"سم الفئران المحتمل" بهذه العبارة وصف الملياردير الأميركي الشهير وارن بافيت في أحد اجتماعاته السنوية لشركة بيركشاير العملات المشفرة، قائلاً "لن أشتري كل عملات بيتكوين الموجودة في العالم" مقابل 25 دولارًا فهي بلا قيمة ولا تقدم أي شيء"، وفي المقابل يرى إيلون ماسك أغنى رجل بالعالم بثروة تتخطى 334 مليار دولار بحسب فوربس أن العملات المشفرة ستصبح بديلة للنقد قائلاً "إن الاستثمار في البيتكوين مغامرة مناسبة لشركتنا – تسلا –"، والسؤال هنا بعدما وصلت القيمة السوقية للعملات المشفرة وعددها 13.2 ألف عملة إلى 3.3 تريليونات دولار ماذا لو تبخرت هذه الأموال وأصبح رصيدها صفر؟، وكيف يحمي المستثمرين أموالهم في حالة انفجار فقاعة العملات المشفرة؟، و ماذا يفعل المستثمرين في سوق الكريبتو إذا تبخرت استثماراتهم فجأة؟.
العملات المشفرة بين مخاطر التقلب والفقاعة
يقول الدكتور محمد عبدالمطلب مدير شريك في شركة "إكس باي" (X-Pay) للتكنولوجيا المالية، لـ"النهار" إن سوق الكريبتو ليست فقاعة بالمعنى الحرفي فهي سوق شديدة التقلب، وكل 4 سنوات نشهد تقلبات شديدة في تحركات السوق ثم تصحيح للسعر، وهذا تحرك طبيعي في دورة سوق المال، واليوم نشهد بيتكوين (أكبر عملة في سوق الكريبتو) تتخطى مستوى 99 ألف دولار، لتسجل خلال تعاملات الأحد 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري 97.5 ألف دولار، وحالياً تشهد مقاومة قد تهبط بها إلى 90 ألف دولار، ولكن هذا السعر مرشح للصعود وتخطي حاجز 100 ألف دولار بعد بداية حكم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بدءاً من يوم 20 كانون الثاني (يناير) 2025، وهو اليوم نفسه الذي يشهد تنحي غاري غينسلر رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات، وتعيين بديلاً له من قبل إدارة ترامب الداعمة لسوق الكريبتو.
وبالحديث عن احتمالية تبخر أموال سوق الكريبتو البالغة 3.35 تريليون دولار، فهذا الأمر وارد الحدوث ولكن في حالات فردية ولا تنطبق على السوق كاملة تتخطى قيمتها الثلاثة تريليونات دولار، مثلما يحدث في البورصات العالمية نشاهد شركات كبيرة تتقدم لهيئة سوق المال بطلب إشهار إفلاسها وتصبح قيمتها السوقية صفر، وحتى الأصول الآمنة مثل السندات الحكومية معرضة للتبخر في حالة إفلاس الحكومات مثلما حدث في الأرجنتين عام 2001 وتايلاند عام 2007، وبالتالي قد نشهد في أي وقت اختفاء عملات مشفرة وظهور عملات جديدة، لأن المتعارف عليه أنه دائماً هناك مخاطرة في الاستثمار ولكن هذه المخاطر تتفاوت حسب نوعية الأصل المالي وفي العملات المشفرة عادة ما تكون المخاطرة مرتفعة والربحية كذلك.
وأشار إلى تاريخ تقلب سوق الكريبتو، فقد ارتفعت عملة بيتكوين بنسبة 60% خلال عام 2021، وخسرت 64% من قيمتها في عام 2022، ثم زادت بما يتجاوز ضعف قيمتها في عام 2023، وخلال عام 2024 قفز سعر عملة بيتكوين بنحو 130% بحسب منصة كوين ماركت كاب المتخصصة في سوق الكريبتو حيث ارتفعت من مستوى 42.2 ألف دولار يوم 1 كانون الثاني (يناير) 2024 لتصل إلى 97.5 ألف دولار في منتصف تداولات الأحد 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري.
