ملايين المشاهدات وعشرات آلاف المشاركات حصدتها منشورات متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي يؤكّد مروّجوها أنّ العلاجات الكيميائيّة المعتمدة لعلاج السرطان غير مجدية بنسبة 97%. ويعلّل هؤلاء ادعاءهم بالاستناد إلى فيديو من مقابلة لطبيب أميركي في العلاج الطبيعي. لكنّ مقابلة الطبيب تستند إلى دراسة أسيء فهمها. أما العلاج الكيميائي فقد أثبت فعاليته وهو ليس العلاج الوحيد ضدّ السرطانات.
"لماذا يُستخدم العلاج الكيميائي للسرطان بالرغم من فشله بنسبة 97%؟" هي عبارة اقتبسها مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي من مقطع فيديو يمتدّ على أكثر من دقيقتين يظهر فيه الطبيب الأميركي بيتر غليدن، وهو معالج بالطب الطبيعي.
وممّا جاء على لسان هذا الطبيب في الفيديو أن أطباء الأورام يغتنون سريعاً بلجوئهم إلى العلاج الكيميائي في ظلّ النظام الصحي الأميركي.
ينتشر هذا الفيديو منذ العام 2011 على الأقل وبلغات عدة منها العربية والفرنسية والإنكليزيّة حاصداً ملايين المشاهدات وعشرات آلاف المشاركات وسط تعليقات تؤكّد أن هذه العلاجات الكيميائيّة المستخدمة على مرضى السرطان هدفها ربحيّ ليس إلا.
إلا أنّ هذا الادعاء لا أساس له من الناحية العلميّة بالاستناد إلى أطباء الأورام الذين استطلعت رأيهم وكالة فرانس برس.
يقول إريك سولاري نائب رئيس مؤسسة ARC للأبحاث السرطانيّة لصحافيي فرانس برس في الأول من تشرين الأول 2024، إن هذه النسبة المذكورة "غير مفهومة". ويشرح قائلاً إن العلاج الكيميائي يفضي إلى نتائج متكاملة وإلى شفاء تامّ لدى بعض المرضى. وبالتالي فإنّ (نسبة 97%) بعيدة جداً عن الواقع".
ويضيف سولاري "تستخدم اليوم أدوية جديدة في علاجات السرطانات إلى جانب علاجات موجّهة وعلاجات مناعيّة، لكن يبقى العلاج الكيميائي مكوّناً أساسياً في علاج الأمراض السرطانيّة يخلّص كلّ يوم حياة عدد كبير من المرضى".
وفي حديث مع صحافيي خدمة تقصي صحة الأخبار في وكالة فرانس برس، قال طبيب الأورام مانويل رودريغيزرئيس الجمعية الفرنسية لأمراض السرطان (أرشيف) "لا يمكن الخلط بين كلّ أنواع السرطانات والعلاجات الكيميائية. يتعيّن تحليل كل نوع من أنواع السرطانات، لا بل كلّ نوع من أنواعه الفرعيّة".
العلاج الكيميائي، مبدأ علاجيّ لحالات مختلفة
بحسب موقع غوستاف روسي لمكافحة أمراض السرطان، فإن العلاج الكيميائي ليس نوع دواء إنما "مبدأ علاج يضم أنواعاً مختلفة من الأدوية" هدفه القضاء على الخلايا السرطانية.
وبحسب نوع السرطان يوصف العلاج ويعطى بطرق شتى إما فموياً أو عن طريق الوريد. وهنا تحدّد فاعليته بما أنّ الأورام باختلافها لا تتجاوب مع نفس العلاجات الكيميائيّة.
أما مؤسسة ARC للأبحاث السرطانية فتقول عبر موقعها إن العلاج الكيميائي (أرشيف) علاج "نظاميّ" يعمل على كامل جسم الإنسان ويمكن اللجوء إليه في سيناريوهات مختلفة، كـ"علاج حصري" لبعض السرطانات (بخاصة سرطان الدم)، أو كعلاج قبل عمليّة جراحيّة أو قبل جلسات علاج بالأشعة "بهدف تقليص حجم الورم" أو حتى بعد هذين السيناريوهين لإزالة احتمال وجود "خلايا سرطانية متبقيّة".
