النهار

اتفاقية التجارة الحرّة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي: هل تقف أمام التحديات السياسية؟
باولا عطية
المصدر: النهار
دعوة إسبانيا وإيرلندا الى تعليق اتفاقية التجارة الحرّة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي تأتي ردّة فعل على العنف في غزة، مما يعكس توترات سياسية قد تؤثّر على العلاقات التجارية من دون المساس بالمصالح الاقتصادية الحيوية.
اتفاقية التجارة الحرّة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي: هل تقف أمام التحديات السياسية؟
تفاقية التجارة الحرّة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي
A+   A-

تعود اتفاقية التجارة الحرة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي إلى الواجهة في ظل تصاعد الأحداث في غزة ولبنان. فقد دعت كل من إسبانيا وإيرلندا إلى تعليق هذه الاتفاقية، مما يسلّط الضوء على التوترات السياسية وتأثيرها على العلاقات التجارية، في وقت تشهد فيه العلاقات الأوروبية - الاسرائيلية تذبذبات خصوصاً بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة، ودعوته إلى التوقف عن إمداد إسرائيل بالأسلحة الهجومية المستخدمة في قطاع غزة، وما تبعها من إجراءات فرنسية حظرت مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض تجاري عسكري في وقت سابق من العام الجاري. فما هي اتفاقية التجارة الحرة في اسرائيل وأوروبا؟ وما تأثير تعليقها على العلاقات السياسية والتجارية بين الطرفين؟

 

اتفاقية التجارة الحرة

وقّعت اتفاقية التجارة الحرة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي عام 1975، كجزء من علاقة الشراكة الأوسع بين الجانبين. تهدف الاتفاقية إلى تعزيز التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي، وقد جرى تحديثها في السنوات التالية لتعكس التطورات الاقتصادية والسياسية.

تُعتبر العلاقات التجارية بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي بين الأهم في المنطقة. في عام 2023، بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين حوالى 41.6 مليار يورو، مما يجعل الاتحاد الأوروبي أحد أكبر الشركاء التجاريين لإسرائيل. فيما تسيطر التجارة مع اسرائيل على 0.8% من إجمال تجارة الاتحاد الأوروبي من السلع، ويستحوذ الاتحاد على 28.8% من تجارة اسرائيل في السلع، وعلى 31.9% من وارداتها و25.6% من صادراتها.

تشمل الصادرات الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي مجموعة متنوعة من السلع، مثل التكنولوجيا المتقدمة، والمنتجات الزراعية، والأدوية. في المقابل، تستورد إسرائيل من دوله الآلات والمركبات والمواد الكيميائية.

في هذا الاطار، توضح الخبيرة الاقتصادية سابين كيك، في حديث الى "النهار"، أنّ "اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الاوروبي واسرائيل ترمي الى تعزيز التعاون التجاري بين الطرفين. وهي تتمحور بالنسبة الى الدول حول تعزيز قدراتها التنافسية ومعالجة اشكاليات حيوية في بنيتها مثل الطاقة النظيفة وحماية البيئة، اضافة إلى مسألة اساسية هي الأمن الغذائي، من دون ان تغيب في هذا السياق أهمية التعاون في مجالات التقنيات والتكنولوجيا والخدمات، إذ سارعت بريطانيا مثلاً، بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي، الى إجراء محادثات تجارة حرة مع إسرائيل لتعزيز هذا النوع من الخدمات بين البلدين". 

وتقول: "هذه الاتفاقات لطالما أقلقت المنظمات الدولية لعدم مراعاتها نظام الفصل العنصري، مما أتاح للمصدّرين الاسرائيليين تمرير بضائع المستوطنات على أنها إسرائيلية، وما استتبعها من انتهاك معاملة الحصص الناتجة من التعرفة الجمركية التي هي من مصلحة السلطات الفلسطينية. هذا مؤشر على مدى تمسك دول أوروبا بهذه الاتفاقية وغيرها، بما يضمن مصالح اقتصاداتها أولاً وأخيراً، وخصوصاً أن التأثيرات الاسرائيلية في اقتصادها تتخطى مستوى اتفاقات التبادل التجاري مع تغلغل اللوبيات اليهودية الضاغطة من الداخل في مراكز صنع القرارات المالية والمصرفية والصناعات الكبرى".

الدوافع وراء الدعوة الى تعليق الاتفاقية

تأتي دعوة إسبانيا وإيرلندا الى تعليق الاتفاقية في سياق تصاعد العنف في غزة والقلق من تداعياته الإنسانية. يُنظر إلى هذه الخطوة نوعاً من الضغط على إسرائيل للإمتثال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتوفير بيئة أكثر استقراراً للسلام.

فيما تعليق الاتفاقية قد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية خطيرة لكلا الجانبين. قد يواجه الاقتصاد الإسرائيلي تحديات كبيرة في حالة تراجع التبادل التجاري، بينما سيؤثر ذلك أيضاً على الشركات الأوروبية التي تعتمد على السوق الإسرائيلية.

وتشي الخبيرة الاقتصادية إلى أنّ "اسرائيل طرف فاعل وقوي في تنمية القدرات التنافسية الاقتصادية للاتحاد الاوروبي ضمن مجالات عدة منها الابحاث والابتكار والتكنولوجيا. لذلك، من غير المتوقع ان تصل التهديدات الأخيرة إلى مخاطر تؤثر على فعالية العلاقات الاقتصادية لأن العلاقة تبادلية والمصلحة مشتركة"، منوهة بأنّ "الاتحاد الاوروبي هو أكبر شريك تجاري لإسرائيل، فعلاقاتهما الاقتصادية نابضة في الاتجاهين، الصادرات والواردات. لذا، رغم كل المطبات التي مرّت بها تلك العلاقة في مراحل عدة، إلا أن مستوى الضغط بقي محدوداً نسبياً".

وتشدّد كيك على أنّ "الحماسة التي نسمعها اليوم وإن وصلت حدّ الإمتعاض أو الإدانة، غير أنها تقف حتماً قبل مرحلة المقاطعة الضاغطة، وبالتالي لن تردع إسرائيل عن عدوانها على لبنان وغزة. وهنا لا بد من الاشارة الى أن موقف بعض الدول الكبرى والمؤثرة في الاتحاد مثل ألمانيا لايزال في مكان مؤيّد لا بل داعم بالمطلق لإسرائيل".

في المحصّلة، تظل اتفاقية التجارة الحرة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي رمزاً للتعاون الاقتصادي، لكنها في الوقت نفسه تعكس التعقيدات السياسية القائمة. إن الدعوات الى تعليق الاتفاقية قد تفتح النقاش حيال سبل تحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية والاعتبارات الإنسانية في ظل الأزمات الحالية.

اقرأ في النهار Premium