بعد أيام من استهدافها سوق النبطية بأماكنه التراثية والشعبية، ضربت آلة التدمير الإسرائيلية العصب الاقتصادي للمحافظة وجوارها، محوّلة العمران الحديث في شارع حسن كامل الصباح ساحة دمار شملت عدداً من المصارف والمراكز التجارية، ثم استكملت ذلك باستهداف "الرئة الصناعية" في مرج حاروف الذي يبعد من وسط النبطية نحو خمس دقائق بالسيارة.
امتازت النبطية بتداخل عمرانها القديم مع الجديد في شارع حسن كامل الصباح، وخصوصاً بعدما شيّد العديد من المغتربين المراكز التجارية لتكون متنفساً يتناسب مع النمو السكاني والحاجة لتوسع السوق التجاري بالتوازي مع ازدهار القطاع المصرفي.
من هنا كانت الضربة الإسرائيلية اقتصادية بامتياز، إذ دمرت محطة خياط الصبوري للمحروقات القائمة وسط هذا المربع، ليحدث انفجار مادة البنزين واحتراق المازوت دماراً إضافياً طاول سنتر البيطار الذي يضم أضخم محال الألعاب والأدوات المنزلية والعيادات الطبية، كما طال الدمار سنتر ماجد ريحان الذي يضم شركات الهندسة والبورصة والأندية الرياضية والمصارف وشركات التأمين.
أما مرج حاروف فهو أحد أشهر أماكن بيع قطع السيارات وكل ما يتعلق بهذا القطاع في لبنان، واستهدفت الغارات عشرات المحال والمشاغل الصناعية من حدادة السيارات وتصليح الدواليب وبيعها والزيوت والمخارط والمناشر ومحال المفروشات، محدثة دماراً هائلاً امتد من بلدة زبدين وصولاً الى دوار حاروف، وهي مسافة تضمّ عشرات المؤسسات الصناعية والحرفية.
يرى نائب رئيس الاتحاد العمالي العام حسن فقيه أن "ما يحصل هو استهداف ممنهج من المنطقة الحدودية وصولاً الى النبطية وصور، حيث تدمر يومياً آلاف المؤسسات بهدف إفقاد أصحابها مورد رزقهم، ناهيك عن تسريح آلاف العمال لجعلهم بلا مأوى لاحقاً"، لافتاً إلى أن "هذا العدوان تزامن مع نكبة مزارعي التبغ والزيتون الذين فقدوا حقولهم وهم شريحة واسعة من أهل الجنوب. فالعدو يحاول جعل الحياة مستعصية بشقيها الاقتصادي والزراعي بعد العدوان في كل الجنوب".
وشدد فقيه على أن "ما يجري هو تدمير كامل لكل المناطق الحيوية مثل المنطقة الصناعية في مرج حاروف والحوش في صور. هذا نموذج من العدوان لم نألفه في الحروب السابقة ويعبّر عن الوجه الحقيقي للعدو الذي يستهدفنا بتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا من خلال ارتكاب المجازر وتدمير الحجر بما يعنيه من مقومات استمرار الحياة، ظناً منه أن ذلك سيعوّق حركة العودة إلى الجنوب".
وفي هذا السياق يلفت خبراء اقتصاديون إلى أن استمرار العدوان الإسرائيلي بمنهجيته المستهدفة لكل مقومات الحياة الاقتصادية والاجتماعية في النبطية وقراها سيعوّق فعلاً عودة آلاف العمال وأصحاب العمل إلى مصادر رزقهم، ويضيف أطناناً من الخسائر المادية على كاهل الجنوبيين. فهل من خطة لمن هم في سدة المسؤولية تلحظ ذلك بعيداً من الاكتفاء بإعادة بناء ما تهدم؟