يخوض "حزب الله" في لبنان معارك ضارية على الحدود لمنع التوغل الإسرائيلي، ومن الطبيعي أن يُسجّل في هذه الفترة سقوط شهداء وجرحى وحتى أسرى. فهل تنعى "المقاومة الإسلامية" كل عناصرها، أم هناك أسباب تحول دون ذلك؟
منذ مطلع الشهر الحالي، ومع إعلان تل أبيب رسمياً بدء ما سمته "العملية البرية المحدودة في لبنان"، يحاول الجيش الإسرائيلي التقدم في اتجاه قرى الحافة الأمامية من خلال التسلل نحو مارون الراس ويارون في القطاع الأوسط، وكذلك في مركبا وميس الجبل في القطاع الشرقي، وعيتا الشعب وراميا في القطاع الغربي.
سبقت ذلك محاولات كثيرة للتقدم في اتجاه اللبونة قرب الناقورة، ولكن حتى تاريخه لم يتمكن من السيطرة الكاملة على أي بلدة حدودية، وإن دخل أطراف مارون الراس ويارون الملاصقتين للحدود.
تلك المحاولات حتمت مواجهات وصلت إلى حد الالتحام في أكثر من منطقة، ومن البديهي أن تكون قد سُجّلت خسائر بشرية.
فالمقاومة تعلن في بياناتها عن وقوع قتلى وجرحى في صفوف الإسرائيليين من دون أن تحدد الأعداد، وهذا بديهي، في انتظار ما يصدر من تل أبيب عن حجم الخسائر، وإن كانت الرقابة العسكرية تفرض تعتيماً صارماً على كل ما يتعلق بعدد الجنود القتلى، ما خلا ما تسربه المنصات الإعلامية الإسرائيلية.
أكثر من 500 شهيد منذ عام
قبل تصاعد العدوان الإسرائيلي على لبنان منذ نهاية الشهر الفائت، كان "حزب الله" يعلن يومياً عن عدد كوادره وعناصره الذين يسقطون خلال المواجهات الحدودية أو من خلال الاغتيالات التي تنفذها الطائرات الإسرائيلية، ومن ثم يقيم مراسم تشييع لهؤلاء، سواء في الضاحية الجنوبية لبيروت أو في المناطق.
إلا أن الأمور اختلفت منذ مطلع الشهر الحالي مع اتساع دائرة النيران والغارات، وهو ما أجبر سكان الكثير من البلدات الجنوبية والبقاعية، إضافة إلى الضاحية، على النزوح والانتقال إلى مناطق بعيدة نسبياً عن دائرة المواجهات، وإن تكن الغارات لا توفر تلك المناطق، ومنها في البترون وكسروان وجبل لبنان وحتى العاصمة.
تلك التطورات دفعت في اتجاه التوقف عن إتمام مراسم التشييع في أكثر من منطقة، وكذلك عدم إصدار البيانات كافة عن المواجهات والغارات، نظراً إلى استمرار المعارك وصعوبة وصول سيارات الإسعاف لنقل المصابين بعد القرار الإسرائيلي استهداف المسعفين في الكثير من المناطق اللبنانية يومياً.
كل ذلك ترافق مع إقامة مراسم سريعة للتشييع، ولا سيما في روضة الشهداء في الضاحية الجنوبية، على غرار تشييع نائب رئيس المجلس التنفيذي في الحزب الشيخ نبيل قاووق وعدد من كوادر المقاومة، وكذلك الدفن على سبيل الوديعة في بعض المناطق، ليصار لاحقاً إلى إقامة المراسم في البلدات عندما تسمح الظروف.
ومنذ سنة، نعى الحزب أكثر من 500 من كوادره وعناصره في الفترة الممتدة من 8 تشرين الأول (أكتوبر) العام الفائت ومطلع هذا الشهر. لكن استمرار المواجهات وكثافة الغارات سيرفعان تلك الأعداد حكماً، وإن في غياب إحصاء رسمي، على خلاف ما كانت عليه الأحوال قبل بداية الشهر الحالي.
وبحسب الخبير العسكري والإستراتيجي عمر معربوني، فإن المعارك تقاس بنتائجها لا بكلفتها، ولا سيما أن "العدو اعتقد أنه وجّه ضربة حاسمة للمقاومة بعد الاغتيالات وبعد تنفيذ 4000 غارة، كان الهدف منها تحقيق الانهيار الكامل، ولكن هذا لم يحصل".
أما عن خسائر المقاومة فيشير إلى أن "لدينا أمثلة كثيرة عن الخسائر البشرية، سواء في حرب الاتحاد السوفياتي ضد النازية أو في حرب فيتنام أو الجزائر، ولكن النتائج كانت الانتصار، على الرغم من تقديم ملايين الضحايا".
وفي نبذة عن الأعداد منذ عام، فقد توزع المقاتلون الـ500 على 170 مدينة وبلدة وقرية لبنانية، وقبل أيلول (سبتمبر) الفائت كان هؤلاء يتوزعون على بلدات الحافة الأمامية وأخرى خارج خط المواجهة، وكذلك بلدات بقاعية، ولكن بعد تكثيف الغارات واحتدام المواجهات ارتفعت أعداد البلدات المستهدفة وزادت استعانة المقاومة بعناصر من خارج الجنوب، وبالتالي اتسعت المناطق التي تقدم الدعم البشري للمقاومة.