أعلنت شركة "فُلك للخدمات البحرية"، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، عن إطلاق مسار جديد للخطوط الملاحية يربط بين موانئ رئيسية في الخليج العربي وموانئ نافا شيفا وموندرا في الهند. يمثل هذا المسار خطوة استراتيجية لتعزيز الربط البحري بين المملكة العربية السعودية والهند، ويدعم التجارة الإقليمية والدولية، مع التركيز على الأسواق الآسيوية، الأفريقية، والأوروبية.
يعد هذا الخط التجاري، الذي أُطلق يوم 30 تشرين الأول (أكتوبر) من ميناء الدمام، خطوة مهمة تعزز العلاقة التجارية بين البلدين، وتساهم في تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة لهما.
أهمية الخط التجاري لاقتصاد البلدينيعتبر هذا الخط التجاري الجديد حلاً لوجستياً مبتكراً يلبي متطلبات التجارة الحديثة ويوفر بدائل لوجستية جديدة للتجار والمستوردين في منطقة الخليج. مع تقديم رحلات كل 14 يوماً وتحويلها لاحقاً إلى رحلات أسبوعية بدءاً من كانون الأول (ديسمبر) المقبل، يوفر هذا المسار خيارات أسرع وأكثر انتظاماً لنقل البضائع بين الهند والسعودية، ما يعزز التجارة البينية ويزيد من انسيابية حركة البضائع بين البلدين.
يسهم هذا الخط أيضاً في دعم تصدير السلع الهندية إلى منطقة الخليج ومنها إلى الأسواق الإقليمية والعالمية، مما يوفر منفذاً تجارياً يسهم في حل جزء من التحديات التي يواجهها الاقتصاد الهندي في تصريف إنتاجه. وبفضل هذه الخدمات اللوجستية المحسنة، تستطيع الهند استغلال فرص تصدير منتجاتها مثل السلع الاستهلاكية والبتروكيماويات إلى أسواق جديدة، ما يساهم في تدفق العملات الأجنبية إلى اقتصادها ويعزز من نموها الصناعي.
بالنسبة إلى السعودية، يدعم الخط التجاري الجديد مساعيها لتنويع مصادر دخلها وتنمية قطاع النقل البحري، بما يتماشى مع رؤية 2030 الهادفة إلى تعزيز دور المملكة كمركز لوجستي عالمي. يمثل ميناء الدمام، الذي يتعامل مع 2,7 مليون حاوية سنوياً، عنصراً استراتيجياً في سلسلة التوريد العالمية، وبهذا الخط الجديد يعزز دوره كمركز لوجستي رئيسي في المنطقة.
تبادل تجاريارتفع حجم التبادل التجاري بين المملكة والهند في عام 2023 إلى 53 مليار دولار، مقارنة بنحو 35 مليار دولار في عام 2021، حيث شهد قفزة بنسبة 50%، وفقًا لسفير المملكة لدى الهند صالح عيد الحصيني، الذي أشار إلى أن الهند تعد ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة، فيما تمثل المملكة رابع أكبر شريك تجاري للهند، ويعكس حجم ومستوى الشراكة النمو غير المسبوق للتعاون الاقتصادي بين البلدين.
وأفاد سفير الهند لدى المملكة الدكتور سهيل إعجاز خان بأن قيمة الصادرات السعودية إلى الهند بلغت في الفترة من كانون الثاني (أبريل) إلى تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 أكثر من 29 مليار دولار ، وشملت الوقود المعدني، والأسمدة، والمواد الكيميائية، والبلاستيك. بينما وصلت قيمة الصادرات الهندية إلى المملكة إلى ما يقارب 7 مليارات دولار، وتضمنت السلع الهندسية الحبوب والمنتجات الغذائية.
الخط التجاري ورؤية 2030يعدّ تنويع الاقتصاد السعودي أحد الأهداف الاستراتيجية لرؤية 2030، ويأتي الخط التجاري الجديد ليخدم هذا التوجه من خلال دعم قطاع النقل البحري وتسهيل حركة البضائع.
