رغم التطمينات متعددة الجهة الى أن الأدوية ولاسيما منها "المزمنة" متوافرة في هذه الظروف وللمرحلة المقبلة، فإن هذه المشكلة ليست وليدة اللحظة ولا حتى وليدة الحرب، بل هي منذ ما بعد 17 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019، هذا اليوم الذي شكّل مرحلة مفصلية من تاريخ لبنان على كل الصعد.
في هذا التاريخ أيضاً بعد 5 سنوات، لا تزال تعلو المطالبات بضرورة تأمين الأدوية المزمنة للنازحين الذين اضطروا إلى ترك منازلهم للانتقال إلى أماكن تعتبر حتى الساعة أكثر أمناً، غير أن كثيرين من المرضى الآخرين، يرفعون الصوت في المقابل مطالبين بتأمين أدويتهم المزمنة المفقودة منذ سنوات.
وتشير المواطنة ك.س. وهي مريضة في الكبد المناعي لـ"النهار"، إلى أن الدواء الذي تحتاجه لمدة حوالى 4 سنوات (Imuran) مفقود منذ أكثر من سنتين، ولا تجده إطلاقاً في لبنان، وفي كل مرة تضطر الى السفر أو تطلبه من قبرص أو فرنسا للحصول عليه، علماً أن هذا الدواء مدعوم في لبنان ولكنه غير متوافر في السوق، في حين أن ثمنه باهظ خارجاً. أما المشكلة اليوم ومع نشوب الحرب وتوقف السفر من لبنان وإليه كما كان سابقاً، فيثير لديها حالة من القلق لعدم تمكّنها من الحصول على دوائها لمدة طويلة، وخصوصاً أن لا مؤشرات لانتهاء الحرب على لبنان في غضون فترة قصيرة، وأن الوضع قد يستمر على ما هو عليه لسنة، على ذمّة بعض المحلّلين.
من جهته، يعاني المواطن ع.ش. من انقطاع دواء الكوليسترول الذي يحتاجه يومياً، إذ يضطر منذ مدة طويلة الى تناول الأدوية البديلة التي تسبّب آلاماً في العظام والمفاصل، ولكن رغم ذلك، فهو مضطر الى تحمّل هذه الأوجاع ريثما تتوافر الأدوية المطلوبة.
أما مرضى السكري، فهم أيضاً يعانون كغيرهم من فقدان أدويتهم، إذ تشكو المواطنة ر.ش. من انقطاع دواء glucophage وتضطر إلى تأمينه من مصر رغم أنه يختلف في الجنريك، ولكن "ما باليد حيلة".
وعلى وقع هذه الشريحة الصغيرة من الشهادات التي تعبّر عن صرخة كثيرين في لبنان، يوضح الصيدلي الدكتور فادي مبرون أن "مشكلة الدواء ليست بجديدة وخصوصاً ما يتعلق بالأدوية المزمنة".
ويلفت لـ"النهار" إلى أنه "مع بدء العمل على حلحلة مشكلة استيراد الأدوية مجدداً بشكل طبيعي، جاءت الحرب وزادت الطين بلة، وأصبح الطلب كبيراً على الأدوية المزمنة وحتى على كل أنواع الأدوية، لكون عدد كبير من الأشخاص أقدموا على عملية تخزينها، ومن جهة أخرى توقف الطيران الأجنبي الذي يشحن الوكلاء الأدوية عبره، فيما يجري السعي الى استئناف الشحن عبر طيران الشرق الأوسط وبهذا يمكن أن نحل جزءاً من المشكلة".
ويضيف: "الجزء الآخر من المشكلة يتمثّل بإيجاد الأدوية المزمنة المقطوعة أصلاً قبل نشوب هذه الحرب، فيما يجري السعي الى تبديل معظم هذه الأدوية بأخرى ولكن باسم تجاري مختلف، غير أن هناك أدوية لا بديل منها وهذا ما يعرّض المريض للخطر صحياً، خصوصاً مع هذا الواقع المرير وقلة التنقل والسفر بين البلدان".
ورغم التطمينات الصادرة عن نقابة مستوردي الأدوية الى أن لا أزمة دواء تلوح في الأفق، وأن المخزون يكفي لمدة أربعة أشهر إضافية خصوصاً أن حركة الشحن عبر المرفأ لا تزال طبيعية، إلا أن هناك تجاهلاً حتى الساعة لبعض الأدوية المزمنة غير المتوافرة في لبنان أصلاً، والتي يصعب على المريض الحصول عليها بسبب تعليق شركات الطيران عملها في مطار بيروت، وارتفاع أسعار تذاكر السفر، وتقلّص المساحة المتاحة للسفر، مما يبقي المريض في حال انتظار و"عالوعد يا كمّون".