لا ترجمة على الأرض بعد لكل الاتصالات المفتوحة بين لبنان وأكثر من عاصمة، في لحظة تتصاعد فيها اعتداءات إسرائيل. وكل الوعود الغربية "ما زالت كلاماً بكلام".
على أهمية اتصالات "ديبلوماسية الهاتف" بواسطة الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي مع الأميركيين والفرنسيين، لا يمكن البناء عليها إيجاباً ولا الاطمئنان إلى أن وقف النار أصبح قريباً. تلك العبارة جرى التركيز عليها مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والموفد آموس هوكشتاين، فضلا عن الرئيس إيمانويل ماكرون، وسط توجه لبنان إلى طلب الحد من العدوان الإسرائيلي وضرباته في الضاحية الجنوبية وعدم تكرار استهدافه بيروت، من دون أن يعني ذلك التسليم باستمرار الاعتداءات في الجنوب والبقاع، والتي تسارعت وتيرتها في الأيام الأخيرة.
وسمع ميقاتي من بلينكن جملة "سنمارس ضغوطاً على إسرائيل". وسبق أن تلقى رئيس الحكومة المواقف نفسها في نيويورك، مع إعلان لبنان منذ اليوم الأول أنه لن يقصر في الإفادة من أي نافذة ديبلوماسية، وإعلانه الموافقة على تطبيق الـ 1701 ونشر الجيش بأعداد أكبر في الجنوب والتعاون مع "اليونيفيل". ولم يعد المسؤولون يعرفون إذا كانت واشنطن تمارس صغوطاً بالفعل على بنيامين نتنياهو أو أنه يتمرد عليها وعلى العالم، مع ترجيح الاحتمال الثاني، جراء كل هذه التغطية الأميركية لمخططه في غزة ولبنان.
وجاءت زيارة رئيس البرلمان الإيراني محمد قاليباف لبيروت في إطار مواكبة بلده مسار الأحداث، وهي في صلبها. وسمع من ميقاتي أن الوضع حساس جداً والمطلوب التمهل في اتخاذ أي من القرارات.
كذلك شدد بري في اتصاليه بماكرون وبلينكن على لازمة ضرورة التوصل إلى وقف النار، لأن هذا يشكل المفتاح لإنهاء العدوان الإسرائيلي الذي لا يريد نتنياهو التراجع عنه، إذ يهدف إلى تفكيك القدرات العسكرية لـ"حزب الله"، ويتوجه ولو بطريقة غير مباشرة إلى افتعال أزمات في المناطق التي استضافت النازحين، بذريعة أن مسؤولين في الحزب يقيمون بين صفوف أهالي البلدات المستضيفة هرباً من نيران المسيّرات الإسرائيلية وصواريخها.
إلى جانب هذه الاتصالات، لم يكن مطار رفيق الحريري بعيداً من الحراك الديبلوماسي. وفي المعلومات أن قطر دخلت على خط الاتصالات بالمسؤولين في واشنطن في محاولة لتجنيب المطار أي ضربة إسرائيلية، علماً أن الطريق المؤدية إليه تشكل الشريان الأول لربط البلد بالعالم. ورغم تدخل الدوحة لم تتلق أجوبة شافية تماماً، إذ يجمع الكل على تمرد نتنياهو على أي تعهدات وعدم اكتراثه لما يصدر عن الإدارة الأميركية.
وتوضح مصادر ديبلوماسية غير لبنانية مواكبة لتطورات الإقليم والأخطار التي تهدده، أن التركيز على وقف النار أمر مهم ومطلوب، فضلا عن تواصل لبنان مع الدول الغربية والصديقة التي تمده بالمساعدات الغذائية والطبية للوقوف إلى جانب العدد الضخم من النازحين الذين تزداد حاجاتهم أكثر كلما اقترب الشتاء.
وإلى هاتين النقطتين الأساسيتين، يتوجب على البرلمان إتمام الانتخابات الرئاسية وتشكيل حكومة جديدة تستطيع أن تفاوض وترسم ما يحضر للبلد، حيث باتت الشكوك أكبر في قبول استمرار إسرائيل بالـ 1701 إذا تمكنت من احتلال مساحة من الجنوب، مع التوقف عند ثبات المقاومة في التصدي لها باعتراف جهات في الخارج لا تلتقي معها.
ولسان حال بري في هذا المجال أنه لا يقبل بالتعامل مع سياسة الضغوط عليه وعلى لبنان، ولا يمارس إلا اقتناعاته الوطنية ومصلحة البلد وسيادته. ولم تخلُ الاتصالات الأميركية والفرنسية من التطرق إلى الملف الرئاسي من دون الخوض في الأسماء، مع إشارة ميقاتي إلى إيجابيات البيان الثلاثي من عين التينة وأنه كان على كتل ونواب تلقف مضمونه "ولا سيما بعد التطور الإيجابي من الرئيس بري".
وإذا كان تركيز رئيس المجلس منصباً على وقف النار، فإن هذا الأمر لم يمنعه من التعليق على لقاء معراب الأخير بقوله "إن الدكتور سمير جعجع يزرع، إلا أنه لا يأكل إلا النيء".