منذ انتخاب دونالد ترامب للمرة الثانية رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، على أن يستلم مهامه رسميا في كانون الثاني (يناير) 2025، شهدت أسعار العملات المشفرة وعلى رأسها البيتكوين قفزة دراماتيكية، حيث تخطّى سعرها حاجز الـ100 ألف دولار، مسجلة ارتفاعا بقيمة 21 ألف دولار. أمّا أونصة الذهب فتراجع سعرها قرابة الـ220 دولار، إلى حوالي الـ2,500 دولار، لتتجه لتسجيل أسوأ أداء أسبوعي في أكثر من ثلاث سنوات، بضغط من قوة الدولار وسط توقعات بتخفيضات أقل لأسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، ما جعل الذهب يتراجع بحوالي الـ 7% ، فيصبح في المركز السادس بين أفضل الأصول أداء بعد البيتكوين. إلا أن الذهب سرعان ما عاد وصحّح سعره عند حاجز الـ2650$ مدعوما بالاضطرابات في الشرق الأوسط وأوروبا. فهل يسبق الذهب الرقمي المعدن الأصفر فيطغى بوهجه عليه؟ أم أنّ الحظ الذي رافق الذهب في 2024، سيستمر في 2025؟
كيانان مختلفانفي هذا الإطار، أوضح استراتيجي الأسواق المالية، جاد حريري، في حديثه لـ"النهار" أنه "لا يوجد منافسة بين الذهب والبيتكوين، فهما كيانان ماليان مختلفان تمامًا"، شارحا أن "الذهب هو أصل ملموس، بينما العملات الرقمية غير ملموسة. إنها ليست أصولًا مادية، بل تنتمي لعالم لامركزي. هي مجرد أرقام تظهر على الشاشة"، مضيفا "الذهب هو عملة تُستخدم لتجنب الأزمات، والتضخم، والحروب، ويقوم الناس بشراء الذهب كملاذ آمن وبديل عن الأصول الأخرى، خصوصا لدى تراجع قيمة العملات الورقية"، مشددا على أن "الذهب دائما في اتجاه صاعد ولايمكن أن نعتبر أنه خسر بريقه خصوصا وأن سعره ارتفع منذ بداية العام بحدود الـ35% أي قرابة الـ800$ وما يشهده من تراجع الآن ليس سوى عملية تصحيح طبيعية، لأن السعر أصبح مرتفعًا للغاية، والبعض يقوم في هذه الظروف ببيع الذهب بسعره المرتفع لجني الأرباح من خلال شرائه بأسعار منخفضة لاحقًا، ونحن نتحدث هنا عن الدول، والمستثمرين، والبنوك الاستثمارية، والحكومات، والبنوك المركزية".
واعتبر حريري أن "سعر البيتكوين يحقق مكاسبا مدعوما بفوز ترامب، متوقعا أن يصل سعر العملة الرقمية إلى 200 ألف و300 ألف دولار أميركي، ومع ذلك يبقى البيتكوين من الأصول المتقلبة للغاية، والتي لا يمكن اعتبارها من الأصول الآمنة، لذا، بالنسبة للمستثمرين، النصيحة هي الاستثمار في الأسهم، وليس في النقود، وعدم وضع أكثر من 5% من أموالهم في البيتكوين، وعدم البيع مع كل انخفاض بل الانتظار لقرابة 10 سنوات للتصرف في هذه الأصول".
أداء الذهب vs البيتكوين في 2024ظل الذهب، باعتباره ملاذًا آمنًا، خيارًا رئيسيًا خلال فترات عدم الاستقرار، في عام 2024. وشهد الذهب ارتفاعا كبيرا في الأسعار ليسجل مستويات قياسية هذا العام، متجاوزًا حاجز الـ 2,000 دولار للأوقية في أوقات عديدة، وصولا إلى 2,700 دولار. هذا الارتفاع في سعر الذهب كان مدفوعا بأسباب رئيسية عدّة أوّلها التضخم المرتفع في العديد من الاقتصادات الكبرى، والتوترات الجيوسياسية، لا سيما في أوروبا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى زيادة الطلب من البنوك المركزية التي تسعى إلى تنويع احتياطاتها بعيدًا عن الدولار، للتغلّب على العقوبات الأميركية، فضلا عن الاستقرار النسبي للذهب مقارنةً بالبيتكوين،حيث يتميز الذهب باستقرار أكبر وأقل تأثرًا بالتقلبات قصيرة المدى".
