يكاد لا يمرّ يوم من دون الإعلان عن توقيف مشتبه فيه بعد تنفيذ الجيش الإسرائيلي اعتداءاته على مناطق عدة، ولا سيما في بيروت. فمن هم الموقوفون؟ وماذا يفعلون قبل الاغتيالات والغارات وبعدها؟
لدى تل أبيب وسائل تكنولوجية متقدمة تستخدمها لتنفيذ عمليات التتبع والمراقبة، بمساعدة دول عدة من خلال الرقابة المتواصلة على مدار الساعة للأراضي اللبنانية وما خلفها، ولكن هل استغنت عن العملاء لتأكيد أهدافها ورصد ما بعد الغارات، ولا سيّما في بيروت؟
لا تبارح المسيّرات وطائرات الاستطلاع سماء لبنان، بما في ذلك العاصمة بيروت، وغالباً ما يلي ذلك تنفيذ غارات على أكثر من منطقة. دور المسيّرات الرصد والتتبع والتصوير لنقاط الاستهداف السابقة ومراقبة كل تحرك في المكان المستهدف. ففي منطقة المريجة على سبيل المثال، لا يزال التهديد الإسرائيلي واضحاً من خلال استهداف أيّ تحرّك لفرق الدفاع المدني. وحدث ذلك مراراً منذ أكثر من أسبوع. تلك الاستهدافات دليل على نية واضحة لمنع تقديم الإغاثة لجرحى الاعتداءات.
بيد أنّ ذلك لا يغني عن الاستعانة بمخبرين من خلال توثيق دقيق لما تمّ استهدافه وتصوير عمليات الإغاثة في بعض الأماكن، للتأكد من هوية المصابين أو الشهداء، وبالتالي الإعلان عن نجاح عملية الاغتيال.
وخلال الأيام الأخيرة أعلنت الأجهزة الأمنية توقيف أكثر من شخص خلال تنفيذ الغارات وبعدها، ولا سيّما في بيروت.
فالجيش اللبناني تحدّث عن توقيف عدد من المشتبه فيهم تمّ تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي لجمع معلومات عن الغارات والمجازر التي تنفّذها تل أبيب، وكذلك تصوير آثار الغارات وعمليات البحث والإنقاذ بهدف التحقق من نتائج الاعتداء.
كذلك أعلن الأمن العام توقيف سوري في دير القمر متّهم بالعمالة لإسرائيل، كانت مهمّته تحديد مواقع والكشف عليها بعد قصفها، وقد غادر بيروت بعد إصابته.
تلك التوقيفات اتسعت وصولاً إلى زغرتا وغيرها. وبحسب معلومات "النهار" فإنّ عدد الموقوفين يتخطّى الـ15، وتتابع الأجهزة الأمنية التحقيق معهم لمعرفة ما إذا كان لديهم شركاء والتأكد من أهمية المعلومات التي أرسلوها.
حكاية تعامل بعض هؤلاء بدأت من خلال التواصل مع "الموساد" على وسائل التواصل الاجتماعي، وإبداء استعدادهم لتوفير بيانات أو صور لقاء مبالغ مالية. ثمّ تمّ الاتفاق على تصوير أماكن محدّدة وكذلك تصوير ما بعد الغارات.
ومن يراقب وسائل التواصل الاجتماعي يكتشف بسهولة حجم التواصل مع الإسرائيليين، سواء أكانوا من "الموساد" أم الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أو صحافيين، ويحضّ المتّصلون العدو على استهداف مناطق معينة ويقدّمون إحداثيات مجاناً ومن دون طلب مسبق.
ولكن بين الموقوفين لدى الأجهزة الأمنية من لا علاقة له بالتعامل، وإنّما جاء التوقيف لمجرّد الاشتباه، واتَّضح أنّ تصوير مكان الغارات كان من باب الفضول، وهو ما بات شائعاً، الأمر الذي يعوق عمليات الإنقاذ بعد الاعتداءات.
حلال: لا استغناء عن العنصر البشريّ
تجنيد العملاء خلال الحروب وبعدها ليس أمراً جديداً، والعمليات الأمنية والاستعلامية التي تصاحب الحروب في حاجة إلى العنصر البشري التقليدي، المتمثّل بالعملاء. وبحسب العميد المتقاعد بهاء حلال فإنّ "إسرائيل حاولت في السنوات الأخيرة بعد أزمتنا الاقتصادية في لبنان تجنيد العملاء، وقد نجحت في ذلك حيناً وفشلت حيناً آخر. في السابق كان العدو يجد صعوبة في اختبار عملائه، ويهتمّ بتجنيد النخبة منهم، لكنه أخيراً أصبح يعتمد على الكثرة، باعتبار أنّ التجنيد بات أسهل في وجود وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث قد لا يعلم المجنّد أنّه يعمل مع الإسرائيليين، وأحياناً يعلم بعد تورّطه فيخشى الانسحاب. ولا يمكن إغفال الأرض الخصبة لذلك بسبب الأزمة الاقتصادية، ولكن هذا لا يعني أن ليس للإسرائيليين عملاء مدربون ومجهزون".
ويسوق حلال أمثلة تظهر اليد الطولى للعملاء في بعض عمليات الاغتيال، حيث كان لهم الدور الأكبر الذي مهّد الطريق أمام استخدام الوسائل التكنولوجية.
ويلفت إلى أنّ "دور العملاء عادة يبرز ليس يوم التنفيذ أو قبله بأيام فقط، بل في مرحلة سابقة، أي خلال التحضير، ويكون الدور التنفيذي هامشياً أحياناً. وهناك اغتيالات كثيرة نفّذها العدو لقادة من المقاومة كان الدور فيها كبيراً للعامل البشري".
أمّا عن التوقيفات الأخيرة ولا سيّما في بيروت والضاحية، فيشير إلى أنّ الإعلان أو الحديث عن "توقيفات لعملاء مفترضين خلال الاستهدافات التي حصلت في بيروت والضاحية والجنوب، وبعضهم لا يزال قيد التحقيق والمتابعة، يقودنا إلى الاقتناع بأنّ دور العميل في ما يحدث ظاهر وواضح".
ويكشف أنّ بعض الموقوفين يعترفون بأنّهم يصوّرون الأماكن، ولكن بعد فترة وجيزة ينكرون ما قاموا به، وهو ما يزيد الشكوك حولهم. ويوضح "أنّ مواقع التواصل مكتظّة بهؤلاء، لكنّ عمليات الكشف الأمني يلزمها وقت لتحديد ذلك، ويبقى أنّ التكنولوجيا فعّالة لكنّها تحتاج إلى العنصر البشريّ".
[email protected]