فرضت الحرب المستمرة بمنطقة الشرق الأوسط واتساع دائرة الصراع من قطاع غزة إلى جنوب لبنان تحديات كبيرة أمام الاقتصاد الأردني بمختلف قطاعاته، خلال توقيت شهد محاولات لتخطي التداعيات السلبية لجائحة كورونا وإنعكاساتها على كافة المؤشرات وعناصر المنظومة الاقتصادية.
وباتت الأردن خلال المرحلة الحالية أمام قائمة من التحديات الاقتصادية غير المسبوقة سواء على الصعيد الداخلي وما تشهده من تراجع معدلات النمو والقفزات المستمرة على صعيد كلفة الديون ومعدلات البطالة، بالإضافة إلى تحديات خارجية ذات تأثير سلبي مباشر على مجموعة من القطاعات والأنشطة الاقتصادية.
ووفقاً لدراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من المتوقع أن ترتفع التكلفة الاقتصادية للحرب بين إسرائيل في غزة وجنوب لبنان على الدول العربية المجاورة متمثلة في الأردن ومصر ولبنان، إلى ما لا يقل عن 10 مليارات دولار هذا العام.
هذا ويعتبر قطاع السياحة أحد أكثر القطاعات تأثراً بتداعيات الحرب، حيث انخفضت إيرادات القطاع بنسبة 20% على أساس سنوي خلال النصف الأول من 2024، في ضوء تراجع أعداد السياح الوافدين، مع تزايد المخاوف الأمنية وتأثيرات التوترات الإقليمية، وذلك وفقاً لبيانات وزارة السياحة الأردنية.
كما انخفضت معدلات إشغال الفنادق بنسب تتراوح بين 50 و75% منذ بداية الحرب، لتلقي بظلالها بصورة سلبية على العاملين في القطاع، وفقاً لتقارير جمعية الفنادق الأردنية.
تداعيات مباشرة
وتعقيباً على ذلك، يقول المحلل الاقتصادي الأردني، حسام عايش في تصريحات خاصة لـ "النهار " أن المرحلة الحالية تشهد تأثر أغلب اقتصاديات دول المنطقة بما فيها الاقتصاد الأردني بتداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة والحرب الإضافية على لبنان، بالإضافة إلى تأثير حالة عدم اليقين التي تواجهها المنطقة في حالة توسع الحرب إلى حرب إقليمية من الصعب التنبؤ بنتائجها المترتبة عليها.
أضاف أن الوضع الاقتصادي في الأردن تأثر بقوة، وهو ما يعكسه وضع قطاع السياحة وتراجع أعداد التدفقات الخارجية، وبالتالي التأثير سلباً على معدل النمو الاقتصادي، مؤكداً أن معدلات النمو بدأت في التراجع مع بداية الحرب خلال الربع الأخير من العام الماضي، وبالتالي تم خفض التقديرات المستقبلية بشأن معدلات النمو.
وأشار إلى أن الأردن تواجه بجانب ذلك تحديات على صعيد ارتفاع أسعار الطاقة والغاز وارتفاع معدلات البطالة، وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الربع الأول من العام الجاري، وهو ما تبعه توقف مشاريع استثمارية كانت تعول الأردن عليها الكثير، إضافة إلى تغير طبيعة النمط الاستهلاكي للمجتمع الأردني والاتجاه نحو الاحتفاظ بالسيولة ترقباً للأحداث غير المتوقعة من استمرار الحرب الإسرائيلية في فلسطين ولبنان وربما الحرب الإقليمية الواسعة.
تأثر معدلات النمو
في السياق ذاته، تتوقع وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني تأثر النمو الاقتصادي الأردني خلال العام الجاري 2024، نتيجة عدد من المخاطر الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.
أضافت الوكالة في تقريرها، أنه من المتوقع أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الأردن 2.2% خلال عام 2024، بانخفاض من 2.6% خلال عام 2023، وأقل من متوسط ما قبل الجائحة والذي بلغ 2.4%.
كما تشير بيانات دائرة الإحصاءات العامة إلى أن النمو الاقتصادي تباطأ إلى 2% على أساس سنوي، خلال الربع الأول من 2024، من 2.3 في المائة خلال الربع الأخير من عام 2023.
بدائل ومسارات
واتساقاً مع تطورات الأوضاع ومحاولات مواجهتها، يستعرض عايش أبرز البدائل والمسارات الحالية لتقليل الأثر السلبي الحالي على المنظومة الاقتصادية، مؤكداً أنه في ضوء هذه الظروف الصعبة تمثل قطاعات الاقتصاد الحقيقية من الزراعة والصناعة الضمانة لاستمرار الأداء الاقتصادي والمعيشي.
أضاف أن المرحلة الحالية وما تشهدها من تقليل حجم الإنفاق على السلع المستوردة تمثل توجه إيجابي وتتطلب سياسات تدعم التحولات الاستهلاكية للمواطنين الأردنيين نحو السلع الوطنية والإنتاج المحلي، بهدف دعم القطاع الصناعي بقوة، إضافة إلى ضرورة إتاحة حوافز للقطاعات التي حاولت أن تكون بديلة للسلع المستوردة، مع وضع خطط طوارىء بديلة وتوجيه نفقات الموازنة لأولويات قد تطرأ من هذه التداعيات، فضلاً عن التفكير فى أساسيات دعم الإنتاج الوطني.