على مقلب آخر، عاد البيتكوين إلى الواجهة بعد فترة من الانخفاضات الكبيرة في السنوات الماضية، ليستعيد اجزءًا كبيرًا من خسائره، متجاوزًا مستويات 30 ألف دولار في العديد من الفترات، وصولا إلى مستوى الـ93 ألف دولار بعد انتخاب ترامب. فيما الدوافع الرئيسية تعود إلى زيادة قبول العملات الرقمية من قبل المؤسسات المالية الكبرى، والانخفاض التدريجي في مخاوف التنظيمات الحكومية، فضلا عن التفاؤل بشأن تقنية البلوك تشين واستخداماتها المستقبلية.
وشدد استراتيجي الآسواق المالية، على أنه "لا يمكن اعتبار أي أصل مالي آمنًا بنسبة 100%. أي مستثمر يدخل إلى السوق، سواء في مجال العملات الرقمية أو الذهب أو أي أصل مالي آخر، يتحمل مخاطرة معينة وقد يواجه خسارة مالية محتملة".
بالنسبة للعملات الرقمية، وخاصة البيتكوين، هناك بعض النقاط التي يجب الانتباه إليها، برأي حريري، "فالبيتكوين محدود العدد عالميًا، حيث لا يتجاوز إجمالي عدد الوحدات الـ 21 مليون. كل أربع سنوات يحدث لدينا ما يسمى بعملية "الهالفينغ" (Halving)، حيث يتم خفض معدل إنتاج البيتكوين الجديد. هذه العملية تقسم كمية البيتكوين المتاحة للإنتاج على مراحل. على سبيل المثال، مع وجود سقف إجمالي يبلغ 21 مليون وحدة، ومع استمرار الشراء من قبل الأفراد والمؤسسات، يقل المعروض المتاح في السوق تدريجيًا. ومع مرور الوقت، يصبح عدد البيتكوين المتاح قليلًا جدًا مقارنة بالطلب المتزايد، مما يؤدي إلى ارتفاع كبير في قيمته".
بالرغم من ذلك، يعتبر البيتكوين نوعًا من الأصول المالية المستخدمة لمواجهة التضخم، يقول حريري، مصيفا "إلا أنه يحمل درجة عالية من المخاطرة. لذا، لا يُنصح بوضع أكثر من 5% إلى 10% من إجمالي الأموال المتاحة للاستثمار في البيتكوين".
نصائح للمستثمرينعليه ننصح المستثمرين بتنويع المحفظة الاستثمارية، حيث يمكن للمستثمرين تخصيص نسبة صغيرة من أموالهم للاستثمار في البيتكوين (5%-10%) بسبب المخاطر العالية. أما الذهب فيُنصح به كجزء أساسي من المحفظة لمواجهة التضخم وتقليل المخاطر.
وكذلك قد تختلف التوجهات الاستثمارية باختلاف أهداف المستثمر، فإذا كنت تبحث عن استثمار طويل الأجل وأكثر استقرارًا، فإن الذهب هو الخيار الأنسب. أما إذا كنت تتطلع إلى استثمار يعتمد على الابتكار التقني مع تقبل تقلبات الأسعار، فقد يكون البيتكوين خيارًا مناسبًا.
لذلك لا تنسى المتابعة المستمرة، حيث عليك أن تراقب أداء الأسواق والتقارير الاقتصادي، وتأكد من فهم العوامل المؤثرة على كل أصل قبل اتخاذ قرارات استثمارية.