النهار

هل يكون إيلون ماسك "كيسنجر جديد" بين أميركا والصين؟
باولا عطية
المصدر: النهار
هل يكون إيلون ماسك "كيسنجر جديد" بين أميركا والصين؟
الصين وأميركا
A+   A-
بعد الدور الكبير الذي لعبه الملياردير إيلون ماسك في إيصال دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من جديد، وتكليله بمنصب وزاري، من جهة، وعلاقته الوثيقة مع الصين، حيث أسس شركة تسلا كمثال ناجح للاستثمار الأجنبي في الصين، من جهة أخرى، يطرح المراقبون تساؤلات عدّة حول إمكانية أن يسهم ماسك، عبر شركاته ونفوذه الاقتصادي، في تعزيز العلاقات بين  الولايات المتحدة الاميركية والصين، وبالتالي أن  يصبح وسيطًا بين القوتين العالميتين. فهل يستطيع دفع العلاقات الاقتصادية إلى مزيد من الاستقرار؟

ماسك كقناة للتواصل غير الرسمي
كان الدبلوماسي الأميركي هنري كيسنجر أحد الأدوار التي حاولت الصين أن تجد لها بديلًا، وهو الرجل الذي أسهم بفعالية في إعادة تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في السبعينيات. يرى بعض المحللين في الصين أن ماسك قد يمثل "كيسنجر الجديد"، قادرًا على التوسط بين بكين وواشنطن. ومع ذلك، لا يزال من المبكر التأكد من قدرته على لعب هذا الدور المعقد، إذ إن مهمته تتطلب أكثر من مجرد استثمارات اقتصادية. وقد تزايد الاهتمام بزيارات ماسك المتكررة للصين، واجتماعه مع كبار المسؤولين، مثل لقائه مع رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، الذي عبّر عن نجاح تسلا كمثال للتعاون التجاري الإيجابي.

المقارنة بكيسنجر قد تكون مبالغًا فيها، برأي رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث (كونفوشيوس)، ورئيس الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل، وارف قميحة، الذي شرح في حديثه لـ"النهار" أن "خلفية كيسنجر كانت سياسية واستراتيجية صرفة، وقد أدار دبلوماسية معقدة في سياقات دولية حساسة. أما ماسك، من جهته، يتمتع بشعبية ونفوذ في مجال الأعمال، لكن ليس لديه خبرة عميقة في الدبلوماسية أو التفاوض السياسي المعقد، وخاصة بين قوتين بحجم الولايات المتحدة والصين."

واعتبر قميحة أن "فكرة دور ماسك كوسيط غير رسمي بين الولايات المتحدة والصين، تبقى محل شك وتحديات، حتى لو كانت مثيرة للفضول"، مضيفا "صحيح أن ماسك له علاقات قوية في الصين بفضل تسلا، وهو داعم لحملة ترامب، ما يمنحه بعض النفوذ أو القدرة على إيصال رسائل أو تسهيل تواصل معين. لكن هذا النفوذ، في تقديري، يظل مرتبطًا بالمصالح التجارية التي غالبًا ما تكون منفصلة عن المواقف السياسية الصارمة".

تأثير ماسك الاقتصادي والتكنولوجي
لا يقتصر نفوذ ماسك على المجال الاقتصادي فقط، بل يمتد إلى التكنولوجيا المتطورة، وهو ما يعزز موقعه كحلقة وصل بين الولايات المتحدة والصين. تعتبر تسلا، التي تمتلك مصنعًا في شنغهاي، أول شركة سيارات أجنبية بالكامل تعمل في الصين، وهو إنجاز ساهم في تعزيز التعاون التجاري رغم التوترات السياسية. وقد عبّر ماسك عن رغبته في توسيع هذا التعاون إلى قطاعات أخرى، مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، ما يعزز التفاهم المشترك بين البلدين، ويتيح الفرصة لنقل التكنولوجيا والاستثمارات المتبادلة.

ولكن، رغم توقعات البعض بشأن قدرة ماسك على التوسط بين واشنطن وبكين، إلا أن هناك تحذيرات من أن دوره قد يكون محدودًا، حيث إن الدوافع الأساسية لرجل الأعمال هي مصالحه الاستثمارية، وليس مصالح وطنية شاملة. وفي حال تعقد المشهد السياسي وازدياد التوترات، قد يجد ماسك نفسه أمام "صراعات مصالح"، إذ إن التوازن بين دوره كرجل أعمال ناجح وكمحاور بين القوتين العالميتين قد يكون أكثر صعوبة مما يُتصور.

