زعماء بريكس في قمة قازان الروسية (أ ف ب)
تعكف مجموعة "بريكس" على بحث تنفيذ عدد من المقترحات التطويرية ضمن توصيات فعاليات قمتها الأخيرة التي عقدت أواخر تشرين الأول (أكتوبر) بمدينة كازان الروسية، في مقدمتها إنشاء منصة استثمارية مشتركة بين الدول الأعضاء، بالإضافة إلى إنشاء بورصة مخصصة لتداول الحبوب بين الدول الأعضاء في المجموعة، وأخيراً بحث إقامة منصة خاصة في "بريكس" للمعادن النفيسة وخاصة الماس.
وتندرج هذه المقترحات ضمن مخططات تجمع "البريكس" الهادفة إلى دعم التنمية المستدامة وتسهيل تمويل المشاريع الكبرى في قارتي إفريقيا وآسيا، بهدف سرعة إيجاد حلول وبدائل سريعة للاحتياجات المتزايدة للتمويل في البلدان النامية والتطورات الجيوسياسية التي تواجهها المنطقة.
كما تتضمن الأهداف العمل على تنسيق كافة الجهود بين الدول الأعضاء لتوفير مصادر تمويل متكاملة وميسرة، وتعزيز التعاون التكنولوجي وتبادل المعرفة، بما يسهم في تقليل الاعتماد على المؤسسات المالية التقليدية في الغرب، ويوفر بدائل تمويلية للدول النامية تمكنها من تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
تحديات قوية
على الرغم من زيادة أعضاء تجمع "البريكس" ومكانتها العالمية في ضوء تواجد اقتصادات قوية مثل الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا، فضلاً عن انضمام مصر والسعودية والإمارات وإيران مؤخراً، وتعزيز دورها كمجموعة اقتصادية قوية ومؤثرة على الساحة الدولية، إلا أن المجموعة تعاني من عوامل قصور وخلافات داخلية، وفقاً لآراء عدد من الخبراء والاقتصاديين لـ"النهار".
ورصد الخبراء أبرز هذه التحديات التى تواجهها مخططات البريكس، بداية من الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي وسيطرة الدولار الأمريكي على معظم التجارة الدولية والاحتياطات النقدية العالمية، وهو ما يمثل تحدي مستمر أمام جهود البريكس لتوسيع استخدام عملاتها المحلية في التبادل التجاري بين الدول الأعضاء وتقليل الاعتماد على الدولار.
أضاف الخبراء أن التحدي الثاني هو الدور الأمريكي في المؤسسات الدولية وسيطرتها الكبيرة على مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مما يحد من قدرة البريكس على التأثير في هذه المؤسسات وتشكيل سياسات عالمية بديلة.
وأشار الخبراء إلى أن ثالث التحديات يتمثل في صعوبة تنسيق عملة مشتركة، حيث تختلف الدول الأعضاء في مجموعة البريكس من حيث مستويات التنمية الاقتصادية والسياسات النقدية، مما يجعل من الصعب تنسيق إنشاء عملة مشتركة أو تعزيز استخدام عملاتها المحلية في المعاملات الدولية، إضافة إلى السياسات المالية المختلفة لكل دولة في البريكس والتي تعكس أولوياتها المحلية وظروفها الاقتصادية، ما يؤكد على صعوبة توحيد الجهود لخلق نظام نقدي موحد أو تعزيز التعاون المالي بشكل متكامل، وخامس التحديات هو الاختلافات السياسية والاستراتيجية بين بعض أعضاء البريكس التي قد تؤثر على التعاون بين الدول وتحد من فاعلية المجموعة في اتخاذ قرارات موحدة، مؤكدين أن جميعها تشكل عقبات كبيرة تتطلب استراتيجيات مبتكرة ومرونة في التعاون بين أعضاء مجموعة البريكس لتعزيز دورها الدولي وتحقيق أهدافها التنموية.
تجمع استراتيجي
يقول الخبير والمحلل المالي والاقتصادي وضاح الطه لـ "النهار" أن تجمع البريكس لافت للنظر، في ضوء تطوره وزيادة عدد أعضائه بصورة كبيرة، ليشكل بدوره قوى اقتصادية سياسية على الصعيد العالمي.
يضيف أن دراسة إنشاء منصة استثمارية في ضوء مقترح الرئيس الروسي وغيره من المقترحات التطويرية، في الحقيقة هي جميعها مقترحات متوقعة الهدف منها زيادة التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء وإيجاد شراكات اقتصادية مع الدول التي لا تزال لم تنتمي للتجمع أو ربما ترغب بالإنتماء إلى بريكس وبحث الفرص المتاحة في قارتي أفريقيا وآسيا.
ويشير الطه إلى أن المقترحات تتمتع بمزايا استثمارية للدول الأعضاء في حالة النجاح في إنشائها ومواجهة بعض التحديات، المزايا تتمثل في تعزيز فرص وإبرام شراكات اقتصادية مع دول مميزة في أنشطة اقتصادية سواء في آسيا أو افريقيا، بالإضافة إلى عوائد قوية لاسيما للصناديق السيادية بالدول الخليجية واتساع المجال والقطاعات أمامها لاستكشاف مزيد من أوجه التعاون والتوسع الاستثماري عبر هذه المنصة.
عملة موحدة
بالنسبة إلى التحديات، يوضح أن توجهات المجموعة نحو التفكير في تأسيس عملة موحدة محل الدولار، موضوع مبكر التفكير به حالياً ويتطلب المزيد من التفكير والوقت، خاصة وأن الدولار يشكل نسبة كبيرة على صعيد الاحتياطيات الأجنبية العالمية ومعظم التجارة العالمية، بالإضافة إلى الاختلافات بين الدول الأعضاء سواء على صعيد الأولويات المالية والسياسات الاستراتيجية للدول.
ويتفق معه الباحث والمحلل الاقتصادي مهدي عفيفي لـ "النهار " على وجود اختلافات كثيرة بين دول "البريكس"، والتي في حالة النجاح في مواجهتها ستدعم أهدافها التجمع بقوة نحو تمثيل قوة اقتصادية قوية تنافس الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا على الصعيد الاقتصادي.
يضيف عفيفي أن هناك تحدي قوي آخر يواجه التجمع يتمثل في خضوع العملات الخاصة لدول البريكس تحت تقييم الدولار حتى في التعاملات البينية بين الدول المشتركة في البريكس، وهو ما يعكس أهمية البدء في تنفيذ أفكار تطويرية على الصعيد الاقتصادي مثل إنشاء منصة استثمارية جديدة تدعم بقوة زيادة التعامل المباشر بين هذه الدول.
ويؤكد على أهمية التخطيط الجيد قبل البدء في تنفيذ المقترحات المستهدفة لتحقيق التقارب الاقتصادي المطلوب بين الدول الأعضاء وتحقيق أكبر استفادة مثل السوق الأوروبية المشتركة.