النهار

واجه الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة تحديات كبيرة في قطاع الطاقة نتيجة لعوامل متعددة. من أبرزها الاعتماد الكبير على واردات الوقود الأحفوري من دول مثل روسيا، مما جعل الاتحاد عرضة لتقلبات الأسعار والصدمات السياسية، كما حدث بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022. دفعت هذه الأزمة الاتحاد إلى البحث عن حلول مستدامة للطاقة تسهم في تأمين مصادر الطاقة داخليًا وتقليل الاعتماد على الخارج.

تواجه دول الاتحاد الأوروبي ضغوطًا دولية ومحلية للالتزام بأهداف المناخ التي تفرضها اتفاقية باريس 2015 للحد من انبعاثات الكربون. وتنص الاتفاقية على وجوب تحقيق الاتحاد الأهداف البيئية المتعلقة بخفض الانبعاثات بنسبة 55% بحلول 2030 والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050. هذه الأهداف تشكل عاملًا محوريًا في تبني خطط للطاقة النظيفة أو البديلة.

كما يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات اقتصادية ضخمة من أحد أسبابها الرئيسية التغيير المناخي، حيث أكدت محكمة مراجعي الحسابات الأوروبية أن متوسط الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرفة في الاتحاد الأوروبي بلغ 26 مليار يورو سنويا على مدى العقد الماضي.

وقال تقرير نشرته المحكمة، وهي هيئة رسمية تابعة للاتحاد الأوروبي، إن تعرض اقتصاد الاتحاد الأوروبي الحالي للاحترار العالمي بمقدار 1.5- 3 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، من شأنه أن يؤدي إلى خسائر اقتصادية سنوية تتراوح بين 42 مليار يورو و 175 مليار يورو في السنوات القادمة.

أزمة الطاقة في الاتحاد الأوروبي

وأمام هذا الواقع، أطلق الاتحاد الأوروبي خطته للتحول نحو الطاقة النظيفة كجزء من "الصفقة الخضراء الأوروبية" التي تهدف إلى إعادة هيكلة النظام الاقتصادي ليكون أكثر استدامة. تعتمد الخطة على زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والشمس والطاقة المائية، وتخفيض استهلاك الوقود الأحفوري. من أبرز جوانب الخطة، تعزيز الاستثمارات في قطاعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح البحرية والبرية وزيادة الاعتماد على الطاقة الكهرومائية. وتطوير برامج لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة في المباني والصناعات من خلال استخدام تقنيات حديثة. فضلا عن تشجيع الاقتصاد الدائري، حيث  يعتمد هذا المحور على إعادة تدوير المواد وتقليل الهدر، مما يسهم في تقليل الانبعاثات الناتجة عن الصناعات الثقيلة، بالإضافة إلى تطوير تكنولوجيا تخزين الطاقة (مثل البطاريات) لضمان استمرارية الإمدادات من مصادر الطاقة المتجددة.

اعتبر الدكتور والمهندس، ماهر عزيز، استشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ، وعضو مجلس الطاقة العالمي، في حديثه لـ"النهار" أنّ "الاتحاد الأوروبي يتقدم بخطى كبيرة علي مسار التحول الطاقي باستراتيجية أوروبية  متكاملة فضلا عن استراتيجيات داخل كل دولة من دول الاتحاد لتحقيق التحول الطاقي بحلول عام 2050. وتستهدف هذه الاستراتيجيات خفض ما يزيد عن 80% من انبعاثات غازات الدفيئة من  مستواها عام 2010، وبذلك فإن الاتحاد الأوروبي يتبوأ مكانة عالمية متقدمة بين مناطق العالم المختلفة في جهود التحول الطاقي نحو عالم أقل في انبعاثات الكربون للحفاظ علي زيادة متوسط درجة حرارة جو الأرض دون 1.5 درجة مئوية".

دور بنك الهيدروجين 

وأحد المكونات الرئيسة لهذه الخطة هو بنك الهيدروجين منخفض الانبعاثات الكربونية الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي مؤخرًا، وأعلنت إيطاليا تأييدها لفكرة إنشاءه بشرط أن تتناسب مع متطلبات التكنولوجيات الحديثة.
هذا البنك يهدف إلى تسريع التحول نحو استخدام الهيدروجين كطاقة نظيفة، حيث يعتبر الهيدروجين من أفضل البدائل للطاقة الأحفورية خاصة في القطاعات التي يصعب تحويلها بالكامل إلى الطاقة المتجددة مثل الصناعة الثقيلة والطيران.

وشرح عضو مجلس الطاقة العالمي، أنه يقصد ببنك الهيدروجين "أماكن مجهزة لتخزين الهيدروجين تتوافر فيها كافة مواصفات التكنولوجيا والأمان التي تسمح بتخزين أكبر كمية ممكنة من الهيدروجين، وسيكون هذا البنك مماثلا  لأماكن تخزين الغاز الطبيعي التي يتم الاحتفاظ فيها بكميات ضخمة من الغاز تكفي الاستهلاك مدة لا تقل عن 90 يوما، أي تخزين يكفي لثلاثة شهور علي الأقل".

الفوائد الاقتصادية لهذه الخطوة  تتلخص برأي د. عزيز، في "ثبات الأسعار، وتجنب التقلبات السعرية أو الزيادات الفجائية فيها، وبالتالي تحقيق الكفاية الضرورية للاستخدام في قطاعات الاستهلاك المتعددة، مما يجنبها مغبة التعطل أو التوقف، ويسمح لها في الوقت ذاته بالاستمرارية الكفيلة بدعم استقرار العمليات الإنتاجية التي تعتمد علي استخدامات الهيدروجين لأغراض الحصول علي الطاقة الخضراء خفيضة الابتعاث الكربونية ".
يعمل بنك الهيدروجين على تقديم الدعم المالي والاستثماري لمشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي يتم إنتاجه من مصادر متجددة دون انبعاثات كربونية. كما يسهم البنك في تمويل الأبحاث وتطوير البنية التحتية المطلوبة لنقل وتخزين الهيدروجين، وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء لضمان تحقيق أهداف الاتحاد الطموحة في مجال الطاقة.

تعتمد آلية التمويل بحسب استشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ، على "الوسائط المالية المعتمدة التي ثبتت فاعليتها في تمويل الطاقات الجديدة والمتجددة، والتي ساعدت علي نشرها وتوسيع نطاق استخدامها، ولعل أقربها الصناديق الخاصة التي توفر التمويل المطلوب بمشارطات جيدة حافزة علي الاستدامة، وهذه الصناديق الخاصة تقدم للدول الأوروبية فرصا جيدة للتعاون والتضافر وتعزيز مساهماتها المالية التعاونية في اتجاه تأسيس بنك الهيدروجين".

في المحصّلة، تعد خطة الاتحاد الأوروبي للتحول نحو الطاقة النظيفة استراتيجية حيوية لمواجهة أزمة الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. ورغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه الاتحاد، فإن استثمار الاتحاد في التكنولوجيا النظيفة والبنية التحتية، بما في ذلك بنك الهيدروجين منخفض الانبعاثات، يعزز من قدرته على تحقيق الأهداف البيئية وضمان استدامة إمدادات الطاقة في المستقبل.