النهار

مستقبل التعلّم: دور الذكاء الاصطناعي في إعادة تحديد معايير التعليم العالي
المصدر: "النهار"
مستقبل التعلّم: دور الذكاء الاصطناعي في إعادة تحديد معايير التعليم العالي
الذكاء الاصطناعي.
A+   A-

بقلم الدكتور دافيد سانتاندرو، مدير تطوير البرنامج التعليمي في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي

 

في عالم أصبح فيه الذكاء الاصطناعي يطال مختلف أوجه حياتنا، مثل التوظيف والمهارات المطلوبة للعمل على المستوى العالمي، من المتوقع أن يظهر تأثيره جلياً في قطاع التعليم العالي، وذلك نتيجة  للدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المبتكرة ضمن مختلف المجالات، حيث لا يقتصر تأثيره على تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. كما لن يكون تأثير الذكاء الاصطناعي  محدوداً بإدخال المواد والشهادات العلمية الجديدة إلى البرامج الأكاديمية، إذ سيغيّر الذكاء الاصطناعي محتوى التعليم العالي ويعزز تجارب التعلّم التي يعيشها الطلاب خلال دراستهم بشكل جذري.

 

وفي الشرق الأوسط على وجه التحديد، تحرص العديد من الدول على تنويع اقتصادها حتى لا تكون محصورة على مصدر بعينه، فمن المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الإقليمي بحوالي 320 مليار دولار بحلول عام 2030. لذا، فقد بدأ المعلمون في المنطقة يبدون اهتماماً متزايداً بهذا المجال وتأثيره في التعليم.

 

تعليم الذكاء الاصطناعي

 

تتصدر منطقة الشرق الأوسط صدارة التعليم المتخصص في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ تحتضن جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي أول جامعة للدراسات العليا في العالم قائمة على بحوث الذكاء الاصطناعي. وتقدم الجامعة لطلابها برامج الماجستير والدكتوراه في علوم الحاسوب والرؤية الحاسوبية وتعلّم الآلة ومعالجة اللغات الطبيعية وعلم الروبوتات، وهي تستقطب نخبة من الخبراء والطلاب من جميع أنحاء العالم إلى حرمها في أبوظبي.

 

أما الجامعات الأخرى في المنطقة، فبعضها يعمل على تقديم دورات ومساقات متخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي أو يحرص على دمج الذكاء الاصطناعي ضمن برامجها في تخصصات تقنية مثل الهندسة وعلوم الحاسوب.

 

لا بد من الإشارة إلى أنه من المتوقع أن تساهم التغيّرات العالمية في الطلب على المهارات في توسيع نطاق الدورات والمساقات التي تتمحور حول الذكاء الاصطناعي. إذ يبيّن مقياس وظائف الذكاء الاصطناعي لعام 2024 الصادر عن برايس ووترهاوس كوبرز[2]، على سبيل المثال، أن الوظائف التي تتطلب مهارات متخصصة في الذكاء الاصطناعي تشهد نمواً أسرع من الوظائف الأخرى بمعدل 3.5 أضعاف، وأنّ الموظفين ذوي المهارات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي حصلوا على علاوة في الرواتب تصل إلى 25%.

 

التعليم باستخدام الذكاء الاصطناعي

 

في يومنا هذا، أصبح استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم أمراً حتمياً، إلا أنه على الرغم من مزاياه العديدة يترافق مع مجموعة من التحديات التي لا بد من مواجهتها. 

 

بالنسبة إلى المزايا المتنوّعة للذكاء الاصطناعي، فهو يضفي طابعاً شخصياً على التجارب التي يعيشها الطلاب، ما يتيح للجامعات تحقيق المزيد من الإنجازات باستخدام موارد محدودة، وتعزيز فرص الطلاب في مختلف المجتمعات في الحصول على التعليم.

