النهار

مدقّقون في الأخبار الكاذبة مولعون بالحقيقة... التغيير تحقّق
هالة حمصي
المصدر: النهار
مدقّقون في الأخبار الكاذبة مولعون بالحقيقة... التغيير تحقّق
hartono-creative-studio-v9xYKxe5wok-unsplash_154528.jpg
A+   A-
المراقبة على مدار الساعة، واليقظة ضرورية لهؤلاء الساهرين الصاحين، المولعين بالحقيقة. فـ"الجبهة" مشتعلة ليل نهار، لا تهدأ، لا تنام، شاسعة على وسع فضاء الانترنت الذي بات هواء العالم الافتراضي لملايين. هذه حياة كلّ مدقّق في المعلومات يحمل في قلبه شغف البحث عن الحقائق ومكافحة المعلومات المضللة. تعب؟ نعم. ولكنه مستحق. 

اعوام عديدة مرّت على الانطلاقات الأولى في مجال تقصي صحة الاخبار وما تبعها من تطور وتوسع، لا سيما في المنطقة العربية. صحافيون من عوالم مختلفة يقارعون الكذب بالمعلومة الصائبة كل يوم. منصات ومواقع للتدقيق تأسست ونمت، أبرزها "النّهار تتحقق" التي انطلقت في بداية عام 2018. والمهمة مستمرة، وقودها شغف بالرسالة.  

نعم... تحقّق تغيير  
قد يُقال إن الاخبار الكاذبة لا تزال مستشرية بعناد في وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من هذه الأيادي المكافحة. الا انه في لغة هؤلاء المدققين المحاربين، لقد تحقّق الكثير. ما يلاحظه الصحافي المدقق في المعلومات محمود غزيل، أحد الوجوه المعروفة في وسائل التواصل، هو حصول تغيير في لبنان والمنطقة العربية. "لقد لمسنا اهتماما واسعا لدى الناس بالوصول الى الحقيقة، وازداد وعيهم تجاه اخطار الاخبار الكاذبة"، على قوله. 

ومثله، لاحظت الصحافية في خدمة تقصي صحة الأخبار في وكالة "فرانس برس" جويس حنّا تغييرا تحقّق خلال مسيرتها في التدقيق. فإلى جانب تقصي المعلومة المنتشرة، "نعيد وضعها في سياقها الحقيقي ونقدم معلومات جديدة، دقيقة. وفي الوقت نفسه، نشرح لقرائنا الأدوات والتقنيات التي استخدمناها" في عملية التقصي. 

خدمة تقصّي صحّة الأخبار التي تعمل فيها حنا واحدة من أقسام "فرانس برس". عام 2017، كوّنت الوكالة فريقاً متخصّصاً في تقصّي صحّة الأخبار المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي. ومنذ ذلك الحين، تنشغل بهذه المهمة مع أكثر من 100 متخصّص في تفكيك الأخبار المضلّلة يتوزّعون على عشرات المدن التي توجد فيها مكاتب الوكالة حول العالم. 

وتراقب هذه الفرق مواقع التواصل بـ24 لغة على الاقل، للتدقيق في الادعاءات المثيرة للشكّ المنتشرة على نطاق واسع، والتي قد يكون لها تأثير على المجتمع أو التي قد ينتج منها ضرر. وكل مرة تنجز حنا مقالة تدقيق، تكون دفعت في اتجاه "تقديم نهج جديد للناس"، على قولها، "كي ينكبوا على أدوات التدقيق المستخدمة ويختبروها، لأنها متاحة للجميع مجاناً، الى جانب تقديم تفكير جديد، كي يتنبهوا، لأن ليس كل شيء يرونه على مواقع التواصل صحيح. اذاً، هناك نوع من التحذير، نوع من السياقات والمعلومات الجديدة. وهذا ما نعتبره إنجازاً". 

والانجاز لمسه بدوره المدير التنفيذي لمنصة "تأكد" الصحافي السوري المقيم حاليا في النروج أحمد بريمو. بالنسبة اليه، لقد تحقّق "فرق كبير على مستوى دفق المعلومات المضللة في الانترنت". عمل مدققي المعلومات "ساهم كثيرا في تحفيف وطأته"، على قوله، و"وجود من يقول للمخطئ إنك مخطئ وللمضلل إنه مضلل، يدفع بالمضللين والمخطئين، والناشرين أيضا، الى التريث قبل النشر، لعلمهم ان هناك من يتابع ويدافع عن الحقيقة ويمكن ان يضعهم في موقف محرج".  

