محطة براكة للطاقة النووية السلمية في الإمارات
تتسابق دول منطقة الخليج الستة لامتلاك محطات نووية سواء كبيرة مثل محطات براكة التي أنشأتها الإمارات أو صغيرة مثل المحطات التي تعمل عليها السعودية بغرض الأبحاث والتدريب. فالجميع حالياً يضع الطاقة النووية نصب عينيه كبديل آمن واستراتيجي لحماية البيئة من الانبعاثات الكربونية وضمان أمن الطاقة المستدامة، في ظل تراجع احتياطيات النفط عالمياً.
ووفقًا لتقديرات دراسة توقعات الطاقة العالمية من قبل وكالة الطاقة الدولية، ينفد النفط خلال 53 عاماً، والغاز الطبيعي خلال 54 عاماً، والفحم خلال 110 أعوام. فهل تنجح منطقة الخليج في مهمة تأمين الطاقة؟ وكيف ستتعامل مع النفيات النووية؟ وما هي التحديات التي تواجهها؟ وهل تتغير خريطة الطاقة في المنطقة خلال العقد المقبل ويظهر لاعبين عرب بارزين في إنتاج الطاقة النووية؟ ولماذا تتجه شركات التكنولوجيا العملاقة نحو المفاعلات النووية الصغيرة؟.
لماذا الطاقة النووية؟
تمثل الطاقة النووية مصدراً رئيسياً للطاقة العالمية، حيث تساهم بنسبة 20% من إجمالي الإنتاج العالمي للكهرباء، ويستثمر العالم أكثر من 100 مليار دولار سنوياً في قطاع الطاقة البديلة والمتجددة، وسط توقعات بوصول هذا المبلغ إلى ثلاثة تريليونات دولار بحلول عام 2030.
وشهد قطاع الطاقة النووية عالمياً نمواً متسارعاً منذ إنشاء أول محطة نووية في منطقة "أوبننسك" الروسية في عام 1954، تلتها بريطانيا في محطة "كالدرهول" في عام 1956 بطاقة 50 ميغاواط، ثم مفاعل "شبنغبورت لتوليد الكهرباء" بنهاية عام 1957، ليصل إجمالي المفاعلات النووية عالمياً إلى 440 مفاعلاً عاملاً في 31 دولة حالياً، توّلد أكثر من سِدس الكهرباء في العالم، ما يوفر 1,8 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون المضر للبيئة.
ثمة نحو 17 بلداً تعتمد على الطاقة النووية في توليد أكثر من ربع حاجتها من الكهرباء، وتوّلد فرنسا 78% من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية بالطاقة النووية.
وتتميز الطاقة النووية بكفاءتها العالية وقلة النفايات الناتجة عنها مقارنة بمصادر الطاقة التقليدية، كما أنها لا تساهم في التلوث الهوائي أو الاحتباس الحراري؛ لأنها لا تنتج أياً من أكاسيد الكبريت أو النيتروجين أو الجسيمات الملوثة للبيئة، ومع ذلك، تواجه هذه الصناعة تحديات تتمثل في العمر الافتراضي المحدود للمفاعلات النووية وهو 40 عاماً فقط، وإدارة النفايات النووية.
وتُعتبر الطاقة النووية حلاً واعداً لمشكلة ندرة المياه العذبة، حيث يمكن استخدامها في تحلية مياه البحر لتلبية الاحتياجات المتزايدة للمياه الصالحة للشرب والزراعة.
وبالسؤال عن كيفية التخلص من النفايات النووية، يتم التعامل مع الوقود النووي المستنفد من خلال إنشاء مستودعات التخزين الجاف، باستخدام أوعية خاصة معدة لحفظ الوقود لمدة تبلغ 100 عام، على أن يتم دفنه بالطريقة المتبعة عالميا، وذلك بحسب تقرير المجلس الأعلى للاستخدامات السلمية للطاقة النووية بمصر.
الإمارات تتصدر
تُعد الإمارات الدولة الخليجية الأولى من حيث حجم إنتاج الطاقة من مفاعلات براكة النووية السلمية التي تقع في أبوظبي على الساحل باتجاه السعودية وقطر، وتقدر تكلفة إنشائها 24,5 مليار دولار، وتم تشغيل المرحلة الأولى منها عام 2021، وفي 5 أيلول (سبتمبر) 2024 أعلنت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية عن بدء التشغيل التجاري للمحطة الرابعة من المشروع، ليصبح إجمالي إنتاج محطات براكة الأربعة الآن 40 تيراواط في الساعة من الكهرباء سنوياً، وما يصل إلى 25% من احتياجات الإمارات من الكهرباء من دون انبعاثات كربونية، وهو ما يكفي احتياجات 16 مليون سيارة كهربائية، وتحد محطات براكة من 22,4 مليون طن من الانبعاثات الكربونية في كل عام، ما يعادل إزالة 4,6 ملايين سيارة من الطرق سنوياً.
