النهار

أهمية اقتصادية وأبعاد استراتيجية أدنوك الإماراتية تستحوذ على كوفيسترو الألمانية
باولا عطية
المصدر: النهار
يمثل استحواذ أدنوك على كوفيسترو خطوة استراتيجية هامة لتعزيز مكانة الإمارات في القطاعات الصناعية العالمية، كما يعكس التزامها بالتنمية المستدامة وتنويع الاقتصاد
أهمية اقتصادية وأبعاد استراتيجية أدنوك الإماراتية تستحوذ على كوفيسترو الألمانية
شركة أدنوك (مصدر الصورة: موقع الشركة)
A+   A-

في خطوة استراتيجية مهمة، أعلنت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) عبر شركتها الدولية المحدودة، عن تقديم عرض استحواذ عام طوعي لشركة كوفيسترو الألمانية المتخصصة في تصنيع المواد الكيميائية المتقدمة. بلغت قيمة العرض 62 يورو للسهم الواحد، بإجمالي نحو 14,4 مليار يورو (15,9 مليار دولار)، ما يعكس اهتمام أدنوك بتوسيع استثماراتها الدولية، خاصة في أوروبا.

 

وتعتبر عمليات الاستحواذ من الأدوات الاقتصادية الهامة التي تلجأ إليها الشركات لتعزيز نموها وتوسيع نطاق عملياتها. تتمثل أهميتها في: 1) تحقيق النمو السريع، حيث توفر عمليات الاستحواذ فرصة للشركات للتوسع والدخول إلى أسواق جديدة بشكل أسرع مما قد يكون من خلال النمو العضوي، 2) تنويع المنتجات والخدمات، فمن خلال الاستحواذ على شركات أخرى، يمكن للشركات الاستفادة من منتجات أو تقنيات جديدة، مما يساعدها على تقديم حلول متكاملة للسوق، 3) تعزيز القدرة التنافسية، حيث تساهم عمليات الاستحواذ في تعزيز القدرة التنافسية من خلال توسيع نطاق الشركة وإتاحة الموارد الجديدة.

 

أهمية الاستحواذ

يعد هذا الاستحواذ جزءاً من استراتيجية أدنوك الطموحة للتوسع الدولي والنمو، حيث تهدف الشركة إلى تعزيز وجودها في مجالات المواد الكيميائية المتخصصة والطاقة منخفضة الكربون. وتسعى أدنوك لأن تكون من بين أكبر خمس شركات عالمية في هذا القطاع، ويعد الاستحواذ على كوفيسترو خطوة هامة نحو تحقيق هذا الهدف، إذ ستوفر كوفيسترو، التي تعد واحدة من الشركات الرائدة في تصنيع المواد عالية الأداء، منصة تأسيسية قوية لأدنوك في هذا القطاع.

يقول المحلل والكاتب الاقتصادي الإماراتي نايل الجوابرة لـ"النهار" إنّ "هذا الاستحواذ يُعد من أكبر عمليات الاستحواذ التي تقوم بها شركة نفطية، خاصة من دول الخليج، حيث يمثل خطوة خارج الصندوق نحو العالمية. استحواذ أدنوك بقيمة 18 مليار دولار، شاملاً الديون، يعكس توجه دولة الإمارات من خلال شركة أدنوك نحو الأسواق الأوروبية. هذا التحرك سيجعلها من بين أكبر الشركات في هذه الأسواق، وتحديداً في ألمانيا، التي تُعد واحدة من أكبر الدول الصناعية في أوروبا".

 

ويعتبر هذا الاستحواذ مهماً من عدة جوانب، أولها تنويع محفظة أعمال أدنوك، حيث يشكل دخول أدنوك في مجال المواد الكيميائية المتخصصة خطوة استراتيجية لتنويع مصادر إيراداتها بعيدًا عن النفط والغاز، ما يعزز مكانتها في السوق الدولية.

 

كما يفتح هذا الاتفاق آفاقًا جديدة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الإمارات وألمانيا، اللتين تربطهما علاقات قوية وتاريخية.

 

ويذكر أنّ كوفيسترو الألمانية تمتلك سجلًا حافلًا في مجال الابتكار واستخدام التكنولوجيا الحديثة، ما يتماشى مع رؤية الإمارات في ريادة التكنولوجيا المستدامة.

