النهار

تبنّت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الشهر الماضي "ميثاقاً من أجل المستقبل" يهدف إلى "حماية حاجات الأجيال الحاليّة والمقبلة ومصالحها"، رغم معارضة دول، بينها روسيا، بداعي الحذر من التدخّل في شؤونها الداخلية. تزامناً مع ذلك، تداول مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لطبيبة أميركية تحذّر من "انتهاك سيادة الدول"، و"السيطرة على الجماهير" من خلال هذا الميثاق. إلا أن ما جاء في كلامها مضلّل. وهذا الميثاق لا يمكنه تجاوز القوانين المحليّة للدول، بحسب خبراء استطلعت وكالة "فرانس برس" آراءهم.

يضمّ المنشور المتداول بلغات عدّة حول العالم مقطع فيديو لسيّدة تتحدّث فيه عن "ميثاق المستقبل" وتستعرض نقاطاً وردت فيه.

ويعود الفيديو لطبيبة عظام في ولاية أوهايو الأميركية تدعى شيري تينبيني، وهي ناشطة مناهضة للقاحات. وسبق أن تحققت وكالة "فرانس برس" من ادعاءات مضللة روّجت لها.

وجاء في حديثها في هذا المقطع الذي نشرته على حسابها في إنستغرام بتاريخ 24 أيلول الماضي "يمثّل ميثاق الأمم المتحدة المستقبليّ محاولة غير دستورية لإنشاء معاهدة تقوّض سيادة الولايات المتحدة من خلال السماح للمنظمات الدولية بإعلان حالة الطوارئ العالمية من دون موافقتنا. وهذا يضرّ ليس بالولايات المتحدة فحسب، إنما ايضا بالعالم أجمع".

وتقول تينبيني إن "ميثاق المستقبل" سيسمح للأمم المتحدة بفرض قوانين جديدة على الدول الأعضاء و بمعاقبة أولئك الذين ينشرون "آراء مختلفة ستوصف بأنها أخبار كاذبة"، من خلال تقييد حساباتهم المصرفية ومنعهم من السفر على الطرق العامة أو في وسائل النقل العام.

حظي الفيديو بانتشار واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وتُرجم إلى لغات عدة، بينها العربية، أياماً بعدما تبنّت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتاريخ 22 أيلول الماضي هذا الميثاق.

وفي الميثاق، يلتزم القادة تعزيز النظام المتعدّد الأطراف لـ"مواكبة عالم سريع التغيّر"، و"حماية احتياجات الأجيال الحالية والمقبلة ومصالحها" المهدّدة بـ"أزمات متواصلة". وبحسب الميثاق، يؤمن هؤلاء القادة "بوجود طريق نحو مستقبل أفضل للجميع".

ويعرض الميثاق في أكثر من عشرين صفحة، 56 "إجراء" في مجالات تراوح بين أهمية التعددية واحترام ميثاق الأمم المتحدة والحفاظ على السلام، وإصلاح المؤسسات المالية الدولية ومجلس الأمن الدولي، أو حتى مكافحة تغيّر المناخ ونزع السلاح وتطوير الذكاء الاصطناعي.

فما حقيقة ما جاء على لسان تينبيني وتداوله المستخدمون؟

لا يتضمّن الميثاق الذي أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة أياً من العبارات التي تدّعي تينبيني أنه يحتوي عليها، بل يحضّ الدول الأعضاء على احترام "سيادة كلّ منها وسلامتها الإقليمية، والدفاع عن مبادئ الاستقلال السياسي وتقرير المصير". 

ولا يوجد في أيّ مكان في الوثيقة أي بند يسمح للأمم المتحدة بإعلان "حالة الطوارئ" العالمية. ولا يوجد أي بند لتحديد الهوية البيومترية على نطاق عالميّ. كذلك لم يذكر القسم المتعلّق بالتقنيات الرقمية في الميثاق أي إجراءات مماثلة.

ويوصي الميثاق الدول بالحدّ من نشر المعلومات الكاذبة، لا سيما في الحالات التي يمكن أن تؤدي فيها إلى تأجيج العنف. ومع ذلك، لا يذكر أي إجراءات جنائية محدّدة، ويطلب من الدول احترام "الحق في حريّة التعبير والخصوصيّة".

وحاولت تينبيني ربط ميثاق المستقبل باقتراح سابق لمنظمة الصحة العالمية للتعامل مع الأوبئة المستقبلية، والذي ادعى بعض مستخدمي الإنترنت في وقت سابق أنه سيتيح للمنظمة السيطرة على قوانين الصحّة الأميركيّة.

ويذكر ميثاق المستقبل المكوّن من 61 صفحة، اللقاحات مرتين، في سياق تشجيع الدول الأعضاء على تطوير خطط لتوزيع اللقاحات بشكل أفضل وضمان توفرها للأطفال. ولا يوجد أي بند يسمح للأمم المتحدة أو منظمة الصحة العالمية بإعلان حالة الطوارئ وفرض التطعيم.

"الميثاق ليس قانوناً"

وقال بول ستيرز، مدير البرامج في مركز العمل الوقائي التابع لمجلس العلاقات الخارجية الأميركية، وناتالي كالوكا منسّقة البرامج في المجلس،  إن مواثيق الجمعية العامة ليست قوانين نافذة، ولا تستطيع الهيئة فرض عقوبات على نشر معلومات كاذبة أو رفض التطعيم.

وقال الاثنان في رسالة عبر البريد الإلكتروني بتاريخ 27 أيلول "هذه مجهودات لتشكيل معايير عالمية وتحفيز العمل الدولي (...) لن تكون أحكام ميثاق المستقبل ملزمة قانونياً أو قابلة للتنفيذ في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر".

واستبعد ستيرز وكالوكا أن يناقش مجلس الأمن الدولي- الذي يمكنه إصدار قرارات ملزمة- هذا الميثاق، وذلك بسبب الاعتراضات الروسيّة عليه من جهة، والصياغة الفضفاضة للإجراءات الواردة فيه من جهة أخرى.

وبالفعل، كانت روسيا قد أرادت، بدعم من بيلاروسيا وإيران وكوريا الشمالية ونيكاراغوا وسوريا، تقديم تعديل يؤكد أن الأمم المتحدة "لا يمكنها التدخل" في الشؤون "الداخلية" للدول. لكن غالبية الأعضاء في الجمعية رفضوا أخذ هذا الاقتراح في الاعتبار.

وقالت كارين ماثياسن، مديرة البرامج في مركز التنمية العالمية، في 27 أيلول "لا يوجد (آلية) إنفاذ، ولا مساءلة، ولا آلية للمساءلة، ولا مراقبة حقيقيّة، ولا خطّة تنفيذ".

وختمت قائلة "الوثيقة بغالبيتها تبعث على الشعور بالراحة، لكنّ نشر هذا النوع من الوثائق في أوقات الأزمات ليس بالضرورة بناءً".

خدمة تقصّي صحّة الأخبار باللغة العربيّة، وكالة فرانس برس