حوّلت الشبكات الإجرامية التي تكسب المليارات من تجارة الكبتاغون ألمانيا، من دولة عبور إلى دولة إنتاج، بعد أن كان التصنيع يتمّ في دول دول بعيدة منها سوريا خصوصاً في السنوات الاخيرة، ويُصدّر إلى دول الاتحاد الاوروبي للتمويه قبل إعادة الشحن إلى دول أخرى. ويأتي ذلك بعدما أظهرت تحقيقات استقصائية جديدة أن المانيا أصبحت وبشكل متزايد محطة لهذا النوع من التجارة الممنوعة ومكافحتها، وبعدما دقّ الخبراء ناقوس الخطر، بتسليط الضوء على الشبكات المشغلة التي تقف وراء عمليات التهريب والإنتاج.
تجارة مربحة في حقل مظلم
يفيد متابعون، أن تجارة الكبتاغون باتت مربحة للغاية في ألمانيا، وأصبحت هذه الحبوب المخدّرة التي تحمل حرف"سي"المنقوش عليها، مرادفاً لواحدة من أكثر الأعمال التجارية النشطة في تجارة المخدرات على المستوى الدولي، فإنتاجها رخيص ولا يكلّف سوى بضعة سنتات، وسعرها مرتفع عند المبيع، ومكوناتها الأساسية هي الامفيتامين والكافيين. ومن المعلوم، أن هذا العقار الذي تمّ تصنيعه أساساً لعلاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، تمّ سحبه من السوق الألماني في الثمانينات (1986) بعد مرور 20 عاماً على طرحه في السوق، بسبب آثاره الجانبية وارتفاع خطر الإدمان عليه.
ووفقاً لفريق بحث من شبكات إعلامية بينها "ام دي ار" و"أس دبليو آر"و" و"فرانكفوتر الغماينه تسايتونغ"، حقّق خلال عامين وتمكن من تقييم آلاف الصفحات من مواد التحقيق السرّية، ومن التحدث إلى العشرات من خبراء الأمن الألمان والأوروبيين والأميركيين والعرب، فتمّ التوصل إلى نتيجة مفادها أن العمل بات تجارة دولية، وأنه قد يصبح مشكلة خطيرة لألمانيا وأوروبا في المستقبل، بعدما أصبح مرتبطاً بشبكات معقّدة تسيطر عليها مجموعات من تجار سوريين في ألمانيا عملوا سابقاً كمجموعات فضفاضة من دون ان يتمكنوا من معرفة بعضهم بعضاً، لكنهم باتوا الآن على اتصال ومعرفة بمختلف العاملين في هذه التجارة.
وبينت التحقيقات، أن إنتاج 100 كيلوغرام من الكبتاغون لا يكلّف إلّا نحو 50 الف دولار، ويدرّ بيعها في الشارع نحو 8 ملايين يورو، وبالتالي، هناك هامش ربح هائل. ويتقاضى المهرّبون حوالى 30 ألف يورو عن كل عملية نقل ناجحة لأي شحنة من الكبتاغون.
ورغم تعدد الاعتبارات، قال رئيس مكتب مكافحة المخدرات في مكتب الشرطة الجنائية لوتز بريسلر لشبكة "ايه اردي" الإخبارية، إن "10 % فقط نعرفه في الضوء عن هذه التجارة، والباقي حقل مظلم. وهذا يعني أن 90 % من تجارة المخدرات تظل مخفية عن المحققين في ألمانيا". وفي هذا الصدد، تفيد التقارير بأن الجمارك والشرطة صادرتا خلال السنوات الثلاث الماضية ما مجموعه 1,2 طن من الكبتاغون كانت معدّة للتهريب عبر ألمانيا كدولة عبور .
مواد خام من هولندا
وبحسب تقييمات الشرطة الألمانية، تغير الوضع أكثر الآن، ولم تعد ألمانيا مجرد دولة عبور للتهريب، بل يتمّ إنتاج أقراص الكبتاغون في البلاد. وخلال الصيف الماضي اكتشف مكتب الشرطة الجنائية الاتحادي مصنعاً لإنتاج الكبتاغون في مدينة ريغنسبورغ، وتبين أن المواد الخام اللازمة للتصنيع مصدرها هولندا. ووفق المعطيات المتوافرة، أشار موقع "بساورنويه بريسه" إلى أن ثلاثة رجال أرادوا إنتاج اكثر من ثلاثة أطنان من الكبتاغون، وأن مداهمة أخرى بعد بضعة أسابيع في مدينة آخن، أسفرت عن مصادرة حوالى 460 كيلوغراماً من أقراص الكبتاغون المنشطة، وربطت السلطات بين المجموعتين تبعاً لما أظهرته نتائج الحمض النووي وبصمات الأصابع على مواد التعبئة والتغليف. وأشار الموقع إلى أن الجناة من التجار منظّمون بشكل جيد عبر الحدود الوطنية، حتى أن أحد المشتبه فيهم كان يهدف إلى جلب آلات مناسبة من النمسا وإنتاج ما يصل إلى طن واحد من الكبتاغون كل 20 يوماً، وبالتالي فإن عملهم منصبّ على أن يتمّ تصنيع الأقراص في البلاد ومن ثم توزيعها على نطاق واسع، وأن ألمانيا وبافاريا وريغنسبورغ أضحت في وسط الأعمال القذرة.
وفي السياق، افترض الخبراء أن المسحوق النهائي لأقراص الكبتاغون لم يعد يصل إلى ألمانيا فقط من سوريا ولبنان، لكن أيضاً من مختبرات في هولندا، ووفقاً لتقييماتهم، يبدو أن الكارتلات تحاول جعل نفسها أكثر استقلالية عن الأنظمة الحكومية مثل نظام الاسد في سوريا.
مكافحة وتنسيق مع شركاء دوليين
وأدركت السلطات الألمانية الآن الحاجة الواضحة إلى إقامة شبكة تحقيقات على مستوى البلاد. وبحسب تأكيدات من الشرطة الجنائية الاتحادية، فإن تجارة الكبتاغون ستشغل الشرطة والمدّعين العامين خلال السنوات المقبلة، وهناك حاجة لاتخاذ المزيد من الإجراءات لإلقاء القبض على المرتكبين. ومن هذا المنطلق، وجّه المتحدث باسم السياسة الخارجية في كتلة الاتحاد المسيحي، أكبر أحزاب المعارضة، يورغن هاردت، نداءً إلى الحكومة والسلطات المعنية للتحرك فوراً لضمان عدم انتشار هذا النوع من المخدرات وإنتاجه لحماية الشباب في ألمانيا، فيما أشارت وزارة الخارجية الألمانية إلى أنها على اتصال وثيق مع الشركاء الدوليين من أجل مكافحة الكبتاغون.
ورغم إعلان السلطات أن كمية الاستهلاك غير معروفة في ألمانيا، اعتبر الناشط الاجتماعي سفين بروس في حديث إلى النهار"، أن الوضع بات مثيراً للقلق، داعياً الأجهزة المعنية إلى تكثيف مداهماتها على مساحة البلاد وتجفيف مصادر التمويل لتصنيع الحبوب المخدرة، فضلاً عن تشديد العقوبات على المرتكبين.