المدنيون اللبنانيون الأكثر تضررًا من الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" هم من المسلمين الشيعة، ويعتقد الكثير منهم أنهم يتعرضون للعقاب غير العادل لأنهم يشتركون في الهوية الدينية مع مقاتلي "حزب الله" وغالبًا ما يعيشون في نفس المناطق، بحسب تقرير لوكالة "أسوشيتد برس".
وقال وائل مرتضى، وهو شاب شيعي راقب بقلق المسعفين وهم يبحثون في الأنقاض بعد أن دمرت غارة جوية إسرائيلية مؤخراً منزل عمه المكون من طابقين وقتلت 10 أشخاص لوكالة "أ ب": هذا واضح، من غيرهم يتعرض للهجوم؟".
ركزت إسرائيل هجماتها على قرى في جنوب وشمال شرق لبنان وأحياء جنوب بيروت، أي المكان الذي ينشط فيه العديد من مقاتلي "حزب الله"، وتعيش عائلاتهم جنبًا إلى جنب مع أعداد كبيرة من الشيعة الذين لا ينتمون إلى الحزب.
وتصر إسرائيل على أن حربها هي مع "حزب الله" وليس مع الشعب اللبناني - أو الطائفة الشيعية. وهي تقول إنها تستهدف فقط أعضاء الجماعة المسلحة المدعومة من إيران في محاولة لإنهاء حملتهم المستمرة منذ عام في إطلاق الصواريخ عبر الحدود، على الشمال. لكن أهداف إسرائيل المعلنة لا تعني الكثير بالنسبة لأشخاص مثل مرتضى مع تزايد أعداد المدنيين الشيعة الذين يلقون حتفهم في الحرب التي تصاعدت بشكل حاد في الأشهر الأخيرة.
لا يقيس الشيعة معاناة طائفتهم بالقتلى والجرحى فقط. فقد سويت أحياء كاملة من مدينة صور الساحلية بالأرض. ودُمرت أجزاء كبيرة من السوق التاريخي في مدينة النبطية الذي يعود تاريخه إلى العهد العثماني. وفي بعلبك، ألحقت غارة جوية أضراراً بفندق تدمر الشهير في المدينة، الذي افتتح في أواخر القرن التاسع عشر، ومنزل يعود تاريخه إلى العهد العثماني.
ويقول مهند الحاج علي، وهو زميل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت: "يتعرض الشيعة اللبنانيون لعقاب جماعي. فمناطقهم الحضرية تتعرض للتدمير، وآثارهم الثقافية ومبانيهم تتعرض للتدمير".
ومع فرار الشيعة من قراهم وأحيائهم التي مزقتها الحرب، يلاحقهم الصراع بشكل متزايد إلى أجزاء أخرى من لبنان، وهذا ما يؤجج التوترات.
فقد قُتل عشرات الأشخاص جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على المناطق المسيحية والسنية والدرزية التي لجأ إليها النازحون الشيعة. ويفكر العديد من سكان هذه المناطق الآن مرتين قبل توفير المأوى للنازحين خوفًا من أن تكون لهم صلات بـ"حزب الله".
وقال واصف حركة، وهو محامٍ من الضاحية الجنوبية لبيروت ترشح في عام 2022 ضد "حزب الله" في الانتخابات البرلمانية في البلاد والذي تم هدم مكتبه مؤخرًا بغارة جوية إسرائيلية لـ"ا ب": "الإسرائيليون يستهدفون لبنان بأكمله". وهو يعتقد أن جزءًا من هدف إسرائيل هو مفاقمة الاحتكاكات داخل البلد الصغير المطل على البحر الأبيض المتوسط، والذي له تاريخ طويل من الاقتتال الطائفي على الرغم من أن الجماعات المتنوعة تعيش معًا بسلام هذه الأيام.
ويقول بعض الشيعة إن تصريحات الجيش الإسرائيلي على مر السنين عززت الشكوك حول استهداف طائفتهم الأوسع كوسيلة للضغط على "حزب الله".