يُساهم هذا الخط في زيادة الاستثمارات اللوجستية، ويساعد في سد فجوة في سلسلة التوريد، مما يعزز من قدرة السعودية على استقطاب التجارة الدولية وجذب استثمارات جديدة، إلى جانب توفير فرص عمل في مجالات الشحن والنقل والخدمات اللوجستية.
إضافة إلى ذلك، فإن تحويل ميناء الدمام إلى مركز لوجستي استراتيجي سيسهم في تطوير البنية التحتية للنقل البحري في السعودية وتعزيز قدراتها التنافسية إقليمياً ودولياً.
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور بلال علامة لـ"النهار" إنّ "الخط الجديد بين الهند والسعودية يرتبط ارتباطاً وثيقاً برؤية 2030 السعودية، والتطوير الحاصل في المملكة لتلطف المرحلة القادمة بانفتاح اقتصادي إلى غرب آسيا، "وهذه الخطوة هي علاقة تبادلية بين الهند مما تمثله من طاقة انتاجية عالية بتكلفة منخفضة مقارنة باقتصاديات الدول الأخرى كالخليج العربي والبحر المتوسط، والسعودية بما تمثله من طاقات وموارد وثروة".
تأثير إقليمي ودولييؤكد هذا الخط التجاري أهمية التعاون بين السعودية والهند، حيث يجمع بين أكبر اقتصادات المنطقة الآسيوية. يسهم هذا التعاون في تسهيل حركة السلع الأساسية والتكنولوجية على نطاق واسع، مما يعزز الترابط الاقتصادي بين الشرق الأوسط وآسيا، ويعكس رغبة السعودية في تعزيز علاقاتها التجارية مع قوى اقتصادية كبرى مثل الهند.
ومن خلال هذا التعاون، يتاح للبلدين استغلال قدراتهما الاقتصادية وتحقيق مكاسب مشتركة، حيث يصبح بإمكان المنتجات الهندية الوصول إلى أسواق جديدة في الخليج العربي وأوروبا، في حين تستفيد السعودية من هذه الشراكة لتعزيز مكانتها كمركز تجاري ولوجستي رائد في المنطقة.
ويشرح علامة: "بالنسبة للسعودية، تطمح المملكة إلى أن تصبح مركز انطلاق للأسواق العربية والخارجية وأسواق الشرق الأوسط. ورغم أن الطريق ما زال طويلاً، إلا أن هذا الهدف طموح ويتطلب جهوداً كبيرة، حيث كان اقتصاد السعودية يعتمد بشكل رئيسي على النفط وبعض الصناعات الحديثة التي ظهرت مؤخراً، لكنها لا تشمل جميع المجالات. المملكة تسعى إلى تعزيز وجود مختلف أنواع السلع والخدمات، خصوصاً في مجال التكنولوجيا والصناعات التكنولوجية التي أصبحت اليوم ذات أهمية كبرى. نتحدث هنا عن أجهزة الطاقة البديلة، والحواسيب، ووسائل الاتصالات، والأجهزة المتعلقة بالطاقة المتجددة".
أما بالنسبة إلى الهند واقتصادها، يتابع علامة، فإن "السعودية تمثل سوقاً جديدة أو مركزاً للأسواق التي تصل إليها ومنها تتوزع إلى دول الخليج، والدول العربية، ودول البحر الأبيض المتوسط، وصولاً إلى أوروبا. يواجه الاقتصاد الهندي تحديات في تصريف إنتاجه، خصوصاً في ظل التنافس القائم مع الصين وبعض الدول الآسيوية المجاورة. لذا، اتخذت الهند خطوات لتعزيز تصريف إنتاجها، مما يدعم اقتصادها من خلال جذب رؤوس الأموال الأجنبية. ومن الجدير بالذكر أن عدد سكان الهند الكبير يتيح لها طاقة إنتاجية ضخمة، ويسهم تعزيز الاقتصاد بهذه الطريقة في رفع مستوى دخل الأفراد، وخلق فرص عمل جديدة، وإنشاء المزيد من المصانع، مما يدعم النمو الاقتصادي الهندي بشكل عام"، كما يقول علامة.