انطلقت في مدينة قازان في روسيا القمة السادسة عشرة لمجموعة "بريكس" بحضور نحو عشرين من قادة العالم الحلفاء أو الشركاء.
بعد انطلاقه عام 2009 بأربع دول هي البرازيل وروسيا والهند والصين، ضم تحالف بريكس جنوب أفريقيا في 2010، وبالتالي يأخذ اسمه من الأحرف الأولى لأسماء هذه الدول بالإنكليزية (BRICS) وانضمت إليه هذه السنة أربع دول هي إثيوبيا وإيران ومصر والإمارات العربية المتحدة. ونشأت هذه المجموعة في الأصل لتكون نواة تكتل اقتصادي عالمي، وبالفعل باتت تحقق اقتصادات هذه الدول نمواً لافتاً، ما جعلها محط أنظار العالم.
لكن الأهداف الاقتصادية لا يمكن تحقيقها إن لم تقترن بأجواء سياسية تسير توازياً معها. وهذا ما كانت تفتقده البريكس وتحديداً بين أعضائها المؤسسين، لا سيما الهند والصين. كما يأمل الكرملين من جهة أخرى أن يشكل هذا التكتل منافساً للهيمنة الغربية عقب انتهاء الحرب الباردة، لكن هذا الأمر أيضاً دونه عقبات أبرزها تكامل اقتصادات بعض الدول مع نظيرها في الولايات المتحدة الأميركية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى مسائل تميّز قمة روسيا هذا العام، أبرزها إعلان بكين ونيودلهي توصلهما إلى اتفاق بشأن النزاع الحدودي بينهما، بعد اتصالات حثيثة بين المفاوضين الديبلوماسيين والعسكريين. وفي هذا السياق، أعلن وزير الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشنكر أن "تدابير فكّ الاشتباك مع الصين أنجزت". وأشار إلى أن التوصّل إلى اتفاق من شأنه أن "يرسي قاعدة للسلم والهدوء على طول الحدود، كما كان الوضع قبل 2020". بالمقابل، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان موافقة بلاده، وأنها ستعمل مع الهند على "تنفيذ هذا الحل تنفيذاً صحيحاً".
مصالح جيوسياسية
تطوير العلاقات الهندية الصينية يصب في مصلحة روسيا التي تواجه عقوبات غربية قاسية وتخوض حرباً في أوكرانيا، فالطرفان شريكان أساسيان لموسكو اقتصادياً وعسكرياً لجهة الهند.
وبمجرد تنظيم القمة، يعزز الكرملين موقعه بأنه عصيّ على "سياسة العزلة" التي تحاول الدول الغربية وضعه فيها. ومع انعقاد مصالحات جيوسياسية عالمية قبيل بدء أعمال هذه القمة، ستكون بمثابة قوة دفع للدولة المستضيفة، خصوصاً إن تمكنت قمة البريكس هذه من تحقيق لقاء ثنائي بين زعيمي الصين والهند وربما يتحول إلى ثلاثي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي هذا الإطار يؤكد المحلل السياسي الروسي كونستانتين كالاتشيف أن قمة بريكس هذه "تهدف إلى إظهار أن روسيا ليست معزولة فحسب، بل أن لديها شركاء وحلفاء". وقال لـ"فرانس برس" إنه من المهم إثبات أن "هناك بديلاً للضغوط الغربية، وأن عالماً متعدد الأقطاب هو واقع".
إضافة إلى ذلك، تأتي أعمال قمة قازان بحضور أعضاء جدد، ما يعني عملياً أن استمرار توسع هذا التكتل من شأنه أن يضم اقتصادات متنوعة وعلى امتداد القارات الثلاث آسيا أفريقيا وأميركا اللاتينية. لكن الجانب السلبي هو غياب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ما يثير تكهنات حول وجود خلافات محتملة بين عملاقي الطاقة العالميين. بالإضافة إلى الخلافات المائية بين العضوين الجديدين مصر وإثيوبيا.
مؤسسة "فريديريك نومان" الألمانية أعطت مقاربة مختلفة، وأشارت إلى أن استضافة بوتن للقمة في قازان عاصمة جمهورية تتارستان ذات الأغلبية المسلمة، هو "بمثابة إشارة رمزية إلى التوجه الروسي المناهض للإمبريالية والتضامن مع الجنوب العالمي ضد القوى الاستعمارية الغربية".
ويضيف التحقيق الذي كتبه الدكتور هانز - ديتر هولتزمان أن "هناك فجوة واسعة بين الطموحات الروسية في وضع دول البريكس كبديل لمجموعة الدول السبع الكبرى"، وأن الدولتين المؤسستين للبريكس الهند والبرازيل وكذلك الدول الأعضاء الجديدة، باستثناء إيران، والعديد من الدول المرشحة، تسعى إلى اتباع سياسة خارجية واقتصادية متعددة الاتجاهات، "تتضمن صراحة استمرار التعاون الثنائي مع الغرب".
أوكرانيا حاضرة
مدينة قازان التي تستضيف البريكس، تقع على ضفاف نهر الفولغا بما يحمل من رمزية عند الروس. كذلك تعرضت المدينة مرات عدة لهجمات بمسيّرات آتية من أوكرانيا استهدفت مواقع صناعية مرتبطة بالجيش.
ومن شأن القمة الحالية أن تبحث بالحرب الدائرة في أوكرانيا، وتلك في الشرق الأوسط. وربما المسألة الأهم بالنسبة للاقتصاد الروسي هي البحث في التطوير المستقبلي لنظام مدفوعات دولي بهدف منافسة نظام "سويفت" الذي استبعدت منه معظم المصارف الروسية بعد الهجوم على أوكرانيا.
على الرغم من كل ذلك، إلّا أن واشنطن رفضت فكرة أن تصبح مجموعة البريكس منافساً جيوسياساً، لكنها أعربت عن قلقها بشأن قيام موسكو باستعراض قوتها الدبلوماسية مع احتدام الصراع في أوكرانيا، خصوصاً أن موسكو تحقق تقدماً ميدانياً مهماً في شرق أوكرانيا. كما عملت على تعزيز علاقاتها مع الصين وإيران وكوريا الشمالية، وهي دول من أبرز خصوم واشنطن.
وفي هذا الصدد يقول كريس ويفر الشريك المؤسس لشركة الاستشارات "ماكرو-أدفايسوري" في حديثه لموقع "بي بي سي" إن وزارة الخزانة الأميركية "تتمتع بقوة ونفوذ هائلين على التجارة العالمية، وذلك ببساطة لأن الدولار الأميركي هو العملة الرئيسية لتسوية هذه التجارة".
لكن من ناحية اقتصادية أيضاً فإن دول مجموعة البريكس تمثل 45 في المئة من سكان العالم، واقتصاداتها تفوق 28 تريليون دولار، أي 28 في المئة من الاقتصاد العالمي.