دخلت الحرب الإسرائيلية على لبنان عامها الثاني، وسط أزمة اقتصادية خانقة يعاني منها معظم قطاعاته الحيوية، أدت إلى انهيار العملة الوطنية أمام الدولار الأميركي، مخلفةً مشاكل اجتماعية عديدة.
شهد معدل التضخم تراجعاً ملحوظاً خلال العام الجاري، حيث وصل إلى 35% في آب (أغسطس) الماضي، وفق آخر بيانات إدارة الإحصاء. وخسرت الليرة اللبنانية منذ عام 2019 نحو 90% من قيمتها مقابل الدولار، ومنذ استقرارها في عام 2023 إلى الآن عند 89,500 ليرة مقابل الدولار.
أمام هذه التحديات والصعوبات كلها، تزامناً مع حرب إسرائيلية لا يُعرف مداها، هل تستطيع الدولة اللبنانية تثبيت سعر الصرف طويلاً؟ وفي حال طالت الحرب، أمام أي مشهد اقتصادي يقف لبنان؟
أزمة حقيقة؟
في حديث خاص لـ "النهار"، يؤكد الخبير في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية علي حمّود أن "اللبنانيين يعانون اليوم أزمة اقتصادية صعبة، إضافة إلى انهيار القطاع المصرفي وتراجع قيمة العملة الوطنية"، مشيراً إلى "أننا أمام أزمة حقيقة في حال استمرت الحرب الإسرائيلية".
ويضيف: "في حال استمرت الحرب وقتاً أطول، وإذا غابت المساعدات المادية من الدول المانحة، فهذا يؤدي بالطبع إلى مشكلة في احتياطي المصرف المركزي، رغم التدابير التي اتخذها حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري".
ويشدد حمّود على أن "جميع القطاعات في لبنان تعاني، توازياً مع هروب المستثمرين إلى دول أكثر أماناً، وخروج ما تبقى من قطع أجنبي جديد لدى المصارف (fresh account)، إضافة إلى غياب السياح"، موضحاً أن عوامل أساسية ستؤدي إلى تراجع دراماتيكي أسرع، "وهي استمرار الحرب وتوسعها لتشمل حصاراً بحرياً وبرياً وجوياً، وتراجع تحويلات المغتربين، وغياب التعاملات بالعملة الأجنبية في البلاد".
لا كتلة كبيرة
وعلى المدى القصير، يلفت الخبير في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية إلى أن "اقتصاد لبنان مدولر، ولا كتلة نقدية كبيرة بالليرة اللبنانية، وهذا يعني أن لا انهيار للعملة في الوقت الراهن"، مؤكداً أن الليرة "ستنهار عندما يصبح المصرف المركزي غير قادر على تكبّد المزيد من الخسائر في الاحتياطات بالعملة الأجنبية".
وفي مزيد من الأرقام، وصل معدل الفقر في لبنان إلى 44% في عام 2022، بحسب بيانات البنك الدولي، ما يمثل أكثر من 3 أمثال ما كان عليه في عام 2012 عند 12%.
كما ارتفع معدل البطالة خلال عامي 2022-2023 إلى 13%، في مقابل 12% خلال عامين 2018 و2019، وفق المصدر ذاته.
فخ طباعة النقود
إلى ذلك، يقول حمّود لـ"النهار": "اذا استمرت الحرب وتوقَف دخول الأموال إلى لبنان، يُصبح المركزي بحاجة إلى طباعة الليرة لدفع رواتب الموظفين الذين يحتاجون إلى مدخول مع نزوحهم من قراهم"، مضيفاً: "يحتاج مصرف لبنان إلى طباعة النقود إن لم تُساعد الدول المانحة في إعادة الإعمار".
ويعترف بأن الخشية من وقوع لبنان في فخ طباعة النقود، "ما سيؤدي حتماً إلى انخفاض قيمة الليرة"، مذكراً بأن "نحو 54% من اللبنانيين يتقاضون رواتبهم بالعملة المحلية، و46% بالعملة الأجنبية".
في سياق آخر، يشير حمود إلى أن الموسم السياحي كان واعداً، "لكن الآن، ثمة تخوف كبير من غياب السواح خلال فترة الأعياد بسبب الحرب، ما يؤثر على التدفقات المالية وعلى القطاع بحد ذاته".
هل من حلول؟
يؤكد حمّود أن على المصرف المركزي عدم طباعة النقود، "بل عليه الاستفادة من الأموال التي ترسلها الدول في هذه الفترة، لتخفيف معاناة المواطنين".
ويضيف: "يبقى أمام المركزي مشكلة واحدة، وهي تأمين المصاريف الأساسية من كهرباء إلى شراء الوقود والطحين ودفع رواتب موظفي القطاع العام".
ويختم حمّود قائلاً: "إن لأموال الدول المانحة لإعادة الإعمار دورٌ مهم في زيادة التدفق بالدولار أمام الليرة اللبنانية، ما يُساهم في تحسين قيمة العملة بدلاً من خفضها".
أمام كل ما تقدم، يبقى المواطن اللبناني أسير "عدم الاستقرار" إن كان اقتصادياً أو اجتماعياً وحتى نفسياً، إضافةً إلى الحرب الإسرائيلية التي لا يعرف أحداً متى تنتهي، متسببةً بالمزيد من المشاكل لدى شعب لم يرتح يوماً منذ ما يُقارب الـ50 سنة!