سيارة فولكسفاغن الكهربائية
بعد حسابات ومشاورات مكثفة مع المصنعين الصينيين من دون التوصل إلى نتائج إيجابية، فرضت المفوضية الأوروبية نهاية الأسبوع الماضي معدل تعريفات إضافية على السيارات الكهربائية الصينية بنسبة 35,3% لتصل بمجموعها إلى حدود 45%، وذلك على خلفية تشويهها للتنافسية مع أوروبا نتيجة الإعانات الضخمة من الحكومة في بكين للشركات لإنتاج هذا النوع من السيارات. واللافت أن ألمانيا الرائدة في هذا القطاع وأكبر دولة في الاتحاد الأوروبي صوتت مع أربع دول أخرى ضد فرض الرسوم، لكن المفوضية حظيت بالأغلبية المطلوبة من أصوات الدول الأعضاء والتي تشكل مجتمعة أكثر من 65% من إجمالي عدد سكان التكتل. فإلى ماذا تهدف بروكسيل من هذه التعريفات العقابية، وما تداعياتها على ألمانيا؟
تباينات ومصالح
تهدف زيادة التعريفات الجمركية من الاتحاد الأوروبي للتعويض عن العيوب والحد من التنافسية غير العادلة في السوق الأوروبي من شركات صناعة السيارات الكهربائية الصينية التي تتلقى إعانات بالمليارات. وبحسب العديد من الدبلوماسيين في بروكسيل، كان من المهم التشبث بفرض الرسوم لكون الشركات الصينية تستفيد من إعفاءات ضريبية وتحصل على بطاريات الليثيوم ـ إيون بسعر أقل من سعر السوق، ومن جهة أخرى، لمساعدة قطاع صناعة السيارات الأوروبية على المدى المتوسط للخروج من الأزمة، ومن شأنها أيضاً أن تمنح الشركات الوقت لتطوير سيارات كهربائية أرخص وأكثر قدرة على المنافسة.
وفي السياق، تفيد المعلومات من بروكسيل بأن غياب التوافق على موقف موحد من الدول الأعضاء وتصويت 10 دول مع التعريفات العقابية مقابل 12 دولة امتنعت عن التصويت، حالا دون صدور بيان مشترك عن الدول الـ27 للتكتل. لكن وفي رد مبدئي، حذر وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر من أخطار خطوة المفوضية زيادة الرسوم، ومن أنها قد تشعل حربا تجارية، وهذا ما ينسجم مع موقف المستشار الألماني أولاف شولتس المنتقد أساساً للتعريفات العقابية، فضلاًعن دعوة الشريك الثالث في الائتلاف الحاكم حزب الخضر إلى الامتناع عن التصويت من أجل مواصلة البحث عن حل تفاوضي مع الصين. فإذا تم التوصل إلى حل مع الصين على طاولة المفاوضات لاحقاً من الممكن وقف التعريفات الجمركية.
جهود الضغط الصينية
ومع اعتبار شركة "فولكسفاغن" أن النهج خاطئ ولن يحسن التنافسية، وخشية "مرسيدس" من آثار سلبية بعيدة المدى على صناعة السيارات الألمانية، قال الباحث الاقتصادي نيكلاس فسترمان لـ"النهار" إن من الطبيعي أن تتوجس هذه الشركات، وهي التي عملت على تشكيل تحالف مناهض للتعريفات العقابية على الصين وتغيير رأي عدد من دول التكتل، لافتاً إلى أن بكين تمارس ضغوطاً كبيرة على شركات صناعة السيارات الألمانية التي تخشى من عدم المقدرة على الوصول إلى الأسواق الصينية، ذلك لأنها تبيع في الصين من السيارات ما يعادل 100مرة ما تبيعه الصين في ألمانيا، ومعرباً عن اعتقاده أن جهود الضغوط الصينية نجحت في ألمانيا وتشكل تهديداً جزئياً يهدف إلى ترهيب برلين، وقد تفرض تعريفات رمزية على منتجات الاتحاد الأوروبي ولكن ليس على نطاق واسع. وإزاء ذلك، تفيد تعليقات بأن العديد من الدول التي صوتت بلا على القرار أرادت تجنب أن تصبح هدفاً للانتقام الصيني، لكنها تدعم التعريفات الجمركية.