اللجوء إلى العلاج الكيميائي ممكن أيضاً في المراحل الأخيرة (مرحلة انتشار الورم) بهدف تثبيت الحالة، أو في المرحلة التلطيفية عندما لا يكون الشفاء ممكناً. عندئذ يُعتمد العلاج لتحسين "مدة" و"نوعية الحياة".
وبالتالي، فإن الحديث عن "العلاج الكيميائي" بشكل مطلق كما في المقطع المتداول لبيتر غليندن، لا معنى له، لأن هذا العلاج يشمل حالات متغيرة، بحسب ما أوضحت في 4 تشرين الاول 2024 ماريان دوبيري، مديرة التوصيات والأدوية في المعهد الوطني للسرطان في حديث لوكالة فرانس برس.
وتشرح دوبيري قائلة "لا يوجد علاج كيميائي واحد بل عدة علاجات كيميائية. فكلّ دواء يدخل في العلاج الكيميائي يحصل على ترخيص للتسويق، بعد نتائج التجارب السريرية وتقييم الوكالات الحكومية المسؤولة عن وصول الأدوية إلى السوق للفائدة أو الخطر".
ويستطرد إيريك سولاري قائلاً "يضمّ العلاج الكيميائي مجموعة كبيرة من الأدوية المختلفة المستخدمة بطرق شتى بحسب نوع السرطان. ويكرّر قائلاً "يسمح العلاج بشفاء العديد من المرضى".
أما مانويل رودريغيز فيقول "يستهدف العلاج الكيميائي الخلايا التي تتكاثر، على عكس الخيارات العلاجية الأخرى التي طوّرت بعده. وبالتالي، فإن معرفة ما إن كان السرطان يتكاثر بسرعة أم لا هو أحد المعايير التي تؤخذ بعين الاعتبار عند اتخاذ قرار اللجوء إلى العلاج الكيميائي".
ويعرض رودريغيز من جهة، مثال سرطان الميلانوما، وهو ورم جلديّ، فيقول "في بعض الحالات، قد يكون هذا الورم خطيراً، لكن العلاج الكيميائي [...] غير فعّال لهذا النوع من السرطان، لذا لا يوصف للمصابين به".
من جهة أخرى، يشرح إيريك سولاري أن "بعض أنواع السرطان حساسة جداً تجاه العلاج الكيميائي". ويذكر على سبيل المثال، "مرض هودجكين، وهو نوع من السرطانات التي تصيب أحياناً صغار السنّ وهو يحقق منذ زمن نسبة شفاء في أكثر من 50% من الحالات بفضل العلاج الكيميائي إلى جانب العلاج الإشعاعي في بعض الأحيان".
ويضيف الطبيب "العديد من أنواع الليمفوما الخبيثة تشفى أيضاً، وبشكل شبه حصري، بواسطة العلاج الكيميائي وذلك منذ فترة طويلة". ويذكر أيضاً حالات اللوكيميا ويقول "في 95% من حالات اللوكيميا الحادة يموت المريض في غضون بضعة أيام إن لم يتلقّ العلاج الكيميائي".
وتفصّل ماريان دوبراي بالقول "تختلف +ردة فعل+ السرطانات تجاه العلاج الكيميائي بحسب نوع الأورام ومكان تواجدها. كلما كان السرطان حساساً على العلاج الكيميائي، زادت فرص فاعلية هذا العلاج".
وتذكّر الخبيرة بأنه "من الصعب جداً قياس فاعلية العلاج الكيميائي بشكل عام بسبب التنوع الكبير لأمراض السرطان".
وتضيف "يسبّب هذا المبدأ العلاجي آثاراً جانبية موقتة "شائعة لكنّها غير منتظمة"، وتختلف باختلاف نوع العلاج الكيميائي المستخدم.
