مع اتساع رقعة الصراع واستمرار وتيرة التوترات الجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط، تتضاعف الإنعكاسات السلبية المباشرة وتتقلص فرص تحقيق مخططات التنمية لدى اقتصادات دول الجوار، ترقباً لما ستسفر عنها التوترات والأوضاع المتسارعة.
وتعد مصر أحد هذه الاقتصادات التي تأثرت بصورة مباشرة وسريعة من تلك التوترات التي تشهدها المنطقة على العديد من القطاعات والأنشطة خلال الفترات الأخيرة، مثلت أبرزها فقد قناة السويس أحد الموارد الحيوية لمنظومة الاقتصاد المصري، أكثر من 50 إلى 60 بالمئة من إيراداتها خلال نحو 8 أشهر الماضية، بحجم خسائر يُقدر بأكثر من 6 مليارات دولار، وفقاً لتصريحات الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي.
وأضاف الرئيس المصري، إن ما تمر به المنطقة أدى إلى خسائر كبيرة لاسيما لقناة السويس وهو أمر يدعو إلى القلق، والانتباه في الوقت نفسه، وذلك لعدم الانسياق وراء الأحداث، بما يجنب مصر خطر الانزلاق إلى الصراع المتفاقم في المنطقة.
هذا وتشهد منطقة الشرق الأوسط توترات وأحداث غير مسبوقة على مدى عام كامل، وبالتحديد منذ اندلاع حرب غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، بالإضافة إلى ما شهدتها من هجمات الحوثيين وتجنب عدد من شركات الشحن العالمية المرور من البحر الأحمر، وتحويل مسار ناقلاتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
ووفقاً لعدد من الخبراء الاقتصاديين في تصريحات خاصة لـ"النهار العربي" فأن مصر أمامها 6 بدائل حيوية لدعم قدرتها على مواجهة انعكاسات توترات المنطقة ودعم منظومتها الاقتصادية في مواصلة خطط الإصلاح، متمثلة في تنويع مصادر الطاقة، تحفيز الاستثمار المحلي، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الآمنة.
أضاف الخبراء أن رابع تلك البدائل يتمثل في تنمية الصناعة المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات، بالإضافة إلى تعزيز قدراتها الإنتاجية الزراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في السلع الأساسية لتجنب أزمات غذائية، وأخيراً اتباع سياسة مالية تهدف إلى تقليل الاعتماد على الديون الخارجية والاستثمار في البنية التحتية الإنتاجية.
انعكاسات قوية
وتعقيباً على ذلك، يؤكد الدكتور أحمد العجمي، أستاذ الاقتصاد والمالية العامة بكلية الدراسات القانونية والمعاملات الدولية في جامعة فاروس، لـ"النهار العربي" أن تسارع وتيرة التوترات الجيوسياسية في المنطقة تسببت في إنعكاسات سلبية مباشرة وسريعة على منظومة الاقتصاد العالمي ككل على صعيد ارتفاع أسعار النفط وما يتبعه من تأثر سلاسل الإمداد والأسعار.
أضاف أن اقتصادات دول المنطقة ومنها مصر يتضاعف حجم التأثير المباشر عليها، مشيرًا إلى أن أبرز ملامح ذلك التأثر تراجع إيرادات قناة السويس، في ضوء الهجمات على السفن العابرة، بالإضافة إلى التأثير السلبي على قطاع السياحة في مصر، كما تنضم للقائمة معدلات تدفق الاستثمارات لمصر في ضوء تخوفات وتأجيل المستثمرين قراراتهم الاستثمارية في الدول المحيطة بالمنطقة ترقباً لما ستسفر عنه التطورات الفترات القادمة.
وأوضح أن استمرار حدة التوترات الحالية في المنطقة ستتسبب في ارتفاع تكلفة الشحن بصورة غير مسبوقة لاسيما في ضوء حجم المخاطر التي تواجهها الشركات في تلك المنطقة وإرتفاع كلفة التأمين على البضائع وبالتالي قفزة سعرية كبيرة خلال المرحلة المقبلة على صعيد الخدمات والمنتجات ينعكس بصورة سلبية على اقتصاديات دول المنطقة ومنها مصر وتؤثر على السلع والخدمات الأساسية.