وعلّق خلدون خليفة المبارك، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، على افتتاح المرحلة الرابعة من المشروع قائلاً: "تعد الطاقة النووية من القطاعات الجاذبة للصناعات العالمية التي تتطلب كميات ضخمة من الكهرباء".
في السياق نفسه، قال محمد إبراهيم الحمادي، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية، إن محطات براكة أصبحت نموذجاً عالمياً جديداً، وأن الطاقة النووية مُجدية اقتصاديًا ويمكن تطويرها بكفاءة، حيث بدأت مرحلة التشغيل التجاري لمحطات براكة في غضون ثماني سنوات.
ورغم ما حققته الإمارات من إنجاز في مشروع براكة النووي لإنتاج طاقة كهربائية نظيفة، كشفت وكالة رويترز البريطانية في 17 تموز (يوليو) 2024، عن اعتزام الإمارات طرح عروض خلال العام الجاري لبناء محطة نووية جديدة مكونة من 4 مفاعلات جديدة، وذلك من أجل بدء تشغيل المحطة الجديدة بحلول عام 2032 لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في البلاد.
وكانت الإمارات واحدة من الدول التي وقّعت اتفاقاً في قمة المناخ "كوب 28" التي عُقدت في دبي، أواخر العام الماضي، حول زيادة إنتاج الطاقة النووية العالمية إلى 3 أضعاف، خلال العقود الأربعة المقبلة.
السعودية تبني مفاعلاتها
أطلقت السعودية في آذار (مارس) 2018 برنامجًا وطنيًا للطاقة الذرية يهدف إلى بناء 16 محطة للطاقة النووية على الأقل على مدى العقدين المقبلين، ولعبت شركة أرامكو السعودية دورًا حاسمًا للغاية في هذا الملف، لتصبح واحدة من أبرز اللاعبين في تطوير الطاقة النووية بالمملكة، حيث تعتزم البدء بمفاعلين فقط خلال العشرين عاماً المقبلة.
وفي آب (أغسطس) 2024 أعلنت السعودية عن زيادة تعاونها مع هيئة الرقابة النووية العالمية، ونشر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، التي مقرها في فيينا، تغريدة على حسابه الشخصي بموقع إكس يوم 7 آب (أغسطس) قال خلالها "بينما تكون الأنشطة النووية جاهزة للنمو في السعودية، فإن تسهيل عمل موظفي الوكالة الدولية للطاقة الذرية عند قيامهم بواجباتهم هو أمر أساسي. واليوم، أودعت السعودية وثيقة قبول اتفاق امتيازات وحصانات لصالح الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يوفر الحماية لموظفينا".
وتعني الوثيقة السعودية وقف العمل ببروتوكول الكميات الصغيرة، الذي كان يعفي المملكة من إجراءات التفتيش الموسعة على الأنشطة النووية والتحول إلى التطبيق الكامل لاتفاق الضمانات الشاملة الذي يمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية الحرية الكاملة في مراقبة وتفتيش المنشآت النووية، حيث تسعى المملكة للاستفادة من احتياطياتها الهائلة من اليورانيوم في استخدامات الطاقة النووية السلمية، لتتمكن من تصدير غالبية نفطها المصنف من بين الأرخص إنتاجاً في العالم، ومن ثم تمويل تحولها إلى اقتصاد أكثر تنويعاً وأقل تلويثاً للبيئة.
وتعتزم السعودية استضافة مؤتمر دولي للطوارئ النووية تنظمه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بنهاية عام 2025 في العاصمة الرياض، لمناقشة للطوارئ النووية والإشعاعية وتعزيز القدرة على مواجهتها، بحسب تصريحات وزير الطاقة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، خلال مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المنعقد في العاصمة النمساوية فيينا.
ويقول الخبير في الشؤون السعودية سيباستيان سونز من المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية، إن السعودية تحاول التخلص من اعتمادها الاقتصادي على النفط، الذي لا يزال تصديره يشكل 80% من عائدات المملكة، وهناك جهود ضخمة، حيث يلعب مجال الطاقة النووية دوراً رئيسياً في التحول عن الاقتصاد النفطي، مضيفاً أن المملكة تعتمد هنا على التعاون مع شركاء آخرين، وخاصة الولايات المتحدة. ويوجد تعاون وثيق بين الصين والسعودية في مجال استكشاف موارد اليورانيوم في المملكة، وتوقيع العديد من الاتفاقيات في هذا المجال، لكن باحثين قالوا إن الرياض تفضل الحصول على الدعم في مجال الطاقة النووية من الولايات المتحدة، بحسب بي بي سي.
