جولة عربية لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بدأت من بيروت ثم دمشق وصولاً إلى الرياض حيث التقى وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهذا اللقاء تحديداً كان محط اهتمام المراقبين والمتابعين لتطورات الشرق الأوسط.
عراقجي كان قد أشار إلى أن المنطقة "بحاجة إلى اليقظة والحكمة والشجاعة والتعاون من أجل تجاوز هذه الفترة المليئة بالتحديات". ووصف محادثاته في المملكة العربية السعودية بأنها "مهمة للغاية" وأنها تركزت على "القضايا الحيوية ذات الهواجس المشتركة".
وعقب اللقاء الذي جمعه مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، كتب عراقجي على صفحته على موقع "اكس": "الجغرافيا ستبقينا دائماً جيراناً، وإيماننا سيجعلنا دائماً إخوة... معاً، يمكن لإيران والسعودية المساعدة في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. فهو يتطلب مستوى معززاً من الإرادة السياسية. و یسعدني اتخاذ الخطوات الأولى في رحلة طويلة مع نظيري السعودي".
وفي العاصمة القطرية الدوحة، كان لقاء مع رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، وأكد رأس الدبلوماسية الإيرانية أن إيران وقطر "تتقاسمان مخاوف ومصالح مشتركة"، وأنهما عازمتان على التعاون. وشدّد على أن المنطقة تواجه "تحديات صعبة يجب معالجتها من خلال المشاورات الوثيقة والجهود المشتركة".
وكتب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي على منصة "اكس" أن لقاء الدوحة شهد مشاورات مهمة، وأنه "على جميع دول المنطقة أن تبذل قصارى جهودها لتجنيب المنطقة كارثة مفروضة من خلال وقف الإبادة الجماعية في غزة وإنهاء عدوان كيان الاحتلال على لبنان".
حراك نشط وضغط ضعيف
الحراك الدبلوماسي الإيراني النشط، يأتي توازياً مع التهديدات الإسرائيلية بالرد على القصف الصاروخي الإيراني مطلع الشهر الجاري. وفي حديث مع "الجزيرة" شدد عراقجي على أن بلاده "جاهزة لأي سيناريو مع أنها لا تريد الحرب ولا التصعيد، وبإمكان الإسرائيليين اختبار إرادتنا". وأشار في المقابلة ذاتها أن إسرائيل "تبحث عن حرب واسعة وجرّ دول إلى هذه الحرب"، مؤكدا أن بلاده ليست الوحيدة التي لا تريد حربا واسعة بل إن الجميع يعرف "كارثية هذه الحرب".
لكن الأهم بالنسبة لمصادر لبنانية مطلعة على أجواء الجولة الإيرانية، أن عراقجي أعلن صراحة دعم طهران لأي "قرار يصدر عن الحكومة اللبنانية والمقاومة".
وبحسب المصادر نفسها، أن "المشكلة ليست عند الإيرانيين، إنما عند الإسرائيليين الذين يرفضون وقف إطلاق النار"، وأضاف المصدر في حديثة إلى "النهار" أن الضغط الدولي حتى الآن "ضعيف وليس كما يجب"، مع التشديد على أن القرار 1701 طبق من الجانب اللبناني إنما "إسرائيل هي التي ارتكبت آلاف الخروقات طوال الأعوام الماضية، تماماً كما فعلت بسائر القرارات الدولية".
في سياق متصل، أكد مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان، أن إيران تعمل على "مختلف المستويات من أجل وقف إطلاق النار في لبنان وغزة". ورأى خلال حديثه مع "النهار" أن الجهد الدبلوماسي للوزير عراقجي بدأ على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أواخر الشهر الماضي، وأن نظرة طهران للأمور أن "التطورات الراهنة تؤثر على المنطقة بأسرها، ومن هنا يأتي التشديد الإيراني على وقف إطلاق النار"، ويستطرد الدكتور صدقيان ليؤكد على أن موقف عراقجي واضح بأن بلاده تقبل بما يقبل به اللبنانيون والفلسطينيون في غزة، معتبراً أن "النقطة المركزية لإيران هي غزة، لأنه إذا لم يشمل وقف إطلاق النار القطاع، فهذا يعني أن القتال مرشح للتصعيد والانتقال مجدداً إلى الساحات الأخرى". وينوّه هنا إلى أن التصعيد بين إيران وإسرائيل سببه الحرب في غزة، ويتساءل عمّا سيكون عليه "موقف المجتمع الدولي في حال ارتكبت إسرائيل حماقة وهاجمت إيران؟".
قنوات مفتوحة
في الإطار الدبلوماسي الدولي، يؤكد صدقيان أن القنوات مفتوحة و"تحديداً مع فرنسا ولا توجد مشكلة معها"، لكنه يشير في الوقت عينه إلى أن "المشكلة هي عند الولايات المتحدة الأميركية، التي يعمل رئيس الحكومة الإسرائيلي نتنياهو على استغلال وابتزاز ظروفها الانتخابية... وهو بارع في ذلك".
أمّا عربياً فإن قنوات الاتصال لا تزال قائمة عبر "منصات عُمان والدوحة وبغداد"، ويشير إلى أنه من خلال المباحثات التي أجراها عراقجي في السعودية، "هناك اتفاق رأي حول وقف إطلاق النار وتهدئة الأوضاع في المنطقة"، ووصف اللقاء مع الأمير محمد بن سلمان "بالمهم جداً" وأن اللقاء أعطى انطباعاً على "الانفتاح لمناقشة كل المواضيع والعلاقات البينية التي من شأنها أن تعزز الاستقرار"، وأن الحكومة الإيرانية تريد إنهاء "حالة التدافع الأمني والسياسي في المنطقة والذهاب باتجاه الاستقرار".
إلى جانب هذا، يتحدث مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية، عن "وجود شكوك في موقف واشنطن، فهم يبعثون برسائل أنهم يدعمون وقف اطلاق النار، لكنهم في الوقت عينه يمدون إسرائيل بالأسلحة وبذخائر تستعمل للمرة الأولى"، ويضيف أن "أميركا هي وحدها من يستطيع وقف الجنون الإسرائيلي".