تونس - كريمة دغراش
أدلى التونسيون اليوم الأحد، بأصواتهم في الانتخابات التي دُعي إليها نحو 9.7 ملايين ناخب من أجل اختيار رئيس جديد للبلاد للسنوات الخمس المقبلة.
وعند الثامنة صباحاً، فتحت كل مراكز الاقتراع أبوابها على أن تغلق في حدود الساعة السادسة مساءً بالتوقيت المحلي لتنطلق بعدها عملية الفرز، في ما ينتظر أن تعلن النتائج يوم الأربعاء المقبل في أقصى حد.
وبلغت نسبة الاقتراع إلى حدود الساعة الواحدة 14.16 في المئة، ما يعني أن نحو مليون و400 ألف تونسي فقط أدلوا بأصواتهم بعد مضي 4 ساعات على فتح مراكز الاقتراع أبوابها.
وعلى عكس محطات انتخابية رئاسية سابقة عندما كانت طوابير طويلة من الناخبين تصطف أمام مراكز الاقتراع، بدا الإقبال متوسطاً خلال الساعات الأولى من صباح الأحد كما رصدت "النهار" في عدد منها.
وكان جلياً أن أغلب المقترعين الذين توافدوا على مراكز الاقتراع في الساعات الأولى هم من كبار السن والكهول.
وداخل مراكز لم تكن عملية الاقتراع تتطلب أكثر من بضع دقائق.
وفي شوارع العاصمة، بدت الحركة رتيبة صباحاً ولم تكن تشي بوجود حدث كبير في حجم الانتخابات الرئاسية، إذ غابت كل ملامح الحملة عن هذه الشوارع على عكس المحطات الانتخابية السابقة، ما قد يؤشر إلى لامبالاة قسم واسع من التونسيين بها.
والأحد هو يوم عطلة في تونس وعادة ما تكون الحركة رتيبة في الشوارع، خصوصًاً في ساعات الصباح الأولى.
وفور مغادرته أحد مراكز الاقتراع، وبينما كان يقوم بتنظيف سبابته من الحبر الذي غمسها فيها عند التصويت، قال رجل في العقد الخامس من عمره إنه حرص على أداء واجبه الانتخابي لأنه يعتبر أن ذلك حق يجب عدم التنازل عنه مهما كانت الأحوال.
وقال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر في مؤتمر صحافي صباحاًِ، إن كل مراكز الاقتراع فتحت أبوابها من دون تسجيل أي إشكالات، مشيراً إلى أن المؤشرات الأولية حول حجم الإقبال مطمئنة.
وأصدر "مرصد شاهد" (غير حكومي) المختص بمراقبة الانتخابات بياناً أكد فيه تسجيل نسب إقبال متوسطة، ملاحظاً أن العملية الانتخابية سارت في المجمل من دون تسجيل أي حوادث.
انتخابات وفق دستور وقانون جديدين
وتجرى هذه الانتخابات استناداً إلى الدستور الجديد الذي اعتُمد عام 2022 وألغى دستور 2014. ومنح هذا الدستور صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية في مقابل تقليص صلاحيات مجلس النواب والحكومة.
ومنصب رئيس الجمهورية، هو منصب له رمزية كبيرة لدى عموم التونسيين، ولطالما كان يمثل بالنسبة إليهم مركز الحكم حتى في السنوات التي تلت حوادث 2011 حين اعتُمد نظام حكم برلماني معدل سحب معظم الصلاحيات من الرئيس.
وفيما أبقى الدستور الجديد على معظم شروط الترشح للرئاسة وعدل شرطين متعلقين بالسن والجنسية، أدخلت هيئة الانتخابات تعديلات على القانون الانتخابي، ما ساهم في تقليص عدد المرشحين.
ويعد الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد الأوفر حظًاً للفوز بعهدة ثانية، وينافسه في هذه الانتخابات مرشحان فقط هما العياشي زمال رئيس حزب حركة "عازمون" وزهير المغزاوي رئيس حزب "حركة الشعب".
ولا يحظى سعيّد الذي لا ينتمي إلى أي حزب سياسي بدعم عدد كبير من معظم الأحزاب، ولكنه يُعول على شعبيته للفوز في هذه الانتخابات، في ما تكوّن حزام سياسي مساند للمرشح العياشي زمال بعد سجنه بتهم متعلقة بتزوير تزكيات.
ويتطلع سعيّد إلى مشاركة كبيرة من أنصاره في هذه الانتخابات من أجل استكمال تركيز مشروعه السياسي، وقد اختار لحملته شعار "مواصلة مسار التطهير"، ويقول أنصاره إن هدفهم هو الفوز من الدور الأول الانتخابي.
أما منافساه فإنهما يأملان أن يحدثا مفاجأة في هذه الانتخابات بتحقيق نسب تصويت كبيرة تسمح لأحدهما بالمرور إلى الدور الثاني.
أجواء غير عادية
وسبقت هذه الانتخابات أجواء متوترة تميزت بتوسع رقعة المعارضين لسعيد، خصوصاً مع رفض هيئة الانتخابات عدداً من مطالب الترشح، ما انعكس على الحملة الانتخابية التي أجمع الكل على أنها باهتة بعدما غابت عنها الحملات الميدانية والاجتماعات الشعبية، فيما يتوقع أن تُسجل نسبة مشاركة ضعيفة مقارنة بانتخابات عامي 2014 و2019 وفق ما يؤكده رئيس "مرصد شاهد" ناصر الهرابي لـ"النهار"، والذي رجّح أن تكون نسبة الاقتراع ضعيفة على غرار ما حدث خلال الاستفتاء على الدستور وفي الانتخابات التشريعية، إذ لم تتجاوز نسبة التصويت 12 بالمئة.
لكن المحلل السياسي خليل الرقيق يقول لـ"النهار "إن وعي التونسي كبير بأهمية منصب الرئيس لأنه من يمثل الدولة ويوفر له كل ما يطمح إليه من رفاهية وخدمات متطورة، مشيراً إلى أن هناك شعوراً عاماً بالإحباط لدى غالبية التونسيين بسبب ما عاشوه بعد 2011، ما جعلهم يعزفون عن المشاركة في الحياة السياسية.
واعتبر أن الرهان الكبير المطروح حالياً من خلال هذه الانتخابات هو استكمال بناء المؤسسات والذهاب نحو تحقيق التنمية الاقتصادية التي يتطلع إليها كل التونسيين.
واعتبر أن الأجواء داخل مراكز الاقتراع لم تترجم حالة الشد والجذب التي أراد البعض التسويق لها، مشدداً على أن الانتخابات سارت في كنف الشفافية، وهو في رأيه "تأكيد أن التونسي أصبح يملك دربة على الديموقراطية وليس لديه استعداد للتنازل عنها".
رئيس حزب "التحالف من أجل تونس" سرحان الناصري قال إن تسجيل نسبة مشاركة ضعيفة مقارنة بالانتخابات الرئاسية السابقة أمر طبيعي نظراً إلى أن عدد الناخبين مر إلى نحو 10 ملايين ناخب بعد تحيين هيئة الانتخابات لسجلات الناخبين وإضافة نحو 3 ملايين ناخب آلياً.