نزف البقاع، الخميس، دماء بقاعية وجنوبية وسورية، 21 شهيداً ومفقودين وأكثر من 25 جريحاً على في غارتين على بلدتي الكرك ورياق.
كانت بلدات قضاء زحلة وجوارها، تعيش نهار الخميس أجواء شبه طبيعية. الطقس المشمس، المحال التجارية المفتوحة، بدء التدريس في المدارس والجامعات الخاصة جزئياً أو كلياً، حضورياً أو عن بعد، توقف الغارات ليومين على رغم إستمرار تحليق طائرات الاستطلاع وأصوات عمليات حربية يردّدها السهل وقد باتت من يوميات سكانه.
كلها عوامل ساهمت في إضفاء هدؤ خادع. في بلدة الكرك، واحدة من أحياء مدينة زحلة، كانت ثمة مجموعة أطفال يلعبون في الباحة المسقوفة لمبنيين متصّلين، في حيّ سكني على طرف الطريق العامة، أكبرهم في الحادية عشرة. كانت الساعة تزيد بدقيقتين عن الثانية والنصف بعد الظهر، حين حصلت غارة أولى من مسيّرة على موقع المبنيين، "نقز سكانها" ومثلهم سكان الحيّ وأصحاب المصالح التجارية المجاورة، تلتها غارة ثانية من المسيّرة، نزل سكان المبنى هرباً من بيوتهم، هرع بعض الجيران لإستطلاع ما يجري، فيما آثر البعض أن يجمع أفراد عائلته ويحتمي. فغارة من الطيران الحربي بصاروخين، حجبت الشمس، وأطبقت المبنيين على سكانهما.
وسكان المبنيين نازحون من الجنوب، جدّ وأولاده وأحفاده وأولاد أحفاده من آل رمضان، الى جانب خالد الناطور السوري المحبوب من الجيران وعائلته. والحصيلة: 11 شهيدا ً بينهم 7 أطفال، جرحى في المنازل والمحال المجاورة، أضرار في المباني المجاورة، واجهات محال محطمة وصولاً الى الأوتوستراد.
فيما كانت الصدمة تتعاظم، مع ورود الأنباء والصور على الهواتف عن هول المشهد وأعداد الضحايا، إهتزّت المنطقة مرة جديدة، غارة على رياق، حجمها من بعيد "يوقف القلب رهبةً"، وعدد شهدائها يكسره 10 شهداء، لـ 3 عائلات، قضوا بغارة على مبنى سكني من أربع طبقات، عرف منهم: حسين أحمد عبيد وزوجته منال الياس ياسين، علي منذر ناصر وإبنه منذر وإبنته مريم، جعفر سهيل أبوزيد وزوجته زينة شومان وإبنتاهما بنين ونرجس، الى طفلة إنتشل جثمانها قبل ظهر اليوم.
أشرقت شمس الجمعة، وأعداد شهداء غارة الكرك لم تستقر على رقم، ولا عدد الناجين أيضاً. فبعد إنقاذ طفل من آل رمضان من تحت الركام عصر الخميس، إنتُشل عمّه سجاد رمضان إبن الـ17 سنة حياً، قبل الظهر. من سريره في طوارىء المستشفى، غافلاً عن أنه فقد معظم أفراد عائلته، يروي لنا رحلة نزوح عائلته من عدشيت الجنوبية، الى حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت الى الكرك البقاعية. يقول أنه قضى الليل كله يصرخ من تحت الأنقاض كلما سمع صوتاً "موتوسيكل، سيارة، طائرة، كنت أصرخ".
ليس حجم الركام وحده ما أعاق عمليات رفع الانقاض والبحث عن ضحايا الغارتين في كل من الكرك ورياق، سواء ناجين أو شهداء، بل أن التهديد المستمر من طائرات الاستطلاع والطائرات الحربية كان يحتّم توقف أعمال الاغاثة مراراً. عند الثالثة بعد الظهر، شيّعت رياق حوش- حالا ضحايا الغارة العشر، على وقع نزوح سكان حيّ السلم فيها. وفيما كانت بلدة الكرك لا تزال ترفع ركام المبنيين المبقورين، وقبل الثانية بعد الظهر بدقائق، إستهدف المكان بغارة تحذيرية من مسيّرة تلتها غارة بصاروخ، سقط فيها جريحان، ودُمّر المبنيان بشكل كامل.
على بعد أكثر من 100 كيلومتر عن الحدود الجنوبية، البقاع ساحة لعمليات عسكرية حربية ضحاياها مدنيون. من دون إنذار مسبق بالاخلاء، ترعد السماء صواريخ وتسيل دماء أبرياء، تتسع رقعة الدمار ويرتفع عدد النازحين.
اقرأ أيضاً: أوقفه "حزب الله" وحقّق معه الجيش… الإفراج عن المصور بيار مزنر