دول مجموعة بريكس
راهنت موسكو من خلال قمة بريكس السادسة عشرة التي عقدت في مركز المعارض الدولي "قازان إكسبو"، في الفترة الممتدة من 22 و24 تشرين الأول (أكتوبر) ، على تحقيق خرق جديد في توجهها نحو وضع أسس لنظام مالي عالمي جديد، يهدف إلى مواجهة الأحادية القطبية والهيمنة الأميركية على الاقتصاد العالمي، وفعلا تمكنت روسيا من كسب الرهان، في شكل ومضمون القمة.
فمن ناحية الشكل، تُعد القمة أكبر تجمع لزعماء العالم في روسيا منذ عقود، حيث شارك في الاجتماعات 36 دولة، بينها 22 على أعلى مستوى وقيادات 6 منظمات دولية، ناقشوا قضايا التفاعل بين دول الأغلبية العالمية، في حل الأزمات الملحة، بما في ذلك تحسين بنية العلاقات الدولية، وضمان التنمية المستدامة للأمن الغذائي والطاقة، بالإضافة إلى الوضع المتفاقم في الشرق الأوسط . فيما ارتفع عدد دول بريكس من 5 وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، إلى 10 بعد انضمام الإمارات والسعودية وايران ومصر وإثيوبيا. وبالتالي أصبحت بريكس تضم 4 من أسرع الاقتصادات نموا في العالم. وشارك في القمة أيضا زعماء العديد من الدول الأخرى التي أبدت اهتماما بتعميق العلاقات مع مجموعة البريكس، ووصل عددها إلى 30 دولة، بمن فيهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الفيتنامي فام مينه تشينه.
أما المفاجأة الأكبر، حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اجتماع القمة، بعد أن رفض دعوة لحضور قمة السلام التي تدعمها أوكرانيا في سويسرا. علما أن هناك مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بتاريخ آذار (مارس) 2023، تتهمه بارتكاب جريمة حرب تتمثل في ترحيل الأطفال بشكل غير قانوني من أوكرانيا. ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول موقف غوتيريش الحقيقي من الصراع الأزكراتني الروسي.
نظام تسوية جديد
أمّا من ناحية المضمون، فسجّلت القمّة أهدافا اقتصادية في مرمى الغرب. وأهمّ ما تمّ تناوله في الاجتماع هو إطلاق عملة جديدة لبلدان المجموعة ونظام تسوية مالي دولي جديد. حيث من المقرر أن يتم بناء نظام مدفوعات "جسر بريكس" في غضون عام، مما سيسمح للدول بإجراء تسوية عبر الحدود باستخدام منصات رقمية تديرها بنوكها المركزية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ بعض دول الأعضاء في بريكس كانت قد بدأت بالفعل بالاستغناء شيئا فشيئا عن الدولار كعملة دفع، حيث اعتمدت البرازيل والأرجنتين تجربة مدفوعات بعيدة عن الدولار بالإضافة إلى تجربة التعامل بالعملات المحلية بين الإمارات والهند وروسيا والصين، خاصة في قطاع الطاقة، إضافة إلى تجربة التعامل بالعملات الرقمية (عملة عابر) بين المركز المصرفي الإماراتي والسعودي.
ولعلّ أبرز الأسباب التي دفعت وتدفع بالدول إلى التخلّص من الدولار، هو استخدام الغرب أدوات التمويل العالمي كسلاح اقتصادي ضد كل دولة لا تخضع لشروطه وهو ما يمكن وصفه بالإكراه الاقتصادي، بعد أن ارتفع عدد الأشخاص الخاضعين للعقوبات الأميركية بأكثر من 900% إلى نحو 9400 شخص حتى عام 2021، وفق ما ذكرت صحيفة إيكونوميست البريطانية.
بورصة الحبوب
ومن النقاط الأساسية التي أثارتها قمّة بريكس، طرح بوتين تأسيس بورصة حبوب وإطلاق منصة استثمارية جديدة للمجموعة، كون عدد من دول "بريكس" تعد من بين كبار منتجي الحبوب والبقوليات والبذور الزيتية في العالم، وهو ما سيساهم في تشكيل مؤشرات أسعار عادلة.
