سيخصّص الرئيس الصيني شي جينبينغ، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي والرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، الكثير من أوقاتهم هذا الأسبوع لمتابعة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وسينتظر كلٌّ منهم النتائج آملاً في وصول الشخصية "الأقلّ سوءاً" لبلاده إلى البيت الأبيض، لتفادي أربع سنوات من الضغوط القاسية.
وإذا كان الزعماء الأربعة يتفقون على مواجهة النفوذ الأميركي في أوروبا والشرق الأوسط وشرقي آسيا، فإنهم لا يلتقون على تفضيل مرشّحٍ على آخر؛ فبوتين يُريد وصول المرشّح الجمهوري دونالد ترامب، الذي تربطه علاقة وثيقة به، لكون الأخير يُعارض دعم "الناتو" وأوروبا وحربهما ضد روسيا، وقد يكون هو الشخص الوحيد القادر على إنهاء حرب أوكرانيا ومنح روسيا مكتسبات.
على المقلب الآخر، يتوجّس خامنئي من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ويستذكر سياسات الضغط القصوى التي انتهجها حينما كان رئيساً للولايات المتحدة ضد إيران وجماعاتها المسلّحة، إلى جانب وزير خارجيته مايك بومبيو؛ وهو يفضّل استمرار إدارة ديموقراطية ترغب في عقد اتفاق نووي مع طهران، وتُحاول قدر الإمكان لجم تل أبيب عن التصعيد ضدها.
شي يحضّر عدّة المواجهة الناعمة مع المرشّحين، ولا يفضّل أحدهما على الآخر، فلا علاقة وثيقة تربطه بترامب، الذي يعي خطورة الحرب الاقتصادية مع الصين، ويرغب في فرض قيود تجارية عليها، ولا مصلحة له مع المرشّحة الديموقراطية كامالا هاريس، التي قد تكرّر سيناريو أوكرانيا فتدعم تايوان وحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأقصى ضد الصين، فيما كيم يترقّب بحذر مع تفضيل طفيف لترامب الذي يتشارك معه مزايا "الشخصية المجنونة".
لا أوجه شبهٍ بين سياسات هاريس الخارجية ونظيرتها عند ترامب، ويكاد الطرفان يختلفان على كيفية مقاربة جميع الصراعات وحتى العلاقات مع الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة. وفي هذا السياق، يُشير الباحث في الشؤون الأميركية بسام بربندي في حديث لـ"النهار" إلى أن برامج متناقضة يحملها الطرفان، ولا أرضيات مشتركة بينهما.
روسيا: بوتين ينتظر صديقه!
لا تخفى العلاقة الفريدة من نوعها التي جمعت بوتين بترامب، لكون الأخير يستهجن الدعم الأميركي المفتوح لأوكرانيا و"الناتو" انطلاقاً من رفضه تمويل حروب خارجية وأمن أوروبا. وبرأي بربندي، فإن المرشّح الجمهوري أقرب إلى إنجاز صفقات مع روسيا لحلّ الأزمة الأوكرانية والتفرّغ لشرقي آسيا والصين.
"بالنسبة إلى ترامب، أوكرانيا ليست مشكلة أميركية بقدر ما هي مشكلة أوروبية"، حسب بربندي، الذي يلفت إلى أن "ترامب سيميل إلى سياسة عقد الاتفاقات لحلّ الصراع، فيُحاول إلزام أوكرانيا بخطّة سلام، وتهديدها بوقف المساعدات العسكرية في حال الرفض، ويعتمد المبدأ نفسه مع روسيا فيضغط عليها للموافقة على خطّة السلام أو مضاعفة إرسال السلاح إلى أوكرانيا، مع العلم أنّه قد لا يُمانع عدم انسحاب روسيا من الأراضي التي احتلتها لكونه طرحاً يُناسب بوتين".
لا يرغب بوتين في التمديد لإدارة أميركية أشعلت الحرب بين بلاده وأوكرانيا، ومدّتها بالسلاح، وأعادت وهج "الناتو". وبحسب بربندي، فإن الديموقراطيين يعتقدون بأن أمن أوروبا من أمن أميركا، وأوكرانيا هي بوابة الغزو الروسي لأوروبا؛ وبالتالي، وجب ردع بوتين من خلال استمرار الدعم لأوكرانيا، وتقوية الاتحاد الأوروبي. وبرأيهم أن الضغط العسكري سبيل لدفع روسيا إلى اتفاق سلام.