قناة السويس
وبحسب بيان هيئة قناة السويس منتصف تموز (يوليو) الماضي، فإن إحصائيات الملاحة خلال العام المالي 2023/ 2024 سجلت عبور 20148 سفينة بإجمالي حمولات صافية قدرها مليار طن محققة إيرادات قدرها 7.2 مليار دولار، مقابل عبور 25911 سفينة خلال العام المالي 2022/ 2023 بإجمالي حمولات صافية 1.5 مليار طن، محققة إيرادات قدرها 9.4 مليار دولار.
تأثير مباشر
واستكمالاً للحديث، يتفق الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي مع تصريحات الدكتور أحمد العجمي، بشأن تأثير التوترات الجيوسياسية الراهنة بشكل كبير ومباشر على منظومة الاقتصاد المصري، سواء من خلال التأثير على الاستثمارات الأجنبية، السياحة، أسعار الطاقة، أو على صعيد التجارة الدولية.
أضاف أن أبرز ملامح انعكاس هذه التوترات على السوق المصري والمستهدفات الاقتصادية خلال المرحلة الأخيرة والمقبلة تتمثل في 4 إنعكاسات وهي انخفاض التدفقات الاستثمارية، حيث تؤدي التوترات في المنطقة إلى حالة من عدم اليقين لدى المستثمرين الأجانب، وبالتالي الابتعاد عن الأسواق التي تعاني من عدم استقرار سياسي أو جغرافي، وهو ما يؤثر سلبًا على التدفقات الاستثمارية التي تحتاجها مصر لتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
أشار إلى أن ثاني تلك الانعكاسات تتمثل في ارتفاع أسعار الطاقة، حيث تؤدي استمرار التوترات في مناطق إنتاج النفط والغاز عادة إلى ارتفاع أسعار الطاقة، وهو ما قد يزيد من تكلفة الإنتاج في مصر ويؤثر على القدرة التنافسية للصادرات المصرية ويزيد من الضغط على الميزانية العامة للدولة، فيما يتمثل الإنعكاس الثالث في التأثير على السياحة، خاصة وأن مصر تعتمد على السياحة كمصدر رئيسي للدخل القومي، وتؤدي التوترات في المنطقة إلى تقليص أعداد السياح، خصوصًا إذا ارتبطت تلك التوترات بأحداث عنف أو تهديدات أمنية.
وأوضح أن رابع تلك الإنعكاسات يتمثل في اضطرابات سلاسل التوريد، حيث تؤثر التوترات على سلاسل التوريد، خاصة في قطاعي الغذاء والطاقة، مما يزيد من الضغط على الحكومة لتأمين احتياجاتها الأساسية.
بدائل لتخطي المرحلة
هذا وتفرض استمرار دائرة الحرب في منطقة الشرق الأوسط، على دول الجوار البدء في البحث عن بدائل وحلول سريعة لتفادي إنعكاسات التوترات القوية والسلبية، لاسيما مع توقعات اتساع رقعة دائرة الصراع في المنطقة في ظل عدم وجود بوادر لحل الأزمات الراهنة.
وبالحديث عن ذلك، يستعرض الدكتور علي الإدريسي، أبرز البدائل والتوصيات الداعمة لقدرة مصر على تخطي هذه التحديات والإنعكاسات السلبية متمثلة في تنويع مصادر الطاقة، حيث يمكن لمصر أن تركز على تطوير مشاريع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتقليل الاعتماد على واردات النفط والغاز التي قد تتأثر بالتوترات الجيوسياسية.
وأضاف أن ثاني البدائل تحفيز الاستثمار المحلي، حيث يدعم خيار تعزيز الدعم للشركات المحلية وتحفيز الاستثمار المحلي إلى تقليل الاعتماد على رؤوس الأموال الأجنبية، مع توفير بيئة استثمارية مستقرة للشركات الوطنية، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الآمنة، بما يسهم في توسيع نطاق علاقاتها التجارية مع الدول التي تتمتع باستقرار سياسي واقتصادي، وبالتالي تقليل التأثيرات السلبية للتوترات الإقليمية.
بالإضافة إلى سرعة العمل على تنمية الصناعة المحلية، من خلال التركيز على تعزيز الصناعة المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات، ما يقلل من تأثير أي اضطراب في سلاسل التوريد العالمية، وذلك بالتوازي مع تطوير قطاع الزراعة والأمن الغذائي، في ظل التوترات بما يسهم في تعزيز قدراتها الإنتاجية الزراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في السلع الأساسية لتجنب أزمات غذائية، وأخيراً اتباع سياسة مالية تهدف إلى تقليل الاعتماد على الديون الخارجية والاستثمار في البنية التحتية الإنتاجية.