النهار

كيف سيخرج لبنان من حرب "إعادة صياغة المنطقة"؟
باريس - سمير تويني
المصدر: "النهار"
كيف سيخرج لبنان من حرب "إعادة صياغة المنطقة"؟
A+   A-

أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على حربه ضد لبنان و"حزب الله" في ٢٧ أيلول تسمية "الترتيب الجديد"، ودعا إلى "إعادة صياغة المنطقة"، بما معناه أن إسرائيل تسعى إلى اتباع منهجية لتغيير الشرق الأوسط.
بعد "طوفان الأقصى" كان طموح إسرائيل استعادة أمنها على المدى الطويل، فهل هذا متاح؟ وكيف يمكن إسرائيل تغيير صورة المنطقة سياسيا وجغرافيا لضمان اندماجها الإقليمي؟

 

شكلت تصفية الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بالنسبة إلى نتنياهو شرطا أساسيا لتعديل توازن القوى في المنطقة للسنوات المقبلة. فـ"حزب الله" كان الشوكة التي يجب اقتلاعها. وتضمن المشروع الإسرائيلي منع "محور الممانعة" من الحفاظ على الميليشيات الجهادية المسلحة التي أنشأتها إيران، ومنع التعرض لإسرائيل.

 

 

وتعرّض تنظيمان داخل المحور هما "حماس" و "حزب الله" اللذان يواجهان الجيش الإسرائيلي منذ أكثر من سنة، لضربات قاسية أدت إلى إضعافهما. وتعوّل الآن حكومة نتنياهو على اغتنام اللحظة للدفع نحو تعديل الموازين من خلال ضرب كلّ من الحزب والمنظمة، وكذلك عرابهما الإيراني الذي يجد نفسه في موقع دفاعي. وفي هذا السياق تعمل طهران التي استخدمت الحزب كسيف مصلت فوق رأس خصمها الإسرائيلي، للتعجيل في برنامجها النووي العسكري، وهو المشروع الذي لا تنوي إسرائيل السماح بتنفيذه لأنه يهدد تفوقها الإستراتيجي.

 

 

والحال أن هذه الدينامية المزدوجة خطرة جدا على المنطقة في الأشهر المقبلة، ويبدو أن مآثر "الموساد" الذي اخترق الحزب وحتى الحرس الثوري الإيراني على أعلى المستويات، أعاد إلى المجتمع الإسرائيلي شعورا بالفخر بإنجازاته بعدما قوضه إفلاس هذه الاستخبارات في كشف أحداث ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣. 

 

 

لكن الدولة العبرية لا تملك الوسائل لتغيير المنطقة وقيام "ترتيب جديد" لها. يمكن مثلا الولايات المتحدة الضغط على السعودية لتوسيع نطاق "اتفاق أبرهام" الذي طبّع العلاقات الإسرائيلية مع عدد من الدول العربية، لكن المملكة وضعت شرطا أساسيا وواضحا لأي تقارب، هو  استعادة مسار موثوق به نحو  إنشاء دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل. وبعد فشل عملية السلام عام ١٩٩٢ في أوسلو، اعتقدت إسرائيل أنها تستطيع تجاهل القضية الفلسطينية، لكن الحرب القائمة على الجبهتين الغزاوية واللبنانية والبحث عن حل مستدام أعادا القضية إلى الواجهة. ونزوح نحو ٨٠  ألفا داخل إسرائيل وأكثر من مليون في لبنان ذكّر بمدى أهمية التوصل إلى حل. وأظهر ٧ تشرين الأول (أكتوبر) مدى خطر السماح بتشجيع حكم الإسلاميين على الحدود الإسرائيلية.

 

 

أما في لبنان فإن الحزب ضعف عسكريا بعدما كان السيد نصرالله على رأس أكبر تنظيم عسكري، مما دفعه إلى قيادة لبنان منذ عقود، وغيّر اغتياله موازين القوى داخليا وإقليميا، بعدما جذب آلة الحرب الإسرائيلية إلى لبنان باتخاذه قرار "وحدة الساحات" و"حرب الإسناد" لغزة. وكان استهدافه مكتوبا في السياسة المنهجية للاغتيالات التى تقوم بها إسرائيل. والذين لم يفهموا هذا التغيير منذ عام، هم قادة السلطة في لبنان. فهم يرفضون السير على طريق الحكم الرشيد وإصلاح الإدارة الفاسدة وإعادة بناء سلطة شرعية. فيما يهدد نتنياهو بتدمير لبنان كما غزة في حال لم يقف اللبنانيون ضد الحزب. وفي غياب الدولة وجيش قوي يفرض وقفا للنار، يبرز العديد من المخاطر، منها ما يتشكل في كل طائفة من مجموعات متطرفة لن تتمكن قياداتها من احتوائها، بما قد يؤدي إلى قتال داخلي ومزيد من الانقسام الأفقي. وسيتوجب على الشعب اللبناني أن يقرر  مصيره، فيما الواقع الذي يعيشه البلد يجعلنا نشكك في قدرة التغيير. فهل يمكن الشعب التعويل على قادته ليتفقوا على مصلحة لبنان العليا؟ وهل يمكن التعويل على نتيناهو  لحل مشاكل لبنان الذي يدمره بعد حريق إقليمي سيعدّل كل الموازين الإقليمية؟    

اقرأ في النهار Premium