واعتبر الصحافي المخضرم غيرالد براونبرغر أن رفع الرسوم الجمركية هو دائماً تعبير عن الضعف، وتنطبق هذه النتيجة أيضاً على ما فرضه التكتل من رسوم الاستيراد على السيارات الكهربائية من الصين، لافتاً إلى أنه إذا ما أصبح وصول السيارات الصينية الرخيصة إلى أوروبا أكثر صعوبة فإن المستهلكين الأوروبيين لن يشتروا تلقائياً السيارات الكهربائية الأوروبية التي ينظر العديد من العملاء إلى نسبة سعرها مع أدائها غير المرضي.
ورأى براونبرغر أنه إذا لم يكن هناك ضغط تنافسي من الصينيين، فإن المصنعين الأوروبيين سيكون لديهم حافز أقل لتطوير سيارات كهربائية أفضل في أسرع وقت ممكن، وشدد على أن الاتحاد الأوروبي يتصرف بشكل متناقض لأنه يريد من ناحية حظر السيارات الكهربائية الرخيصة من الصين، ولكنه من ناحية أخرى يطالب "بكهربة" حركة مرور السيارات، أي زيادة تملك المواطن الأوروبي للسيارات الكهربائية. وبذلك، يبرهن الاتحاد الأوروبي أنه ليس مهتماً فعلياً بهذا النوع من السيارات، ولكن بسياسات القوة الدولية. وخلص إلى أن ما كان ينظر إليه ذات يوم على أنه مساهمة في الرخاء أصبح ينظر إليه الآن في العديد من العواصم باعتباره علامة على السذاجة السياسية في أوقات أصبحت فيها العولمة الاقتصادية والجغرافيا السياسية للقوى الكبرى متشابكة بشكل أوثق.
خطر نشوب صراع تجاري عالمي
في الموازاة ورغم إعلانه عن أن تعريفات الاتحاد الأوروبي على السيارات الكهربائية القادمة من الصين مشروعة ومسموح بها بموجب القانون التجاري، أفاد المعهد الاقتصادي الألماني في كولن والمرتبط بأرباب العمل أن الرسوم العقابية على الصين يمكن أن تكون بداية صراع تجاري متصاعد، موضحاً أن الارتفاع الكبير في سعر الصرف الصيني قد يكون حلاً للنزاعات بين الاتحاد الأوروبي وبكين بشأن الدعم غير العادل للشركات من قبل الأخيرة. ووفقا للمعهد فانه واذا ما توقفت الصين عن التلاعب بالعملة فإن المزايا السعرية للسيارات الكهربائية لن تظل كبيرة، وثانياً ستقدم الصين بذلك اقتراحاً جديداً في المفاوضات الجارية، وثالثاً يمكن لبكين أن تقلل من خطر نشوب صراع تجاري أوسع نطاقاً.
ورأت رابطة صناعة السيارات في ألمانيا، بدورها، أنه سيكون لفرض التعريفات الجمركية على السيارات القادمة من الصين عواقب على دول التكتل، وشددت رئيسة الرابطة هيلديغارد أخيراً على أن ذلك سيكون بمثابة خطوة بعيداً عن التعاون العالمي، وهذا من شأنه أن يزيد من خطر نشوب صراع تجاري عالمي، لتضيف أن من المرجح أيضاً أن يكون الضرر المحتمل الذي قد ينجم عن الرسوم التعويضية أكبر من الفائدة المحتملة لزيادة عزلة السوق بالنسبة إلى صناعة السيارات الأوروبية وبخاصة الألمانية منها.