وفي السياق نفسه يقول أحمد عزام، المحلل المالي الأول في مجموعة "إكويتي"، في تصريحات لـ"النهار"، إن المخاوف دائماً متواجدة منذ تأسيس العملات الرقمية على أنها أصل مالي غير حقيقي أو حتى أن تصل إلى مرحلة الفقاعة المالية؛ خاصة في أعقاب إفلاس (FTX) و(BlockFi) و(Voyager Digital) ومنصات العملات المشفرة الأخرى، خصوصاً أن المستثمرين قد لن يجدوا طريقة للاعتراض على ضياع أموالهم مع وجود شح في التنظيم والرقابة. لكن حتى الآن كل ما يحدث يعطي إشارة بأن العملات الرقمية هي أصل مالي متواجد ومخاطر زواله باتت تنحسر وقيمتها السوقية ارتفعت فوق 3 تريليون دولار، قائلاً "إن وجود العملات المشفرة لأكثر من 14 عاماً يعطي انطباعاً بأن زوال سوق الكريبتو بشكل كامل قد لا يبدو فكرة واردة على الأقل في الوقت الحالي".
وأضاف عزام لو نظرنا إلى تعديل نظرة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية لبعض العملات الرقمية واتخاذ الهيئة 26 إجراءً لتطبيق العملات المشفرة في عام 2023، وتسجيل بعض العملات الرقمية على أنها استثمار مثل بيتكوين وايثيريوم في عام 2024 وامكانية ادخال المزيد من العملات الرقمية لقائمة صناديق الاستثمار المتداولة، كل ذلك قد يعطي انطباع بأن تغيير النبرة من الهيئة وتقبلها لفكرة الكريبتو يؤيد فكرة أن العملات الرقمية المشفرة قد لا تتبخر، كما أن وعود الرئيس الأمريكي المُنتخب دونالد ترامب بأن الولايات المتحدة قد تكون "عاصمة التشفير" وامكانية ايجاد منصب في البيت الأبيض للوقوف على السياسات الرقمية لمنع الاحتيال والحد من التلاعب بالسوق وإجبار حاملي العملات المشفرة والبورصات على المزيد من الإفصاح قد يعطي انطباع بأن التشديد الرقابي قد يكون أكبر في الفترة المقبلة، وأن العملات الرقمية هي استثمار قانوني لبعض العملات. لذلك لا أميل أن يكون هناك تبخر مفاجئ لجميع العملات الرقمية.
تحذير من فخ العملات الصغيرة
وحذر عزام من العملات الرقمية صغيرة القيمة السوقية والحديثة والتي لم يتم إدراجها في منصات العملات الرقمية الكبيرة فهي موضع شك وتساؤل دائماً، وهو ما حدث مراراً وتكراراً مع اختفاء بعض العملات الرقمية الحديثة كعملية احتيال مفاجئة أو حتى تحت مخطط بونزي الاحتيالي. لذلك يحتاج المستثمرون هنا أن يقفوا على تأكيد جدية مشروع العملة الرقمية وخضوعها للتحقيق من قبل المنصات الكبرى قبل الاستثمار بها بشكل كبير.
وأردف قائلاً إن العملات الرقمية الصغيرة وغير المعتمدة من منصات كبرى أكثر عُرضة لعمليات التبخر كاحتيال سريع من قبل مؤسسيها، خاصة بأن تعدين عملة رقمية لا يحتاج الكثير من العناء خاصة وأن المستثمرين الصغار الذين يبحثون عن فكرة الثراء السريع متواجدين، مما يدفع إلى وجود عمليات احتيال. ويمكن تشبيهها بالشركات الجديدة والتي تكون عرضة للاستثمار في بدايتها، فهي عُرضة أيضاً للإفلاس أيضاً بشكل أسرع مقارنة بالشركات الكبرى. وهي بكل تأكيد لا تحتوي أبداً على تنظيم رقابي، وهي فقط تحمل طابع "حلم الثراء السريع".