ومن الأمثلة الشائعة استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت حيث المقر الرئيسي لـ"حزب الله" وحيث دُمرت كتل سكنية كاملة وجسور ومجمعات تجارية. وتقول إسرائيل إن "حزب الله" يخفي أسلحة ومقاتلين في مثل هذه المناطق، ويحولها إلى أهداف عسكرية مشروعة.
وفي حديثه من قرية في جنوب لبنان لم يسمها، وصف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري هذه القرية بأنها "قاعدة للإرهاب. هذه قرية لبنانية، قرية شيعية بناها حزب الله". وبينما كان يتجول في أحد المنازل ويعرض مخزونات من القنابل اليدوية والبنادق ومناظير الرؤية الليلية وغيرها من المعدات العسكرية، قال هاغاري: "كل منزل هو قاعدة للإرهاب".
وشكك متحدث آخر باسم الجيش في فكرة أن إسرائيل تحاول طمس الخط الفاصل بين المقاتلين والمدنيين. وقال المقدم نداف شوشاني: "حربنا هي مع جماعة حزب الله الإرهابية وليس مع السكان اللبنانيين، مهما كان مصدرها". ونفى أن تكون إسرائيل تحاول عمداً زعزعة النسيج الاجتماعي في لبنان، وأشار إلى تحذيرات إسرائيل للمدنيين قبل الغارات الجوية كخطوة تتخذها إسرائيل لتخفيف الضرر.
ويلقي العديد من اللبنانيين، بما في ذلك بعض الشيعة، باللوم على "حزب الله" في معاناتهم، بينما يشجبون في الوقت نفسه القصف الإسرائيلي.
بدأ "حزب الله" في إطلاق الصواريخ على إسرائيل العام الماضي بعد يوم واحد من هجوم "حماس" على إسرائيل وبدء الحرب في غزة، وهو ما يتعارض مع وعود الحزب باستخدام سلاحه للدفاع عن لبنان فقط.
منذ تشرين الاول (أكتوبر) الماضي، قُتل أكثر من 3,500 شخص في لبنان، وبلغ عدد القتلى من النساء والأطفال أكثر من 900 من القتلى، وفقاً لوزارة الصحة. كما نزح أكثر من مليون شخص من منازلهم. وقد تحمّل الشيعة، الذين يشكلون ثلث سكان لبنان البالغ عددهم 5 ملايين نسمة، العبء الأكبر من هذه المعاناة. وتقول إسرائيل إنها قتلت أكثر من 2000 عنصر من "حزب الله" خلال العام الماضي.
وقد تصاعدت وتيرة الموت والدمار في لبنان بشكل كبير في منتصف أيلول (سبتمبر)، عندما بدأت الغارات الجوية الإسرائيلية تستهدف قادة "حزب الله".
في بداية الحرب، قتلت الغارات الجوية الإسرائيلية حوالي 500 من عناصر "حزب الله" لكنها لم تتسبب في أضرار جانبية تذكر. لكن منذ أواخر أيلول (سبتمبر)، دمرت الغارات الجوية مبانٍ ومنازل بأكملها، وفي بعض الحالات قتلت عشرات المدنيين عندما كان الهدف المقصود عضوًا أو مسؤولًا في "حزب الله".
لطالما تباهى "حزب الله" بقدرته على ردع إسرائيل، لكن الحرب الأخيرة أثبتت عكس ذلك وأثرت بشدة على قيادته.
ويخشى بعض الشيعة من أن يؤدي إضعاف "حزب الله" إلى تهميش الطائفة بأكملها سياسيًا بعد انتهاء الحرب. لكن آخرين يعتقدون أنه يمكن أن يوفر انفتاحًا سياسيًا لأصوات شيعية أكثر تنوعًا.
يبدو أن مفاوضات وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" قد اكتسبت زخمًا خلال الأسبوع الماضي. ويقول بعض منتقدي "حزب الله" إن الحزب كان بإمكانه أن يقبل منذ أشهر بالشروط التي يجري النظر فيها حالياً.