النهار

ترشيد استيراد وترشيد إنفاق... هل تدخل مصر مرحلة اقتصاد الحرب؟
كريم حمادي
المصدر: النهار
اقتصاد الحرب يعني تسخير كل إيرادات الدولة لصالح الحرب، وهذا الوضع لا تشهده مصر حالياً، لكن الحكومة المصرية تقصد أن التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشرق أوروبا ألقت بظلالها على الاقتصاد المصري
ترشيد استيراد وترشيد إنفاق... هل تدخل مصر مرحلة اقتصاد الحرب؟
مقدرات الاقتصاد المصري متأثرة بالتوتر الجيوسياسي في المنطقة
A+   A-
تحدث رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في مؤتمر صحفي عن إمكانية دخول مصر "في ما يسمى اقتصاد حرب، وفي حال سوء الأوضاع السياسية بالمنطقة، ستتخذ مصر مزيداً من إجراءات الترشيد". فما هو تأثير هذه الكلام في الاقتصاد المصري، على صعيد أسواق المال وحركة الأموال الساخنة، أو أسعار السلع والخدمات؟

يقول الدكتور عبد المنعم السيد، رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، لـ"النهار"، إن تصريحات رئيس الوزراء المصري لا تقصد اقتصاد الحرب بالمعنى الحرفي، "لأن اقتصاد الحرب يعني تسخير كل إيرادات الدولة لصالح الحرب وهذا الوضع لا تشهده مصر حالياً، لكن الحكومة المصرية تقصد أن التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشرق أوروبا ألقت بظلالها على الاقتصاد المصري". 

هل تصمد؟
أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على أسعار المواد الغذائية، خصوصاً الحبوب مثل القمح والأسمدة، جراء توقف العديد من سلاسل الإمداد وارتفاع تكلفة النقل وتكلفة تأمين الناقلات البحرية. وأخيراً، بدأت أسعار النفط في الصعود لتقترب من حاجز 80 دولاراً للبرميل. ويضيف السيد: "في حال ضرب أي مصفاة نفط في العراق أو اليمن أو إيران، وتمادي الحوثيين في هجماتهم على الناقلات البحرية في المتوسط، متوقع أن تتجاوز أسعار النفط 100 دولار للبرميل، فلن تصمد حينها ميزانية الحكومة المصرية أمام نفقات كبيرة غير متوقعة، لذلك نوه مدبولي باحتمال تطبيق سياسة ترشيد الإنفاق".

ويؤكد السيد أن حديث رئيس الوزراء المصري عن اقتصاد الحرب "غير مقصود به وجود قوات مصرية في الصومال أو تصريحات محمد حمدان دقلو (حميدتي) رئيس قوات الدعم السريع في السودان التي زعمت أن الطيران المصري هاجمهم، فالقوات المصرية ليست موجودة في الصومال لحرب مع إثيوبيا، بل التزاماً من مصر باتفاقية الدفاع المشترك المبرمة مع الصومال والحفاظ على التوازن في منطقة القرن الأفريقي".

وبحسبه، تعتمد خطة الترشيد على عنصرين أساسيين: ترشيد الاستيراد، خصوصاً السلع الاستفزازية مثل السيارات كاملة الصنع والأجهزة المنزلية وأغذية الحيوانات الأليفة والأثاث والمفروشات، وترشيد الإنفاق الحكومي بتوجيهه نحو السلع الاستراتيجية مثل القمح والسكر والأدوية والبقوليات، متوقعاً أن تشهد المرحلة المقبلة في مصر زيادة مؤقتة تتراوح بين 10 و15% في أسعار بعض السلع، خصوصاً المستوردة التي لا بديل محلياً لها، لحين توطين صناعة جميع السلع في مصر بجودة عالية تضاهي المستورد، وذلك بجانب مساعي الحكومة المصرية لاستقطاب الشركات العالمية لتصنيع منتجاتها على أرض مصر مثل شركات هايير الصينية وسامسونج الكورية وإل جي الكورية وأوبو الصينية. ويقول: "ستتراوح فترة تطبيق الزيادة بين 3 و6 أشهر".

