء هذه العملية، فالتونسيون باتوا يدركون أنّ ما ينتظرهم في المستقبل، أكثرهم يجهلونه. الديموقراطية أصبحت شكلاً فارغاً، ومن الصعب أن نجد قائداً حقيقياً في هذا المشهد الضبابيّ.".
وفي خضمّ هذه الآراء المختلفة، يأتي السؤال: هل فقد التونسيون إيمانهم بالديموقراطية؟ وهل ما زالوا يثقون بأنّ صناديق الاقتراع يمكن أن تحمل لهم الأمل في مستقبل أفضل؟
يبدو أنّ المشهد اليوم أكثر تعقيداً ممّا كان عليه في السنوات السابقة. فالشباب مثل يُسرى، ما زال لديهم بعض الأمل في التغيير، بينما الكبار كجمال يرون أنّ العملية كلّها باتت بلا جدوى. وبينهما، نجد فئة مثل عماد، ما زالت تُعلّق آمالاً على قدرة الرئيس الحالي على تحقيق الاستقرار في البلاد.
إذاً، هل ما زال التونسي يؤمن بالديموقراطية؟ يبدو أنّ الإجابة معقدة. الديموقراطية التي كانت حلماً لتحقيق العدالة والتنمية، أصبحت اليوم في نظر الكثيرين شكلاً من أشكال الإحباط. لكن رغم ذلك، لا يزال البعض يذهب إلى صناديق الاقتراع، ربما إيماناً بآخر خيط من الأمل، أو ربما خوفاً من خسارة ما تبقّى من مكتسبات الثورة.
وماذا ينتظر التونسيون من هذه الانتخابات؟ الحقيقة أنّ معظمهم لا يعرفون. هم عالقون بين رئيس يُعتبر شخصية قوية تسعى للإصلاح، ومرشحَين آخرَين لا يملكان من الرؤى ما يكفي لإقناع الشعب. أمام هذا الغموض، يبدو أنّ التونسيين يتوجّهون إلى صناديق الاقتراع لا ليختاروا من يثقون به، بل لأنهم يريدون فقط أن يروا ما سيحدث، ولأنّ الأمل، وإن كان ضئيلاً، لا يزال قائماً في قلوب البعض، بينما اختفى تماماً لدى آخرين.