30% من سوق الكريبتو قابلة للتبخر
وأوضح عزام أن سيناريو احتمالية تعرض العملات الرقمية الكبرى للزوال غير وارد حالياً على الأقل، وقياساً بالمخاطرة بين العملات الرقمية الكبرى والصغرى فقد يكون سيناريو الزوال أقل ترجيحاً، وقد يكون أقرب إلى الصعب جداً. وهذا بناء على معرفة أن بيتكوين تُشكل 58% تقريباً من القيمة السوقية لسوق العملات الرقمية، والايثيريوم نحو 12% بينما باقي العملات الرقمية جميعها تُشكل 30%، وبالتالي فأن هامش المخاطر الأكبر لا يتعدى 30 بالمئة من إجمالي سوق الكريبتو.
كيف تحمي استثماراتك في العملات المشفرة من التبخر؟
وبسؤال عن كيفية حماية مستثمري الكريبتو أموالهم من التبخر، أوصى مدير شريك في شركة "إكس باي" (X-Pay) للتكنولوجيا المالية، مستثمري العملات الرقمية المشفرة بضرورة توزيع أموالهم على الأصول المالية المختلفة ما بين العملات الرقمية المشفرة والأسهم والسندات والمعادن وحتى العقارات، قائلاً " لا توجد أية ضمانات للاستثمار ولا حتى في سوق الذهب المصنف أكثر ملاذ آمن للاستثمار على مر التاريخ، فكل الأسواق معرضة لفترات صعود وهبوط، ولكن ما يمكن أن نفعله هو ما بداية التوسع في تقنين سوق الكريبتو وتحول الولايات المتحدة إلى مركزاً لتعدين العملات المشفرة كما يدعو ترامب لابد من تشديد الرقابة وسن قوانين صارمة تمنع عمليات الاحتيال والنصب".
وتجدر الإشارة أن مؤسسة حماية مستثمري الأوراق المالية غير الربحية بالولايات المتحدة، تتيح لشركات الوساطة المالية التي لديها استثمارات في صناديق الاستثمار المتداولة أن تؤمن على كل مستثمر يتعامل معها ضد مخاطر الاستثمار، وبالتالي يحصل المستثمر في حالة إفلاس شركة الوساطة التي يتعامل معها على نحو 500 ألف دولار.
ما هي الضمانات التي تحمي الأصول الرقمية؟
يقول المحلل المالي الأول في مجموعة "إكويتي"، إنه قد تكون الضمانات مختلفة بين طريقة استثمار العملات الرقمية نفسها، حيث يتنوع الاستثمار في العملات الرقمية بين تملك العملة الرقمية نفسها، أو الاستثمار في صناديق الاستثمار المتداولة أو الاستثمار في عقود الفروقات للعملات الرقمية.
وتابع عزام أنه بالنسبة للعملات الرقمية كتملك قد يكون الضمان الأكبر هو فهم مشروع العملة الرقمية عن طريق قراءة “white paper” للعملة نفسها والوقوف على أساس المشروع، ومعرفة معروض العملة الرقمية. كما أن شراكات العملات الرقمية من قبل شركات كبرى يعني أن العملة الرقمية نفسها كانت تحت تحقيق واسع النطاق لقبولها ضمن تلك الشراكات. هي ضمانات قليلة ونفسية أكثر من أنها رقابية لكل عملة رقمية على حدة.
بينما الاستثمار في الصناديق المتداولة، قد تقتصر على عملتين رقميتين حالياً وهما بيتكوين واثيريوم والبعض قادم في المستقبل. يعني أن تلك الضمانات للعملتين هما تحت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية لتشريعها تلك الاستثمارات.
بينما تداول العقود مقابل الفروقات قد يقتصر على الشركات وترخيصها في الهيئات المالية، وقد يكون ضماناتها يقتصر على التسعير الصحيح وتأمين تنفيذ صفقات التداول بشكل أكبر من ضمان العملات الرقمية من الزوال.