 

أبعاد الاستحواذ الاقتصادية

تشير عملية الاستحواذ إلى اهتمام الإمارات بتوسيع استثماراتها في الأسواق الأوروبية، خاصة في القطاعات الصناعية الحيوية مثل المواد الكيميائية والتكنولوجيا المتقدمة. هذا التحرك يعكس الاستراتيجية الطموحة للإمارات التي تستهدف تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط، حيث تعتبر الشركات الأوروبية الرائدة في التكنولوجيا والتصنيع شريكًا مثاليًا لتحقيق هذا الهدف. من ناحية أخرى، يعزز هذا الاستحواذ من مكانة الإمارات كلاعب دولي رئيسي في القطاع الصناعي. كما أن هذه الخطوة تفتح الأبواب أمام شركات إماراتية أخرى للاستثمار في أسواق جديدة ومجالات متنوعة.

 

يتوقع الجوابرة أن "يكون لهذا الاستحواذ نتائج إيجابية وقوية على مدار السنوات المقبلة، حيث سيوفر مدخلاً جديداً لشركة أدنوك. كون أدنوك شركة وطنية إماراتية، فإن هذا الاستحواذ سيساهم بشكل كبير في دعم الناتج المحلي الإجمالي للدولة".

 

وذكّر المحلل الاقتصادي الإماراتي بأن "شركة أدنوك رفعت قيمة السهم المدرج في البورصة الألمانية "داكس" من 60 إلى 62 يورو للسهم الواحد. بعد إتمام الاستحواذ والموافقة عليه، ستقوم أدنوك بطرح 10% من أسهم الشركة في البورصة الألمانية، ما سيجمع نحو 1,17 مليار يورو، وهو ما يعتبر دعماً كبيراً للشركة في توسعها داخل القارة الأوروبية".

 

العلاقات الإماراتية الألمانية

 

تاريخ العلاقات بين الإمارات وألمانيا حافل بالتعاون الاقتصادي والسياسي. فمنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في السبعينيات، شهدت العلاقات تطورًا ملحوظًا في مجالات التجارة والاستثمار. ألمانيا تُعد من الشركاء التجاريين الرئيسيين للإمارات في أوروبا، حيث تجمع بينهما مصالح اقتصادية مشتركة في مجالات عدة مثل التكنولوجيا والصناعة والطاقة.

 

عززت الزيارات المتبادلة بين قادة البلدين هذه العلاقات، وزادت الاستثمارات الإماراتية في ألمانيا بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. ويأتي استحواذ أدنوك على كوفيسترو كإضافة نوعية تعزز هذه العلاقات، وتؤكد حرص الإمارات على بناء شراكات استراتيجية طويلة الأمد مع ألمانيا.

 

وتشهد علاقات التعاون الاقتصادي بين دولة الإمارات وجمهورية ألمانيا الاتحادية نمواً مستمراً، حيث بلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين خلال عام 2022، نحو 9,6 مليارات دولار، في حين يقدر إجمالي الصادرات الإماراتية غير النفطية إلى ألمانيا بنحو 340 مليون دولار خلال عام 2022، حيث تعد ألمانيا ثاني أكبر شريك تجاري للإمارات ضمن دول الاتحاد الأوروبي بنسبة مساهمة بلغت 17% من إجمالي تجارة الإمارات البينية مع الاتحاد الأوروبي لعام 2022، فيما تعد دولة الإمارات الشريك التجاري الأول لألمانيا على مستوى الدول العربية، خلال عام 2021، حيث تستحوذ على ما نسبته 20% من تجارة ألمانيا مع الدول العربية، وعلى 45% من تجارة ألمانيا مع دول مجلس التعاون الخليجي.

 

استثمارياً، بلغت قيمة الاستثمارات الألمانية في الإمارات أكثر من 2,6 مليار دولار بنهاية عام 2020، فيما يقدر حجم الاستثمارات الإماراتية في ألمانيا بنحو 1,2 مليار دولار بنهاية عام 2021.

 

القيمة الجوهرية لأدنوك في هذا الاستحواذ، بحسب الجوابرة، "تكمن في انتقالها نحو العالمية، وخاصة من خلال شركة أوروبية محلية، وهذا يُعزز من تقليل الاعتماد الكامل لدولة الإمارات على النفط، وفي دعم الناتج المحلي الإجمالي للدولة واستقطاب خبرات جديدة لشركة أدنوك".

اقرأ في النهار Premium