إيران: هاريس تُريد اتفاقاً نووياً
تنفّس خامنئي الصعداء حينما خسر ترامب انتخابات 2020 ووصلت إدارة ديموقراطية تُريد اتفاقاً نووياً بشروط أقلّ حدّة، لكنّه يخشى عودة الجمهوري إلى البيت الأبيض، "فترامب يُريد إيران دولة عادية لا قوّة نووية وإقليمية" وفق ما يرى بربندي. وفي سنواته الأربع، اغتالت الولايات المتحدة قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، وفرض ترامب عقوبات قاسية جداً على إيران، في حين أفرجت الإدارة الحالية عن مليارات إيرانية في مصارف خارجية.
يُريد الديموقراطيون عقد اتفاق نووي مع إيران. وفي هذا السياق، يُشير بربندي إلى أن هذا المشروع هو سياسة ديموقراطية منذ عهد باراك أوباما، وأدواته إغراء إيران بالمال من خلال خفض سقف العقوبات، وإطلاق يدها في الإقليم من خلال جماعاتها المسلّحة مقابل جلوسها على طاولة المفاوضات؛ وبالتالي يُفضّل الإيرانيون هاريس على ترامب.
الصين: لا هاريس ولا ترامب
يعي شي أن حرب الولايات المتحدة الكبرى هي مع الصين، لا مع روسيا ولا إيران، ويعي أن تركيز المرشّحين سينصبّ على مواجهة تعاظم الاقتصاد الصيني؛ ولهذا السبب، لا تفضيل بين ترامب وهاريس، فخلال عهد الديموقراطيين تشجّعت تايوان ورفعت السقف مستلهمة التجربة الأوكرانية، "في حين يرى ترامب وجوب إنهاء الحروب للتركيز على الصين"، حسب بربندي.
يؤيّد ترامب سياسة فرض ضرائب على الصين والحدّ من استيرادها التكنولوجيا الأميركية؛ ويستذكر بربندي تجربة فرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية وقيوداً تجارية، في حين يقول ليل غولدستاين، الخبير في الشأن الصيني، إن بكين "حذرة من عودة ترامب إلى البيت الأبيض"، ويتوقع أستاذ العلوم السياسية تشي تشون تشو تقديم شي بعض التنازلات الرمزية لترامب مقابل مكاسب مرتبطة بتايوان.
كوريا الشمالية: ترقّب
صحيفة "كوريا تايمز" تنقل عن مراقبين قولهم إن هاريس، إذا انتخبت، "سوف تعمل على مضاعفة التعاون الأمني مع كوريا الجنوبية واليابان، وتعزيز الردع ضد التهديدات الكورية الشمالية، مع ترك الباب مفتوحاً أمام الديبلوماسية، فيما إذا أعيد انتخاب ترامب، فقد يسعى إلى إحياء ديبلوماسيته الشخصية مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون".
بالنسبة إلى ترامب، يتوقع المحلّلون أن يكون راغباً في كتابة خاتمة تليق ببراعته في "عقد الصفقات"، وإنجاز العمل غير المكتمل، ومعالجة معضلة كوريا الشمالية النووية، في حين المطلوب من هاريس إيجاد نهج "أكثر إبداعاً" لإحراز تقدم في الجهود الرامية إلى معالجة التحدي الأمني لكوريا الشمالية، لكون الإدارة الديموقراطية الحالية لم تنجح في إحراء خروقات تُذكر.
في محصّلة المشهد العام، يُمكن الخلوص إلى أن سياسة هاريس، ومن خلفها الديموقراطيون، ترمي إلى تعزيز العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين ومواجهة الصراعات عبر تقويتهم، في حين يركن ترامب إلى "الديبلوماسية الشخصية" والعلاقات التي طوّرها مع زعماء خصوم لعقد الاتفاقات على مبدأ التسويات.