على نسبة اقتراع لم تتجاوز 27.7 في المئة أقفلت مساء الأحد صناديق الاقتراع في تونس، وقال التونسيون كلمتهم في الانتخابات الرئاسية الثالثة بعد ثورة 2011.
ولم تحمل الانتخابات مفاجآت كبيرة، سواء من حيث نسبة المشاركة أم من حيث هوية المرشح للفوز بها الذي لم يكن سوى الرئيس قيس سعيّد.
مشاركة ضعيفة
وكما كان متوقعاً، قال المقاطعون كلمتهم بنسبة تتجاوز الـ 70 في المئة، إذ لم يصوت فيها سوى نحو 3 ملايين ناخب من مجموع 10 ملايين.
عن أسباب ضعف المشاركة يقول الباحث الجامعي والمحلل السياسي محمد ذويب لـ "النهار" إن نسبة الاقتراع التي سجلت كانت متوقعة بالنظر إلى الأجواء التي حدثت فيها الحملة الانتخابية، خصوصاً في المناطق، وضعف المعارضة وتشتتها وعدم قدرتها على تقديم برامج واضحة قادرة على إرضاء الناخب، فضلاً عن عدم التصاقها بالشارع في المدن والقرى الداخلية والاكتفاء بالنشاط في العاصمة حيث الأضواء والإعلام.
لكنه يلفت إلى أن نسبة الاقتراع تضاعفت مرتين مقارنة بانتخابات البرلمان ومجلس الأقاليم والجهات، وهذا ما يؤكد وفق تقديره أن "الشعب التونسي لا يميل إلى النظام البرلماني ويحبذ النظام الرئاسي".
ويساند المحلل السياسي مهدي المناعي ذويب في قراءته لدلالات نسبة الاقتراع التي يعتبرها مقبولة ومتماشية في العموم مع المعايير الدولية، لافتاً في تصريح لـ"النهار" إلى أنها كشفت أن التونسي يرفض النظام البرلماني الهجين ويفضل النظام الرئاسي.
ويلاحظ أن دعوات المقاطعة كانت وهمية "إذ إن كل الأحزاب السياسية المعارضة لسعيد على اختلاف توجهاتها نزلت بثقلها من أجل إقفال الباب أمام فوزه بالتصويت لأحد منافسيه، لكنها لم تنجح في ذلك"، على حد تعبيره.
فوز متوقع
وكما كان متوقعاً جدد المنتخبون ثقتهم بالرئيس المنتهية ولايته الذي تشير الأرقام الأولية إلى أنه في طريقه إلى تحقيق انتصار ساحق من الدورة الأولى.
وكشف استطلاع للرأي عرض التلفزيون التونسي نتائجه مباشرة بعد اغلاق صناديق الاقتراع فوز سعيد بنسبة تتجاوز 89 في المئة، وهذه المرة الأولى منذ 2011 التي يفوز فيها مرشح من الدورة الأولى للانتخابات بنسبة مماثلة، لكن حملتا منافسيه أعلنتا رفضهما هذه النتائج وأكدت كل منهما ثقتها بالمرور الى دورة ثانية.
وواجه سعيّد في انتخابات الأحد حليفه السابق رئيس "حزب الشعب" زهير المغزاوي، الذي تحوّل إلى معارضته، والعياشي زمال الذي سُجن الشهر الماضي بتهمة تزييف وثائق انتخابية.
وللمرة الثانية ينجح سعيد في الفوز بالرئاسية رغم أنه لا يمك حزباً أو حزاماً سياسياً يسانده.
وفور إغلاق صناديق الاقتراع، خرج عدد كبير من التونسيين إلى شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس للاحتفال بانتصار سعيد الذي التحق بهم في مشهد شبيه بمشهد ليلة انتخابه للمرة الأولى رئيساً عام 2019 وبليلة إعلانه التدابير الاستثنائية في عام 2021، وهتف عدد منهم "الشعب يريد سعيد من جديد".
شعبية لم تتآكل
ويرى متابعون للشأن التونسي أن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية تثبت أن الرئيس قيس سعيّد لا يزال يحافظ على شعبيته، رغم اتساع رقعة المعارضة بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها عندما أقال الحكومة وعطل عمل البرلمان الذي كان تحت سيطرة "حركة النهضة" الإسلامية وصاغ دستوراً جديداً أمسك بموجبه بأغلب الصلاحيات.
ويقول ذويب إن حصيلة سعيد خلال السنوات الماضية لم تكن في مستوى تطلعات الشعب التونسي، ولكنه "مع ذلك حافظ على عدد المصوتين له نفسه في الدورة الثانية خلال انتخابات 2019".
ويفسر ذلك بأن "نسبة كبيرة من الشعب التونسي لم تنس بعد جرائم العشرية الماضية، لذلك رفضت بأي شكل من الأشكال عودة المنظومة القديمة رغم ضعف إنجازات سعيد، خصوصاً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي"، وفي تقديره فإن التصويت لسعيد هو تجسيد لشعار "لا للعودة إلى الوراء" الذي صار عنواناً لحكم الرئيس.
ويرى المناعي أن رصيد سعيد الانتخابي ظل ثابتاً مقارنة بانتخابات 2019"، فقد صوت له أكثر من مليوني ناخب وهو الرقم نفسه تقريباً الذي حصل عليه في الانتخابات الماضية"، ويشدد على أنه استطاع أن يحصل على هذا العدد من الأصوات من دون مساندة من أي حزب أو جسم وسيط "وهو ما يؤكد أن للرجل شعبية جارفة تكذّب كل ما رُوج عن تآكلها بسبب خياراته السياسية".
ويزيد: "بالنسبة الى قطاع واسع من الشعب، فسعيد هو المنقذ من حقبة صعبة عاشتها البلاد على امتداد أكثر من 10 سنوات تحت حكم منظومة المحاصصة الحزبية بقيادة حركة النهضة وهو الوحيد القادر على تطهير البلاد من الفساد".
ويشدد على أن هذه النتائج تعلن بصفة رسمية القطع مع هذه المنظومة بشكل نهائي قائلاً: "اليوم يعلن رسمياً وفاة منظومة كاملة وولادة منظومة أخرى سيسعى سعيد من خلالها لاستكمال مشروعه السياسي مستمداً مشروعيته من شرعيته الشعبية ".
وعقب إغلاق صناديق الاقتراع قال سعيّد في تصريح للتلفزيون الرسمي من مقر حملته في العاصمة إن ما تعيشه تونس اليوم "هو استكمال للثورة"، وتعهد بـ"استكمال مسيرة الثورة وتطهير البلاد من المفسدين والمتآمرين".