في وقت تتضارب التحليلات والتوقّعات في ما سيكون عليه الوضع بعد التوصّل الى وقف لإطلاق النار في الشرق الأوسط، والتحذيرات من موجات لجوء جديدة إلى أوروبا، شهد البرلمان الاتّحادي الألماني هذا الأسبوع جلسة عاصفة كان نجماها المستشار أولاف شولتس وزعيم الاتّحاد المسيحي أكبر أحزاب المعارضة في البوندستاغ فريدريش ميرز، الذي اتهم الائتلاف الحاكم برفض منح الموافقات لتصدير الأسلحة والذخائر وقطع غيار الدبابات إلى إسرائيل. فماذا عن موقف برلين بين رؤيتها لمفهوم الحماية للمدنيين بمقتضى القانون الدولي الإنساني ودعم الحرب المدمرة التي يقودها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو؟
إسرائيل أوّلاً
بيّنت النقاشات داخل البوندستاغ مع الذكرى السنوية الأولى لـ"طوفان الأقصى" والحرب على غزة أن ألمانيا باقية على مسارها وتعهداتها وستواصل تسليم الأسلحة الى إسرائيل، وهو ما أكده رد شولتس على الاتهامات التي ساقتها في حقّ حكومته أحزاب المعارضة بأنّها لا تقدّم الدعم لإسرائيل. وقال شولتس بعد أن اقتحم مقاعد كتلة حزبه النيابية: "لم نقرر عدم توريد الأسلحة، لقد سلمنا الأسلحة، وسنقوم بتسليمها".
هذا الأمر لم يستسغه الاتّحاد المسيحي الذي يضم الحزب المسيحي الديموقراطي والشريك الأصغر الحزب المسيحي الاجتماعي في بافاريا، وقال ميرز إن العديد من الشركات تقدمت بوثائق مكتوبة تظهر أن الحكومة لم تقم بمعالجة الموافقات والتصاريح لتسليم الأسلحة إلى إسرائيل منذ أشهر، ما يعني الرفض المتعمّد لتصاريح التصدير. وهذا ما استدعى تدخلاً من زعيم كتلة الحزب الاشتراكي في البوندستاغ الذي اتهم ميرز بتخطّي الحدود، لافتاً إلى أنّه ليس عضواً في اللجنة الحكومية التي تتخذ القرارات بشأن موافقات التصدير، فمثل هذه القرارات سرية وتقع على عاتق مجلس الأمن الفيدرالي داخل الحكومة الفيدرالية.
أمّا السياسية عن حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي بياتريكس فون ستورش، فاعتبرت أنه "إذا ما أوقفت إسرائيل حربها غداً، فلن تكون هناك إسرائيل بعد الآن، ولا توجد دبلوماسية أو تفاوض مع القوى الإسلامية، وهذا ما يمكن رؤيته أيضاً لدى المضطهدين في شمال أفريقيا وتركيا"، مضيفة أن ما يحصل في شوارع ألمانيا من اضطرابات وبنتيجة أخطاء "ائتلاف إشارات المرور" الحاكم، تتزايد الهجمات المعادية للسامية، والحكومة بسياستها المتعلقة بالهجرة أجّجت الخلافات في البلاد.
انتهاكات للقانون الدوليّ
ومع تظهير الاختلافات والشقوق بين الأحزاب، بل وحتى بين أجنحتها في خصوص منطقة الشرق الأوسط، قال الباحث القانوني مارك هالتمان لـ"النهار"، إن "ألمانيا واجهت هذا العام قضية أمام محكمة العدل الدولية بخصوص صادراتها من الأسلحة إلى إسرائيل، وذلك بعد أن تقدّمت نيكاراغوا بدعوى ضد الحكومة الفيدرالية متهمة فيها برلين بالمساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية بمواصلتها تزويد إسرائيل بالأسلحة"، لكنّ محامي الحكومة الألمانية رفضوا الاتّهامات، مؤكدين أن الصادرات تخضع لتدقيق صارم وبينها المسيرات التي كانت غير مسلحة وقت التدريب، فيما قالت الخارجية الألمانية إنها ستأخذ كل الظروف في الاعتبار، من تقييم للوضع في البلد المستورد، إلى حقوق الإنسان والتزام القانون الدولي الإنساني. وعليه فإنّ برلين تتريث في إصدار تصاريح التصدير، وهذا ما بينه رد الحكومة على "تحالف سارة فاغنكنشت"، وفيه أنه بين آذار (مارس) وآب (أغسطس) 2024 لم تحصل موافقات على تصدير الأسلحة.