الكويت تحاول
أعلنت الكويت في أيلول (سبتمبر) 2010 عن نيتها لإنشاء 4 مفاعلات نووية سلمية، وذلك بعدما وقعت الكويت اتفاقية للتعاون النووي مع فرنسا في نيسان من العام نفسه، لكن في آذار (مارس) 2011 قررت الكويت وقف أعمال اللجنة الوطنية للطاقة النووية التي أسستها في مارس 2009، وإرجاء خططها لدراسة إدخال الطاقة النووية في قطاع إنتاج الطاقة الكهربائية بعد المخاوف حيال السلامة في محطات إنتاج الطاقة النووية في اليابان والتسريبات الإشعاعية الناتجة عن مفاعل "فوكوشيما دايشي" الياباني جراء الزلزال.
حاولت الكويت أن يكون لها حصة في شركات لتصنيع المفاعلات النووية أجنبية، وفي عام 2010 دفع صندوق الثروة السيادية الكويتي وهو أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم 600 مليون يورو (712 مليون دولار) مقابل حصته البالغة 4.82% في شركة تصنيع المفاعلات النووية الفرنسية أريفا (Areva)، لكن أسهم الشركة هبطت منذ ذلك الحين مع محو حقوق الملكية بسبب سنوات من الخسائر، واضطرت الكويت عام 2017 لبيع أسهمها في الشركة بخسارة فادحة.
وبعد كل ما سبق، لا يُعد استخدام الطاقة النووية خياراً سياسياً مطروحاً حالياً في الكويت.
عمان وقطر والبحرين.. البداية
تسعى كل من الدول الخليجية الثلاث، سلطنة عُمان وقطر والبحرين، إلى المشاركة في السباق النووي الخليجي، من خلال الاعتماد على المفاعلات النووية الصغيرة (Small Modular Reactors)، وهي مفاعلات نووية متطورة وصغير الحجم، وبتكلفة أقل بكثير من تكلفة المفاعلات الكبيرة، ومن السهل تجميعها ونقلها لأي مكان، وتبلغ إنتاجية المفاعل الواحد نحو 300 ميغاواط.
أصبحت عُمان في عام 2009 عضوة في شراكة الطاقة النووية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، كما وقّعت اتفاقية تعاون أمني مع روسيا.
وفي عام 2019 كشفت هيئة الاستثمار القطرية النقاب عن استثمارات بقيمة 108 ملايين دولار مقابل حصة 10% في مشروع مدعوم من الحكومة البريطانية يهدف إلى تطوير محطات طاقة نووية صغيرة، كل منها قادر على توفير الكهرباء لمليون منزل.
والأمر نفسه تسعى له البحرين، حيث تتبنّى تقنية المفاعلات المعيارية الصغيرة بغرض تحقيق فوائد مالية وتجارية، لكن الأمر لا يزال قيد الدراسة.
شهية عمالقة التكنولوجيا
وقعت شركة غوغل في 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2024 صفقة مع شركة كايروس باور (Kairos Power) لاستخدام مفاعلات نووية صغيرة لتوليد كميات هائلة من الطاقة اللازمة لتشغيل مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، ومن المقرر البدء في استخدام أول مفاعل هذا العقد وتشغيل المزيد من المفاعلات بحلول عام 2035.
وقال مايكل تيريل، المدير الأول للطاقة والمناخ في غوغل "تحتاج الشبكة إلى مصادر كهرباء جديدة لدعم تقنيات الذكاء الاصطناعي"، بحسب تقرير نشرته بي بي سي.
وعلى شاكلة غوغل، وقعت شركة أمازون عبر زراعها التكنولوجية شركة أمازون ويب سيرفيسز (Amazon Web Services) ثلاث اتفاقيات جديدة لدعم تطوير مشاريع الطاقة النووية - بما في ذلك تمكين بناء العديد من المفاعلات النووية الصغيرة الجديدة باستثمارات تتخطى 500 مليون دولار، بحسب سي إن بي سي.
وفي أكتوبر 2023، نشرت مايكروسوفت وظيفة شاغرة لشغل منصب "مدير برنامج رئيسي، تكنولوجيا نووية"، يتضمن هذا الدور قيادة تطوير وتنفيذ استراتيجية عالمية للمفاعلات النووية الصغيرة والمفاعلات الدقيقة، وتتضمن المسؤولية الأساسية قيادة التقييم الفني لدمج تقنيات المفاعلات النووية الصغيرة والمفاعلات الدقيقة لتشغيل مراكز البيانات التي تستضيف البنية التحتية السحابية والذكاء الاصطناعي لشركة مايكروسوفت.