 

كما تُعد أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل النماذج اللغوية الكبيرة مفيدة على وجه التحديد في تجارب التعليم المخصصة وفق احتياجات الطلاب. فمن خلال تحليل كميات هائلة من البيانات، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي تطوير مسارات تعليمية شخصية، وتقديم الملاحظات بشكل دائم، واقتراح محتوى وأنشطة تلبي احتياجات كل طالب وتأخذ بعين الاعتبار نقاط قوته وضعفه. ويتيح هذا التحول الجذري نحو التعليم الشخصي تلبية احتياجات جميع الطلاب، بمن فيهم أصحاب الهمم وذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة، نظراً إلى قدرته على التكيّف والتفاعل مع مختلف المتطلبات.

 

ويمكن لروبوتات الدردشة الآلية المتخصصة أن تزيد من إمكانية حصول الطلاب على الدعم الذي يحتاجون إليه، إذ توفّر لهم الحلول والتفسيرات والإجابات والنصائح والمعلومات بسرعة وعلى مدار الساعة، طوال أيام الأسبوع.

 

إلى جانب ذلك، يشرّع الذكاء الاصطناعي الأبواب أمام فرص بحثية جديدة. فبفضل قدرته على معالجة وتصوّر كميات هائلة من البيانات وتحديد الأنماط والرؤى بشكل أسرع من الإنسان، يعمل الذكاء الاصطناعي على تسريع وتيرة البحوث والإنجازات في مجالات عدّة، مثل الرعاية الصحية والحد من تغير المناخ.

 

في المقابل، يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي، إذا تم استخدامه بطريقة خاطئة، إلى تفاقم أوجه عدم المساواة في مجال التعليم، ما يؤدي إلى تشكيل فجوة رقمية جديدة. فنظراً إلى ثمنه الباهظ، لن يتمكن جميع الطلاب وكل المؤسسات التعليمية من استخدامه، وهو ما سيزيد من حجم الفجوة بين الطلاب في شمال العالم وأولئك في جنوبه، وكذلك بين المعلمين من مناطق مختلفة، ومن خلفيات اجتماعية واقتصادية متنوّعة. من جهتها، سعت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي إلى معالجة هذه المشكلة من خلال دعم تطوير النماذج اللغوية الكبيرة والنماذج مفتوحة المصدر التي تسعى إلى إتاحة الذكاء الاصطناعي للجميع.

 

كما لا بد من تسليط الضوء على تحدٍ آخر يكمن في التقدم التكنولوجي السريع الذي يصعب على المؤسسات التعليمية والمعلمين مواكبته، إلى جانب المخاوف الأخرى، مثل خصوصية البيانات والتحيّز الخوارزمي، والتي لا تزال تطرح تحديات بارزة. بالتالي، من الضروري الحرص على استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي ومستدام ومسؤول في البيئات التعليمية المختلفة.

 

أهمية تحقيق التوازن

 

في حين يحظى الذكاء الاصطناعي بالاهتمام أكثر من غيره من التقنيات الجديدة، نظراً إلى إمكاناته التي من شأنها أن تُحدث تغييرات جذرية في حياة الإنسان، فإن التقنيات الأخرى تتمتع أيضاً بالقدرة على إحداث تأثير هائل في مجال التعليم والبحوث، مثل الحوسبة السحابية، والبلوك تشين، وفي السنوات القادمة، الحوسبة الكمية.

 

من هذا المنطلق، يتعيّن على المعلمين والطلاب الإلمام بهذه التقنيات الجديدة. أما بالنسبة إلى أصحاب المصلحة، بما في ذلك الهيئات الحكومية، والجامعات، فجميع هذه الجهات تضطلع بدور مهم في وضع وتنفيذ سياسات وإرشادات استباقية شفافة، وذلك بهدف التخفيف من المخاطر التي قد تنجم عن استخدام هذه التقنيات، والحرص في الوقت عينه على أن تستفيد كل المجتمعات بجميع فئاتها من الذكاء الاصطناعي، لتتمكن هذه التكنولوجيا من إحداث تغيير إيجابي في مجالات الحياة كافة.

اقرأ في النهار Premium