البذرة الأولى لـ"تأكد" كانت في آذار 2011، من موقع إخباري اسمه "شو الأخبار"، تحوّل تغطية حقيقة ما يحصل في سوريا "ردّاً على ما كانت تروّج له وسائل الإعلام السّورية الرسمية. وكان الثمن اعتقال رئيس تحرير الموقع ونسف المخابرات السوريّة محتواه بالكامل". ومطلع عام 2016، انطلقت منصة "تأكد" كصفحة في الفايسبوك. ثم انطلق موقع باسمها في آذار 2016، وحقق انطلاقة جديدة في 1 آذار 2021.

ولا مجال للمساومة تجاه خطيئة الكذب والتضليل. "لا سلاح لدينا في مواجهة المضللين او من يقعون في الخطأ سوى اشهار اسمائهم والتحذير منهم"، وفقاً لبريمو، "لأنه يحق للجمهور ان يستقي معلوماته من مصادر تحترم الحقيقة ومهنة الصحافة، ولا تستغبي الآخرين أو تجنّدهم في صف طرف على حساب آخر من أجل تحقيق مصالح سياسية او اقتصادية او مذهبية او غيرها". 

الذكاء البشري 
ما مقترحات مدققينا من أجل مكافحة أفضل للتضليل والاخبار الكاذبة في المستقبل؟ 

تتعدد أفكارهم وتتنوع، في ضوء ما يواجهونه من صعوبات وتحديات في مهمتهم اليومية. ما يأمله غزيل، كمدقق، هو أن "يكون هناك متحدث رسمي باسم الحكومة اللبنانية يمكن التواصل معه بسهولة للحصول على المعلومات الصحيحة والتأكد من مستجدات"، أن "تكون هناك شفافية اكبر وتعاط افضل مع الاشخاص الباحثين عن المعلومة الصحيحة والحقيقة، وان يكون هناك رد من الاجهزة الحكومية على اسئلة الناس عندما تنتشر معلومات خاطئة". 

ومن مقترحاته ان "تعمد الحكومة اللبنانية، ممثلة بوزارة الاتصالات مثلا او اي وزارة اخرى معنية، الى وضع تنظيم لسوق البرمجيات المخصصة للذكاء الاصطناعي، ووضع أنظمة لحماية بيانات الناس من أخذها ودرسها من الذكاء الاصطناعي من دون إذنهم". 
على مستوى آخر تركّز حنا، اذ تشدّد على "التوعية كوسيلة مهمة في مكافحة المعلومات المضللة". وما تعنيه هو "تفعيل جهود التوعية التي تشمل المواطنين والطلاب والجامعيين... كي يكافحوا بدورهم الاخبار الكاذبة". 

وهذا الامر يؤيدها فيه بريمو الذي يشدد بدوره على وجوب "العمل على رفع مستوى الوعي الرقمي والاعلامي لدى الجمهور، وتنظيم برامج توعية شاملة للتعريف بأدوات التحقق، وتعزيز التفكير النقدي لدى المستخدمين". 

ويحضر الذكاء الاصطناعي وتطوراته وأخطاره، التي يدرك المدققون انها تصعّب عملهم. لكن لدى حنا تذكير لمن نسي جوهر الأمر. "في عملنا، نحتاج دائما الى الذكاء الإنساني، الى ادوات الإنسان، إلى عقله. قد يساعد الذكاء الاصطناعي في مواضع، لكنه لا يستطيع وحده، من دون الإنسان، ان يكشف تضليلا. الذكاء البشري يبقى الأهم". 

"النّهار تتحقق"... الرسالة 
بانطلاقة "النّهار تتحقق" في بداية عام 2018، انضمت الجريدة التي أصدرت عددها الأوّل في 4 آب 1933، الى قائمة المؤسسات الاعلامية العالمية المدققة في الأخبار. وفي هذه الفسحة الحيّة، أرادت تعزيز ثقة قرائها بها، ومكافحة الأخبار الكاذبة. وحصيلة الاعوام الستة تلك، مئات مقالات تقصي الأخبار والصور والفيديوات، وفريق عمل يضمّ مراسلين في مصر والعراق... ووعد بمواصلة الرسالة كل يوم.

"النهار دقّقت" من أجلكم.  

اقرأ في النهار Premium