وتفصّل "يمكن أن تشمل هذه الآثار الجانبية الغثيان، والتقيؤ، والتهاب الفم (التهاب الأغشية المخاطية) أو القروح، والإسهال أو الإمساك، وفقدان الشعر موقتاً، والتعب، وانخفاض خلايا الدم البيضاء أو الحمراء أو الصفائح الدموية. ويمكن الحدّ من بعض الآثار الجانبية أو حتى تجنبها، من خلال الرعاية والأدوية المناسبة. وفي بعض الحالات لا تترتب آثار جانبيّة عن العلاجات الكيميائية، وهذا لا يعني أن العلاج غير فعّال".
نسبة مئوية تستند إلى سوء فهم لدراسة بمنهجية غير تقليدية
ما انفكّ مقطع الفيديو الذي يظهر فيه بيتر غليدن ينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي منذ العام 2011. وعلى الرغم من حذفه عن يوتيوب إلا أنّ العودة إليها ما زالت متاحة عبر رابط مؤرشف.
وبحسب التعليق المرفق بإحدى نسخ هذا الفيديو، فإنّ المعالج بالطب الطبيعي الأميركي بيتر غليندن يعتمد على دراسة أوسترالية نُشرت عام 2004 في مجلة Journal of Clinical Oncology، وهي مجلة تخضع مقالاتها للمراجعة العلمية.
هدفت هذه الدراسة إلى تقييم مساهمة العلاج الكيميائي في نسبة البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات لمرضى يعانون من أنواع مختلفة من السرطان، بالاعتماد على بيانات وبائية أميركية وأوسترالية تعود لعام 1998، وخلصت إلى أنّ العلاج الكيميائي ساهم في بقاء هؤلاء المرضى على قيد الحياة بنسبة تفوق 2 % بقليل.
هذا لا يعني أنّ الدراسة خلصت إلى أنّ العلاج الكيميائي يفشل بنسبة 97%.
ويقول مانويل رودريغيز تعليقاً على هذه الدراسة "نحن أمام مقال جودته منخفضة، من جهة وسوء فهم لما ورد فيه من جهة أخرى".
كذلك يشير أخصائي الأورام إلى أن نتائج هذا العمل العلمي "غير الواضح" تحتاج إلى التفسير بحذر حتى لو فهمت بشكل صحيح: "طريقة حساب [مؤلفي الدراسة] متحيزة جداً في تقييم فائدة العلاج الكيميائي، لأنهم نظروا في الأدبيات العلمية، والدراسات السريرية، ثم نظروا في عدد حالات سرطان في الولايات المتحدة وأوستراليا، وقدروا عدد المرضى الذين ظلوا على قيد الحياة بفضل العلاج الكيميائي. لذا، هي مجرد تقدير تقريبي".
ويقول أيضاً "إنهم يخلطون بين بيانات الحياة الواقعية وبيانات التجارب السريرية".
ويشرح مانويل رودريغيز" في مجال الأورام الطبية، نكون أمام حالات ثلاث. عندما نعلم أن العلاج الكيميائي لا يقدم فائدة، لا نوصي به. [...] في الحالات التي يكون فيها ضرورياً، نشجع المرضى بشدة على العمل برأي طبيب الأورام. وعندما تكون الفائدة مجرد نسبة صغيرة [...]، نجري نقاشات جادة [حول جدوى اللجوء إليه] مع المرضى".
من جانبها، تسلط ماريان دوبيري الضوء على "الخطر" المتمثل في الادعاءات المضللة مثل تلك المتعلقة بنسبة فشل العلاج الكيميائي، مشيرة إلى أن "مثل هذه الرسائل، تدفع المرضى لتجنب العلاجات التقليدية التي أثبتت وحدها فعاليتها في علاج مرضى السرطان".
خدمة تقصي صحة الاخبار، وكالة فرانس برس