وهو ما يؤكّده قميحة الذي رأى أنه "قد يكون ماسك قادرًا على التأثير من خلال تقديم تصوراته في قضايا الابتكار والتكنولوجيا التي تهم البلدين، وقد يُسهِم في إبقاء التواصل التجاري إيجابيًا، ولكن في النهاية، السياسة الخارجية غالبًا ما تتجاوز دور رجال الأعمال وتحتاج إلى دبلوماسية مستقلة عن المصالح الشخصية".

محفز للاستثمارات الأميركية في الصين
يجسد نجاح تسلا في السوق الصينية نموذجًا يحتذى به للشركات الأميركية، إذ يمثّل نهج ماسك مرونة ملحوظة في التعامل مع بيئة الأعمال الصينية، وهي ميزة قد تشجع المزيد من الشركات الأميركية على الاستفادة من الفرص الاستثمارية في الصين، مما قد يؤدي إلى فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين. ويرى بعض الخبراء أن هذا النجاح قد يشكل قاعدة لصناعة مستقبلية مزدهرة، حيث يمكن أن تستفيد الصين من الخبرات الأميركية في مجال التكنولوجيا والصناعات التحويلية، بينما تستفيد الولايات المتحدة من القوة الاقتصادية للسوق الصينية.

وإلى ذلك توقّع رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث، أن "يعيد ترامب النظر في ملفات كانت محور خلاف بين البلدين، حيث سبق أن فرض خلال ولايته الأولى رسوماً جمركية مرتفعة على البضائع الصينية وقيوداً على شركاتها، خصوصاً في قطاع التكنولوجيا"، شارحا أن "هذا التوجه التصادمي أثر كثيراً على حركة التجارة العالمية، وقاد البلدين إلى "حرب تجارية" ألقت بظلالها على الاقتصادين الأميركي والصيني على حد سواء، ما أضر بالشركات والمستهلكين وأدى إلى تقلص النمو الاقتصادي في كلا الجانبين."

أما الصين، برأيه، "تتابع عودة ترامب بحذر، حيث تدرك أن سياساته المتوقعة قد تعيد الأجواء المتوترة التي سادت علاقاتهما خلال السنوات الماضية". ويعتقد مراقبون أن الصين تسعى إلى تسريع تطوير تقنياتها الذاتية وتعزيز الاكتفاء الذاتي في مواجهة أي قيود قد يفرضها ترامب على وصولها للتكنولوجيا الأميركية. مضيفا "كما أن الصين  تُركز على توسيع شراكاتها مع دول أخرى لتعزيز مرونتها الاقتصادية وتقليل اعتمادها على الأسواق الأميركية. في هذا السياق، عملت الصين على تعميق تعاونها مع دول الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى ودول "الحزام والطريق" كبدائل محتملة لتجاوز القيود الأميركية".

في المحصّلة، يمكن القول إن إيلون ماسك يلعب دورًا مهمًا في تحسين العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين بفضل نفوذه الاقتصادي وقربه من دوائر صنع القرار في البلدين. ومع ذلك، فإن هذا الدور لا يخلو من التحديات، خاصة في ظل التوترات المتزايدة والتنافس الشديد على النفوذ الاقتصادي العالمي. قد يشكل نجاح ماسك نموذجًا للعديد من الشركات الأميركية في التعامل مع السوق الصينية، ولكن دوره يبقى مقيدًا بسبب تعقيدات المشهد السياسي.

الأكثر قراءة

سياسة 11/23/2024 7:37:00 AM
أعلن برنامج "مكافآت من أجل العدالة" عن مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار أميركي مقابل الإدلاء بمعلومات عن طلال حمية المعروف أيضاً باسم عصمت ميزاراني
سياسة 11/23/2024 9:48:00 AM
إسرائيل هاجمت فجر اليوم في بيروت مبنى كان يتواجد فيه رئيس قسم العمليات في "حزب الله"، محمد حيدر

اقرأ في النهار Premium