هل تغادر الأموال الساخنة؟
تقول رانيا يعقوب، عضو مجلس إدارة البورصة المصرية ورئيس مجلس إدارة شركة ثري واي للأوراق المالية، لـ"النهار" إن للتوترات الجيوسياسية في المنطقة تأثير سلبي مباشر على الاقتصاد المصري، "والتحول نحو اقتصاد الحرب يؤثر في سوق المال المصرية، حيث تتراجع شهية المستثمرين وخصوصاً المستثمر الأجنبي الذي يبحث عن أعلى عائد ممكن من الاستثمار بالبورصة المصرية، وفي احتمالية تطبيق اقتصاد الحرب وسياسة التقشف من المحتمل أن تنخفض عائدات الاستثمار نتيجة تطبيق سياسة الترشيد".

تتوقع يعقوب ألا تشهد السوق المالية المصرية تسارعاً نحو تخارج الأموال الساخنة، "كما شهدنا عند اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، عندما خرجت الأموال الساخنة من السوق المصرية بقيمة تعادل 8% من إجمالي حجم السوق". 

الأموال الساخنة وهي التي تدخل الدول أو تخرج منها بهدف الاستثمار والاستفادة من وضع اقتصادي خاص فيها، مثل ارتفاع معدلات الفائدة أو تدني سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار، وغالباً ما تكون موجهة نحو الاستثمارات قصيرة الأجل. وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، حجم الأموال الساخنة التي دخلت مصر في الربع الأول من العام الجاري هو 14,4 مليار دولار، وقفزت بنهاية أيار (مايو) الماضي إلى 37,45 مليار دولار.

إذا بدأت الحكومة في تطبيق سياسة الترشيد وما يعرف باقتصاد الحرب، ترى يعقوب أن السوق المالية المصرية ستشهد حالاً من التباطؤ في دخول الأموال الساخنة، ويتزامن معها تخارج نسبي لبعض الأموال الحالية، بسبب تجنب تأكل رأس المال أو هامش الربح بالنسبة إلى الأموال الساخنة الخارجة من السوق.

وعن تباطؤ دخول الاستثمارات الجديدة والأموال الساخنة إلى السوق المصرية، تقول يعقوب: "الأمر مرتبط بسعر الفائدة والسياسات النقدية ومدى الاستقرار المالي في السوق، لكن في حال تطبيق سياسة الترشيد والتي قد تتضمن تثبيت أو تراجع سعر الفائدة بغرض تنشيط الصناعة المحلية والاستثمار المحلي، حينها لن تستمر سوق أذون الخزانة والبورصة المصرية في جاذبيتها للمستثمرين كالسابق عندما كانت تمنحهم أعلى سعر فائدة، ما يساهم في تنشيط تجارة المناقلة (Carry Trade)، ويطلق عليها أيضاً تجارة الفائدة/التجارة المحمولة، وأي مؤشرات تهدد الاستقرار المالي قد تؤثر في الاستثمار في البورصة وأسواق المال المصرية خصوصاً في المستقبل القريب".

هل يخفض المركزي سعر الفائدة؟
بحسب يعقوب، هذه السيناريوهات مرهونة بإعلان مصر تطبيق سياسة الترشيد واقتصاد الحرب، مستبعدةً أن يلجأ المركزي المصري إلى خفض سعر الفائدة في الفترة المقبلة، مثلما فعلت بعض البلدان العربية على خلفية خفض الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة، "فخفض الفائدة مرتبط بتراجع معدلات التضخم، فيما تبقى هذه المعدلات في مصر مرتفعة ومستمرة في الارتفاع في ظل رفع الحكومة الدعم عن المحروقات وأسعار الكهرباء والمياه".

ويذكر أن معدل التضخم في مصر سجل 26.4% في أيلول (سبتمبر)، ارتفاعاً من 26.2% في آب (أغسطس) الماضي، فيما يستهدف المركزي خفضه بين 5 و9% بنهاية الربع الأخير من العام الجاري.

الأكثر قراءة

سياسة 11/23/2024 7:37:00 AM
أعلن برنامج "مكافآت من أجل العدالة" عن مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار أميركي مقابل الإدلاء بمعلومات عن طلال حمية المعروف أيضاً باسم عصمت ميزاراني
سياسة 11/23/2024 9:48:00 AM
إسرائيل هاجمت فجر اليوم في بيروت مبنى كان يتواجد فيه رئيس قسم العمليات في "حزب الله"، محمد حيدر

اقرأ في النهار Premium