واعتبر الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، الدكتور محمد موسى، في حديثه لـ"النهار" أنّ "هذه البورصة بجوهرها هي أداة مالية قد تستخدمها روسيا ودول أعضاء بريكس للابتعاد عن الدولار، وتجنب العقوبات، وحماية سلعها المحلية، وقد تكون الحبوب مقدمّة تمهّد لسلع أخرى قد تضاف إلى البورصة مع الزمن".
وأشار إلى أنها "قد تحتاج إلى بضعة سنوات لتنجز، وإلى اجتماعات مكثّفة وفعاليات لوضع خطّة تنفيذ ناجحة للطرح".
القيمة الاقتصادية لـ"بريكس"
وتضم بريكس بشكلها الحالي أكثر من 45% من سكان العالم (3,25 مليارات نسمة) و 33.9% من إجمالي مساحة اليابسة، ويبلغ حجم اقتصاد المجموعة 30 تريليون دولار، بما يمثل حوالي 30% من حجم الاقتصاد العالمي. وبحسب بيانات البنك الدولي أضافت الدول الخمس الجديدة 3,24 تريليونات دولار إلى اقتصادات المجموعة.
يمثل حجم الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة "بريكس" بناء على معيار تعادل القوة الشرائية نسبة 36.7% من الاقتصاد العالمي، وبالتالي تتجاوز بقوة حصة دول مجموعة السبع الكبار (32% تقريبا) وتشكل حوالي 16% من التجارة العالمية، حيث يساهم التكتل بحوالي 16% من حركة الصادرات، و15% من واردات العالم من السلع والخدمات، حسب بيانات صندوق النقد الدولي.
كما يقدر إجمالي الاحتياطي النقدي الأجنبي المشترك للمجموعة بأكثر من 4 تريليونات دولار. وتسيطر المجموعة، بعد انضمام السعودية والإمارات وإيران،على 80% من إنتاج النفط العالمي، وعلى 38% من إنتاج الغاز و67% من إنتاج الفحم في السوق العالمية.
كما تتحكم مجموعة بريكس في أكثر من 50% من احتياطي الذهب والعملات، وتنتج أكثر من 30% مما يحتاجه العالم من السلع والمنتجات بقيادة الصين والهند.
وإلى ذلك توقّع الرئيس الروسي أن يحقق النمو الاقتصادي لدول "بريكس" في 2024-2025، 3.8% مقابل 3.2% في دول العالم المتقدمة. وبالتالي يمكن القول أن بريكس تشكّل قوّة اقتصادية ضخمة تنافس قوّة مجموعة السبع .
بنك التنمية الجديد
ومن نقاط قوّة بريكس هي بنك التنمية الجديد التابع لبريكس، وهو مؤسسة مالية واعدة، قد تنافس على المدى الطويل البنك الدولي وصندوق النقد، حيث قام البنك بتمويل مشاريع بقيمة 33 مليار دولار منذ عام 2018، وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ هذا البنك قد يكون عامل جذب قوي للكثير من الدول حتى تلك التي رُفضت عضويتها في بريكس أو لم تعد مهتمة بالانضمام إلى بريكس كالجزائر، وتركيا مثلا التين أعلنتا عن اهتمامهما بالفرص التي قد يقدمها بنك التنمية.
وهو ما وصفه موسى بالمدخل الرئيسي لإطلالة بريكس على العالم نظرا لحجم الإمكانيات المالية والفائض المالي لدى الكثير من دول بريكس، وهو بذلك ينتج بديل للعالم عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وبريكس عبر بنك التنمية تقول أن اتفاقية "بريتون وودز" لم تعد تصلح، كما سقطت الأمم المتحدة كمنظمة دولية ترعى الأمن والسلام في العالم بعد ما حصل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) وما تبعه من أحداث في فلسطين ولبنان، من دمار وعدم القدرة على لجم الاسرائيلي، كذلك سقط النظام الدولي المالي، ولم يعد يصلح بعد أن أصبح أداة مالية اقتصادية تستخدم في حروب الدول على دول أخرى".
وشدد موسى على أن "هذه الدول تملك موارد أولية ضخمة تساعدها لخلق دينامية جديدة في العلاقات الدولية على المستوى السياسي بتعدد الأقطاب، والمالي بتعدد المؤسسات المالية الدولية الكبرى، والمستوى الاقتصاد عبر إنشاء مشاريع جديدة".