تجتاح صفحات مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات منشورات تعدد فوائد ومميزات للعسل الطبيعيّ كاحتوائه على "أنزيمات حيّة" تموت عند وضعه على ملعقة معدنيّة أو "تحفيزه لعمل الدماغ"، وأنّ الإنسان قادر أن يقتات على ملعقة عسل واحدة من دون غذاء آخر في اليوم. مما لا شكّ فيه أنّ فوائد العسل لا تحصى، إلا أنّ المعلومات الواردة في المنشورات بعضها غير دقيق، وبعضها الآخر مبالغ فيه، بحسب الخبراء الذين استطلعت وكالة فرانس برس رأيهم.
جاء في المنشور الذي حقق أكثر من أربعة آلاف مشاركة من هذه الصفحة وحدها بالعربيّة أن الإنسان، لو اقتات على ملعقة عسل واحدة في اليوم، يبقى على قيد الحياة، وأن العسل يحتوي على أنزيمات حيّة تموت في حال احتكاكها مع ملعقة معدنيّة.
وبحسب المنشورات أيضاً فإن العسل الذي "لا مدّة لانتهاء صلاحيّته" يساعد دماغ الإنسان على العمل بشكل أفضل وأن البروبوليس الذي ينتجه النحل هو أقوى المضادات الحيويّة الطبيعيّة على الإطلاق.
ولا تكتفي المنشورات بهذا الحد بل تدخل في تفاصيل دورة حياة النحل وقدراتها الإنتاجية.
صحيح أنّ للعسل فوائد لا تعدّ إلا أنّ المعلومات التي سردها هذا المنشور غير دقيقة.
هل تكفي ملعقة عسل واحدة من دون غذاء آخر لإبقاء الإنسان على قيد الحياة؟ غير دقيق
"من دون طعام، نبقى على قيد الحياة لمدة 24 ساعة وأكثر!" بهذه العبارة علّق إيف بيرتو، الذي شارك إلى جانب آن شوفي في تأليف كتاب "معرفة النحل: من أجل تربية النحل بشكل عقلاني" (Connaissance des abeilles : Pour une apiculture rationnelle).
وفي اتصال بوكالة فرانس برس في 12 أيلول/سبتمبر 2024، قالت ماري لور لوغرو، نائبة رئيس الجمعية المركزية لتربية النحل، إن "العسل يتكوّن من السكّر (الأحادي أو البسيط). وأياً كان الطعام الذي تتناوله خلال اليوم فهو يبقيك على قيد الحياة. ولكن، نحن نبقى على قيد الحياة حتى لو لم نتناول أي طعام خلال أربع وعشرين ساعة…".
"أنزيمات حية" تموت عند اتصالها بملعقة معدنيّة؟ خطأ
"صحيح أن العسل يحتوي على أنزيمات، لكن لا يصحّ وصفها بالحيّة" هكذا يجيب إيف بيرتو على هذه المعلومة مؤكداً أن "الأنزيمات ليست كائناً حياً".
من جهتها، تقول ماري لور لوغرو إن "الأنزيمات تنتجها الخلايا الحيّة ولكنها مواد عضوية [...] تعمل على تسريع التفاعلات داخل حوصلة النحلة" (أي خزان العسل لديها).
وتضيف لوغرو "تختلف هذه الأنزيمات بين نحلة وأخرى. وتدخل هذه الأنزيمات، إلى جانب التهوئة في عمليّة تحويل الرحيق إلى عسل".
وتتابع لوغرو قائلة "لكن الأنزيمات ليست كائناً حياً، فهي بروتينات" لذلك، لا يمكن الحديث عن موت للأنزيمات عند ملامسة ملعقة معدنيّة [...]، "نحن أنفسنا، الذين نربي النحل، نحتفظ بالعسل وقت الحصاد في الفولاذ المقاوم للصدأ، وبالتالي في المعدن".
وتلفت إلى أنّ عامل الحرارة يؤثّر من جهته على خصائص العسل.
العسل "يساعد الدماغ على العمل بشكل أفضل"؟ تماماً كأي طعام يحتوي على السكر
مما لا شك فيه أنّ للعسل تأثيراً على الدماغ (أكبر مستهلك للسكر) كونه يحتوي على السكر ولكن ليس أكثر من الأطعمة الأخرى من نفس الفئة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن تأثير خاص، بحسب لوغرو.
البروبوليس (العكبر) أحد "أقوى المضادات الحيويّة الطبيعيّة"؟ غير دقيق
جاء في المنشورات المتداولة أن البروبوليس من أقوى المضادات الحيوية. في هذا الصدد توضح ماري لور لوغرو قائلة "إنها مادة لزجة تغطي براعم بعض الأشجار، وأشجار الحور، والصنوبريات، وما إلى ذلك، ويستخدمه النحل بشكل خاص لسد الثقوب في القفير أو تحنيط الحيوانات الصغيرة التي دخلت إليه. ولكن "لا شيء يثبت أن البروبوليس مضاد حيوي طبيعي".
صحيح أن البروبوليس "غني بالمركبات المطهرة والمضادة للفطريات (ضد العفن)"، بالاستناد إلى قاعدة البيانات المرجعية للمنتجات الصحية VIDAL، ولكن لم تتناول أي دراسة جديّة فعاليته على الإنسان "الذي يلجأ إليه في العلاجات التقليديّة".
العسل ليس له تاريخ انتهاء الصلاحية؟ ليس تماماً
تشرح ماري لور لوغرو أنه لا يمكن الحديث عن تاريخ انتهاء الصلاحية للعسل، فهو ليس شيئاً تنتهي صلاحيته. [...] لكنها تؤكد أن له أيضاً حدّ أدنى لهذه الصلاحيّة الذي يُحدّد في 18 شهراً، وهذا يعني أن جميع خصائص العسل تكون في ذروتها خلال هذه الأشهر الثماني عشرة".
ففي فرنسا مثلاً، لا يوجد أي التزام بالإشارة إلى تاريخ انتهاء الصلاحية على العبوات، لكن "ينبغي تحديد الحدّ الأدنى لتاريخ الصلاحيّة" كما يؤكد إيف بيرتو، موضحاً أنه "إذا ظل العسل بارداً، فيمكن الاحتفاظ به - [بدون] تغيير - لعدة سنوات".
تعيش النحلة أقل من أربعين يوماً؟ صحيح
جاء في المنشور المتداول أن النحلة تعيش أقل من أربعين يوماً وتزور ألف زهرة على الاقل وتنتج أقل من ملعقة صغيرة من العسل، وبحسب الخبراء الذين استجوبتهم وكالة فرانس برس فإنّ هذه المعطيات دقيقة إلى حدّ ما.
في هذا الصدد يقول إيف بيرتو إن نحل الصيف يعيش أقل من 40 يوماً ويمكن أن يعيش ما يسمى بالنحل الشتويّ من 3 إلى 5 أشهر.
وتشرح ماري لور لوغرو أن "النحل يزور مئات الزهور يومياً، لذا فإن العدد أكبر بكثير [إذا كان ذلك طوال فترة حياتهم]"، مؤكدة على أن النحلة تنتج في المتوسط أقلّ من ملعقة صغيرة من العسل.