وفي السياق، أكدت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك أمام البوندستاغ أن شحنات الأسلحة إلى إسرائيل يجب أن تتوافق مع القانون الدولي، ولا حظر على تصديرها، منتقدة تحوّل دعم إسرائيل الى مسألة سياسة حزبية، وأن الدعم يجب أن يكون باعتبار إسرائيل "مصلحة وطنية ألمانية" بالنسبة الى الأحزاب الديموقراطية، بغضّ النظر عمّن يحكم البلاد، لتضيف أنه "لا يمكن لإسرائيل العيش بسلام على المدى الطويل، إلّا إذا تمكّن الفلسطينيون أيضاً من العيش بسلام، والمطلوب خطوات لوقف التصعيد وإنهاء الكارثة الإنسانية وإيجاد منظور سلميّ للمنطقة".
مسيّرات "هيرون تي بي"
وفي ظلّ الصراع القائم حالياً في الشرق الأوسط، بيّنت تقارير أن السلطات الألمانية متوجسة من استخدام إسرائيل مسيرتين من نوع "هيرون تي بي" استأجرتهما من البوندسفير عام 2018، وبإمكانهما حمل مجموعة متنوعة من الأسلحة وتحديد الأهداف والمراقبة، كما وباستطاعتهما التحليق على علو متوسط لفترة طويلة وتنفيذ هجمات دقيقة، وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى سقوط المزيد من المدنيين ويعرض برلين لدعاوى بفعل انتهاك العديد من قواعد القانون الدولي. ويقال إنه يتمّ تمويلهما من الدولة الألمانية وأن الجيش الألماني يدرب الإسرائيليين على استخدامهما عملاً بوعد وزير الدفاع بوريس بيستوريوس بالدعم العسكري لإسرائيل، عقب هجوم 7 أكتوبر.
والأهم ما جاء في ردّ وزارة الدفاع على طلب إحاطة من "تحالف سارة فاغنكنشت" بهذا الخصوص والذي رفض الكشف عن معلومات حساسة بحكم انها مصنفة سرية ويمكن أن تؤدي إلى تضرر العلاقة مع إسرائيل. كما أن الوزارة لم تذكر في ردها على مجموعة بريطانية تعنى بمكافحة تجارة الأسلحة، وفق تعليقات صحافية، أنّ لديها تقييمات أو تقارير حول ما إذا كانت المسيرات تستخدم في العمليات الإسرائيلية، وبعدما أضحى استخدامها جزءاً من استراتيجية تل أبيب في الحرب. إضافة إلى ذلك وبحكم أن الأمر ينطوي على مخاطر، اعتبر متابعون أن المشكلة لا تكمن في تأجير المسيرات، لكن بترك الأمر لإسرائيل التي تفرط في استخدام المسيرات المسلحة، والوضع يحتّم التراجع عن هذا القرار، لا سيّما بعد ورود المزيد من الوثائق حول انتهاك جيشها القانون الدولي الإنساني.
ثاني أكبر مصدر للأسلحة
وتعد ألمانيا ثاني أكبر مصدر للأسلحة الى إسرائيل بعد الولايات المتحدة ، وفي العام الماضي وافقت الحكومة الفيدرالية على تصدير أسلحة بقيمة 326,5 مليون يورو، أي أكثر بعشر مرات من العام السابق، إذ تمّت الموافقة على معظم الصادرات بعد "طوفان الأقصى". وحتى منتصف آب (أغسطس) الماضي، وافقت السلطات على صادرات بقيمة 14,5مليون يورو. ووفقاً للحكومة فإن 2 في المئة فقط من الصادرات كانت عبارة عن أسلحة حربية، وما تبقى عبارة عن خوذات وسترات واقية ووسائل اتصال. ومن المعلوم أن برلين تسلم أيضاً إسرائيل عادة الأسلحة والذخائر المضادة للدبابات والغواصات.